الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعادلة السياسية الجديدة: P (P+S) = P (J+D)

سعيدي المولودي

2016 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


المعادلة السياسية الجديدة:
P (P+S) = P (J+D)

في ما يشبه الانقلاب على المفاهيم والأفكار السياسية والمعتقدات والأيديولوجيات ظهرت على سطح المشهد السياسي ببلادنا في الآونة الأخيرة معالم معادلة سياسية جديدة تهم تحولات جوهرية في تصورات وقناعات ورؤى حزبين من الأحزاب الحكومية الحالية، هما حزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية، إذ تم الإعلان منتصف الشهر الجاري ( أبريل 2016) عن مشروع ميلاد "وحدة" و"تقاسم" أو "توحد" بين الحزبين عبر بلاغ مشترك يقوم على كثير من صيغ التلفيق، يضعنا في دائرة الثالث المرفوع، حيث حزب التقدم والاشتراكية هو حزب العدالة والتنمية، أو حزب التقدم والاشتراكية ليس هو حزب العدالة والتنمية، وحزب العدالة والتنمية هو حزب التقدم والاشتراكية أو حزب العدالة والتنمية ليس هو حزب التقدم والاشتراكية،ولا احتمال ثالثا بينها.ومن البلاغ المذكور يبدو أن الحزبين استعادا تضاريس زمن التواطؤات والمؤامرات والنبوءات الكاذبة وأعادا عقارب المشهد السياسي إلى حيث يستوي الليل بالنهار والبدء بالنهايات وتتشابك الألوان حيث يلبس البياض السواد والسواد البياض، ويفقد كل شيء معناه وتتقدم مباهج السياسة في ما يشبه السديم: يعانق الضد ضده، والغريم غريمه، والعدو عدوه، وتغادر الحقائق مداها ويتحسس التاريخ رصيف الوقت حيث لا أحد ينزل ماء النهر، والغابات تضع حسابها في قبضة الحطابين.
كان اللقاء أقرب إلى نشوة الفتوحات الكبرى واقتراف الشهوات المحظورة، وتمكن الحزبان من إعادة ترتيب قواعد لعبة المرور الجديدة، لتجاوز كل الخطايا وفتح خطوات اللانهائي لمهادنة النيات الظمأى والمصالح المرسلة والسعي المطلق نحو سدرة الموائد والزرابي والكراسي المبثوثة، وكل ما يؤمن قاعدة الحزبين ويجسد جسر خلاص لنزوات وصبوات المناضلين التواقين لمفاتن المناصب المخبوءة تحت خنادق الاقتراع. وتحققت الرؤيا المكسورة ،تلاشت ريح الأيديولوجيات ولم تعد أداة للقبض على سرب الحقيقة، بل أداة خارقة للوصول، تساعد على امتلاك موقع ضمن غيمات السلطة، وخلق الشروط المناسبة التي تؤهل للتحكم. إنما السياسة جوهرها المنفعة والمصلحة، ونجاعتها تكون بقدر ما يكون السياسيون أقدر على معرفة الشروط التاريخية الاجتماعية المناسبة لتحقيق أهدافهم الصغيرة ، القريبة والبعيدة، خارج دائرة الممكن التاريخي والسياسي.
اللقاء كما يصفه البلاغ المشترك كان فرصة لتقاسم تقييم الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالبلاد، وقراءة ( تحليل) منحى التطورات المرتقبة لهذا الوضع، في أفق الاستحقاقات المقبلة بطبيعة الحال. ودلالات لفظة التقاسم في الواقع تأخذ اتجاهين دلاليين متقاربين ومتلاحمين، يحيل الأول إلى حقل التحالف(الحلِف/ القسَم.) والثاني إلى مجال التقسيم والتوزيع، وأخذ كل طرف لنصيبه من القسمة، ومن الطبيعي أن تلتئم الدلالتان في هذا السياق ليكون اللقاء نقطة مرجعية في تواطؤ الحزبين انطلاقا من تجربتهما الحكومية على وضع حدود معلومة يقيسان بها الواقع تبعا لمعاييرهما ، لمواجهة أية طواريء يمكن أن تغير صيرورة الإمكانات التي يختزنها الواقع السياسي، ويمكن أن تحول دون تموقعهما ضمن جاذبيات السلطة ومراكز القرار. والتقاسم من هنا وعي استباقي بمدلولات شمولية لتوحيد المصالح والرؤى والبناء المشترك لمضامينها وأبعادها وتلافي التنازع حولها.
