الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرلمان العراقي .. إنقلاب أم حركة تصحيحية

ياسين الياسين

2016 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كلّنا يتابع وبأهتمام بالغ جداً مايجري في أروقة البرلمان العراقي بعدما وصل إستشراء ظاهرة الفساد المالي والأداري حداً لايطاق حتى طال الفرقاء بينهم ، فاختلفوا وإفترقوا خاصة بعد أن أصبحت البلاد على شفير هاوية تعاني عجزاً مالياً لم يحصل له مثيلاً من قبل حتى في زمن الطاغية المقبور رغم حروبه الجرارة والفتاكة ، وأصبحت ميزانية البلد خاوية ووضعه الأقتصادي في حرج شديد وبدأت إجراءات تقشف لها أول ولايعرف لها آخر ، وتمثلت تلك الأجراءات بفرض رسوم جديدة ثقيلة على المواطن في دوائر الدولة فضلاً عن إستقطاع مبالغ كبيرة من رواتب موظفي الدولة طال حتى المتقاعدين وممّن هم دون الوسط مما يؤثر سلباً على معيشتهم ، ومسّت تلك الأجراءات الرعاية الصحية التي كانت مجاناً للمواطن وقد كفلها الدستور في إحدى فقراته ونص عليها أن تكون مجاناً فجعلوها باهضة الأجر ومكلفة على المواطنين ، وتباعدت الهوة بين المسؤولين وكبر أتون الخلاف ليدخل معتركاً جديداً من الصراع بعد أن كان صراعاً بين الشعب المسلوب الأرادة والمغلوب على أمره ، والحكومة الضعيفة المتهاونة مع الفساد ، وليس من سلاح لدى الشعب الأعزل غير حقه الدستوري في التظاهر وليس غير ، وهو الحق الوحيد الذي كفله له دستور كتبوه على مقاسات كتلهم وأحزابهم بمايناسب مصالحهم ، وهم مع هذا يحاولون التضييق والخناق على المتظاهرين بحجة حمايتهم من خلال حيلة أمنية وهي قطع الطرقات التي هي بحقيقتها تضييقا لأنسيابية حركة الناس بأتجاه ساحات التظاهر ، وإبان زخم الأحداث دخل العم سام على الخط من جديد ليلعب لعبته الصامتة بحنكة ودراية المحتل والمتولي الحقيقي لأمر البلاد والعباد في بلادنا على حد سواء ، فبعد أن أعلن السيد مقتدى الصدر ومؤيديه إعتصامهم على أبواب المنطقة الخضراء ، وبعد أن خيّم زعيم التيار الصدري داخلها بدأت التسويات والتسويفات لأمتصاص غضب الشارع العراقي الساخن لدى لحظة دخول زعيم التيار الصدري المنطقة الخضراء وحيداً تاركاً كل أفراد حمايته خارج أسوار وأبواب الخضراء موكلاً بحمايته لقوات الجيش المتواجدة أصلاً هناك ، وبعد مداولات ومداهنات جرى فيها شد وجذب خرجت رئاسة الوزراء على السيد الصدر بقائمة الكابينة الوزارية الجديدة التي تضمنت تغييراً كاملاً لوجوه الحكومة التي أصبحت بنظر الناس فاسدة ، وهكذا لملم زعيم التيار الصدري أوراقه موعزاً إلى أتباعه بفض الأعتصام والعودة إلى حيث أتوا بعد أن إنفرجت الأزمة برأيه وبعد أن توفرت لديه القناعة بذلك من خلال الوعود والقوائم التي عاجلوه بها ، وما أن إنجلت سحب الأعتصام عن الخضراء تهلّلت أسارير الحكومة وعادت لتسويفاتها وتلويحاتها المخادعة بالأصلاح ، والتي يخرج بها رئيس الحكومة بين يوم وآخر يهدد ويتوعد الفاسدين ويعلن أنه خفض رواتب الرئاسات وسيخفض رواتب الوزراء والمسؤولين الكبار ومن ثم إحالة ملفات الفاسدين إلى القضاء لينالوا جزاؤهم العادل ، ولكن الأمر في حقيقته أنه وإلى اليوم لم يخفض راتباً لأي أحد من المسؤولين ، ولم نرى ولا فاسداً واحداً وقف خلف القضبان ليحاسب عن سرقاته وجرائمه بل أن الأمر بات يزيد كل يوم تعقيداً أكثر من ذي قبل وأن حلقات الفساد ماضية في توسع وأصبحت تمد لها أذرعاً تطال كل مفصل وكل شيء بل وبدأ بعضها يهدّد آخرين بحوزتهم ملفات ووثائق يطالبون بمحاسبة الفاسدين ، وقد حاولوا إبتزازهم ومساومتهم ولما لم تنجح تلك الأساليب بدأ بعضهم بالتهديد بحسب تصريحات البعض من البرلمانيين ، ولاشك لديهم يداً طولى ومكنة وظيفية كبيرة تسخّر له الأمكانية لأن ملفات الفساد ضخمة وكبيرة تطال رؤوساً لاقبل للآخرين بها ، فقد أسست لها أذرعاً مسلحة وبدأت تشكل عبئاً على الشارع وثقلاً كبيراً على القوات الأمنية التي لاتحسد على ماهيّات عملها وسط هذا المعترك الصعب ، وهنا وبعد أن أعلن السيد مقتدى الصدر إنسحابه من الخضراء وبات للجميع واضحاً أمر التسويف الحكومي الغير جاد أصلاً بدأت محاولات الألتفاف على الأتفاق الذي قطعوه لزعيم التيار الصدري أعلنت مجموعة من النواب تمكنت أن تزيد على النصف من عدد أعضاء المجلس النيابي إعتصامهم داخل قبة البرلمان العراقي مطالبين بعملية إصلاح وتصحيح لمسار حقيقي في العملية السياسية برمّتها وليست الحكومة وحسب ، وقد أعلنت أنها ستبدأ بعملية تغيير شامل للرئاسات الثلاث مع نوابهم ، ولاشك أن الرئاسات الثلاث هي عين الفساد في العملية السياسية لتكاليفها الباهضة جداً على كاهل الميزانية العراقية بلغت حداً من ترف لن تبلغه قبلاً حتى إمبراطوريات في التأريخ عظيمة كأمبراطورية لويس السادس عشر في فرنسا ، وبات أكثر من ثلثي ميزانية العراق تصرف على سرايا مستشارين لرئيس الجمهورية ومثلهم لرئيس الوزراء ورئيس البرلمان ومكاتبهم الفخمة ومبالغ تأثيثها المذهلة وأفواج حماياتهم التي بلغت أكثر من (28) فوجاً وملاك كل فوج أكثر من (750) عسكرياً يستخدمون حتى طائرات عسكرية مروحية لغرض النقل عند إجازاتهم وهذه المعلومات مؤكدة بوثائق لدى إحدى النائبات وقد صرّحت بها لوسائل الأعلام ، وعندما يسافر الرئيس وكانت إحداها لفرنسا لحضور مؤتمر عالمي إصطحب معه (85) شخصاً بينما كانت الوفود الرئاسية الأخرى للدول لاتتجاوز الأربعة أوخمسة أشخاص بالكثير ، وهكذا دخل الصراع مرحلة جديدة وبآليات جديدة وهي ثورة بيضاء من داخل قبة البرلمان لتصحيح هذا الوضع الفاسد ، ومع هذا بقي الآخرون في حيرة من أمرهم وحار الناس في تفسير الظاهرة الجديدة بعد أن ملّوا كل الوعود سلفاً ولم يستطع أحداً منهم تصديق أي برلماني أومسؤول ، فتم وضع الحالة في خانة واحدة من ثلاث فهي إما عملية مخادعة جديدة وكبيرة يقوم بها