ويوظف البلاغ المشترك لفظتين كمفتاح لهذا التقاسم هما: "التأكيد"، و"الاعتزاز"، وظف التأكيد ثلاث مرات في بداية ثلاث فقرات، والاعتزاز مرتين في فقرتين، وغلبة سياق توظيف التأكيد يحيل إلى أن عملية التقاسم تندرج ضمن دائرة اليقينيات، وأنها تجسيد لخطاب سياسي مصلحي، وعقدي بالضرورة،يروم تحقيق أهداف خاصة تصب في مصلحة الحزبين وحدهما. وهذا ما ينأى بها عن دائرة الشك، و احتمال أية تأويلات أخرى. وبهذا المعنى يشكل الحزبان كتلة واحدة ينهض التقاسم بدور الناظم للعلاقات بين أطرافها، ويوفر لهما إطارا حاسما وموحدا لإدراك وتقييم الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقد شمل التأكيد ثلاث مجالات: التأكيد على مواصلة اليقظة والتعبئة لمواجهة التحديات المتعلقة بالوحدة الترابية، التأكيد على مواصلة العمل المشترك داخل الحكومة والهيئات المرتبطة بها، والتأكيد على أن التجربة الحكومية الحالية هي تجربة نموذجية يجب الدفاع عنها ودعم نهجها ومضامينها.ونظرا لطبيعة البلاغ وخصوصياته البنائية فإنه لا يبدو أن هناك محددات واضحة تؤطر هذه التأكيدات أو تمنحها القدرة على الإقناع غير عبارات فضفاضة مألوفة لا تخلو من تمويه وتحايل على الواقع السياسي وإفرازاته المتباينة.
أما الاعتزاز فيشمل مجالين: الاعتزاز بالعمل المشترك داخل الحكومة، والاعتزاز بالأداء الحكومي الإيجابي، وهو ما يشكل تفريعا أو تفصيلا وتكرارا للتأكيدات السالفة. والاعتزاز في هذا المقام هو شكل صريح لمديح الذات ومظهر للتباهي والتفاخر، ويحيل بقوة إلى دلالات الكبرياء والاستكبار والتشدد وتقديس الذات، إضافة إلى ما يحمله في ثناياه من دلالات تؤشر للغرور والتعريض بالآخرين، ولذلك تبدو لفظة الاعتزاز وكأنها تعبير عن موقف انفعالي أكثر مما هي تعبير سياسي، وهو ما يدفع الحزبين إلى إضفاء طابع الكمال المطلق على التجربة الحكومية التي يقودانها.
ويعبر سياق البلاغ في هذا الاتجاه عن "اندماج" مستتر للحزبين يعلن عن نفسه من خلال تطابق وتقاسم الرؤى والمصالح ووحدة الأهداف والغايات والوسائل كذلك ، دون أية إشارة إلى طبيعة الفوارق الموضوعية القائمة بين توجهاتهما الأيديولوجية والسياسية، فالبلاغ يلغي مجال أية "أصول" أو "مرجعيات" تفرق بين الحزبين، إذ هما يعبران عن إرادة واحدة وعن رغبة واحدة وعن رؤية واحدة وعن تصور واحد وعن مصلحة واحدة، ومع أن إحدى فقرات البلاغ تثير بشكل عارض مسألة التباين في المرجعيات الفكرية والأيديولوجية إلا أن السياق العام يلغي تماما هذه الخاصية، لأن العمل المشترك والتقاسم شكلا الإطار الفعلي الذي تنفذ منه الحقيقة، وتنتفي معه مسافات هذا التباين.
وعلى ضوء هذا يمكن تسجيل الآتي:
- إن البلاغ المشترك لا يستند من الوجهة السياسية إلى المعايير الفكرية والأيديولوجية للحزبين بقدر ما يعبر عن مشاغل سياسية ذاتية خارجة عن نطاق الأيديولوجيا، وهي مشاغل تنتمي إلى دائرة المصالح الضيقة التي توجه الشعارات السياسية للحزبين، وهو من هذه الزاوية بلاغ "ضد التاريخ" ولا يعكس غير دينامية الوعي السياسي الانتهازي الزائف الذي يتعامل مع الواقع من زاوية المصلحة الخاصة فحسب.
- إن حزب التقدم والاشتراكية عبر هذا البلاغ انسلخ بصفة نهائية عن تاريخه النضالي المضيء واختار الاصطفاف إلى جانب المعسكر الرجعي المناهض للتقدم والتحرر والفكر المتنور، ويضيف لحظة جديدة إلى تاريخه يقرر فيها الانخراط في المضاربات السياسية والتلاعب بالقيم النضالية التي ناضل من أجل توطينها جيل من المناضلين الأوفياء على مدى عقود طويلة.
- إن حزب التقدم والاشتراكية بهذا التقاسم/ التحالف مع حزب العدالة والتنمية يعلن القطيعة النضالية والسياسية مع اليسار المغربي بكل مكوناته، على مستوى المرجعيات النظرية وعلى مستوى الممارسة، وتبنى خيار التبعية ودعم القوى الاجتماعية الرجعية التي تستهدف المجتمع في بنائه وتماسكه وقيمه وتطوره، وتسعى إلى تفكيك أواصره الثقافية والحضارية .
- إن حزب العدالة والتنمية حقق عبر البلاغ انتصارا تاريخيا على خصومه اليساريين، وأغلق بالمغرب كل أبواب الشيوعية، ونجح بشكل رائع في مهمته، وأدى دوره الجهادي الكامل في التصدي للفكر الشيوعي الإلحادي، وامتداداته الأيديولوجية والسياسية، وأسدى خدمة جليلة لكل الجماعات الدينية في العالم والأنظمة التي تدعمها وتهيء الشروط والأسباب التاريخية لانتشارها وبسط هيمنتها على المجتمع.
- إن البلاغ، في الواقع، لايعبر عن صورة وعي جديد أو تجديدي أو يعكس ثقافة سياسية جديدة لقراءة الواقع الاجتماعي والسياسي، بل هو تعبير عن شعور قائم بانسداد الأفق السياسي أمام الحزبين، وتراجع فاعليتهما التاريخية، ولا يحمل أية أبعاد استراتيجية أو تكتيكية متقدمة