البرلمانيون للضحك على ذقون الناس ، وإما صحوة ضمير حقيقية إنتابت البرلمانيين وإنتفضوا لرفع حالة الحيف والحرمان والظلم الكبير الذي وقع على الشعب ، وأما لعبة أميركية جديدة بأدواة هي من جاءت بها أصلاً بُعيد الأحتلال وسقوط الصنم وبمعنى أنها أرادت أن تسلخ جلوداً لتستبدلها بجلوداً أخرى بعد أن أصبحت تلك الوجوه التي تولت العملية السياسية منذ السقوط إلى اليوم غير مقبولة ولم تترك منصة الحكم ، وبمعنى أنها بمفهوم السياسة الأميركية (Expirity) وعليه وجب صعود وجوه جديدة لاتقل أهميّة في تحالفها مع الأميركان عن سابقاتها ، ولاتخرج عن دائرة تقديم فروض الولاء والطاعة ، وأن مايؤيد فكرة الذاهبين إلى هذا الرأي هو دخول الدكتور أياد علاوي على خط النواب المعتصمين بقوة مع أنصاره ومؤيديه ومريديه ، وهو لاشك واحداً من أركان هندسة عملية الدخول الأميركي إلى العراق ، وهو يعتبر الحليف الثاني للأميركان من بين قادة المعارضة العراقية قبل سقوط النظام بعد الدكتور أحمد الجلبي الذي إنقلب عليه الأميركان فيما بعد ، ومن المعروف عن السياسة الأميركية أنها لاتجامل أحداً ولاتحابي أياً كان ، فهي ليس لها عداوات دائمة ولاصداقات دائمة وميزان عملها هو أن يكون كيفما تكون المصلحة الأميركية ولو يعني التراص ومساندة الشيطان ، وبينما يرجح كثيرون الأفتراض الثاني الذي يقول بأنها صحوة ضمير حقيقية جائت متأخرة مع بعض التوجس من الخيفة عليهم بسبب عدم كون ذلك الأعتصام بنواب الداخل حصراً ، وخيفتهم من دخول الدكتور أياد علاوي وآخرون ممن كانوا ركناً مهماً وأساسياً في المشهد السياسي إبان الأحتلال وسقوط النظام ، وهم أنفسهم من ساهموا بشكل كبير وفعّال في كتابة دستور ملغوم غير واضح تشوبه الضبابية ليلائم أهواؤهم وتفاسيرهم عند الحاجة لتفسير حالة تتماشى مع رغبات الكتل والأحزاب كالأختلاف والتفسير على سبيل المثال أيام الأنتخابات في أيّهما الكتلة المتحالفة الأكثر عدداً أم القائمة الأكثر عدداً قبل التحالف وهكذا ، وقد تبدو ملامح الصراع في قابل الأيام أكثر وضوحاً بعد أن كانت السفارة الأميركية ومازالت تغازل السفارة الأيرانية ، وتناقض التصريحات بين حين وآخر فمرة تقول بدستورية إجراءات المعتصمين من النواب تجاه إقالة رئيس البرلمان السابق وأخرى تحبس الأنفاس قليلاً ، ومن ثم يوعزون إلى حلفاء سابقين بعد حضور وزير خارجيّتهم بأنه أشبه بأنقلاب على الشرعية ، وهكذا دواليك يدخل الصراع دائرة هندسة السياسات الأميركية ليتبيّن لنا بعد ذلك الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وهل أننا ماضون إلى عملية إنقلاب أميركية داخل العملية السياسية نفسها وإستبدال وجوه بأخرى ، أم أنها حركة تصحيحية حقيقية وواقعية وصحوة ضمير من نواب كانوا نائمين سنين طوال عجاف وإستفاقوا بعد أن مسّهم الضرّ فأحسّوا بآلام شعبهم .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال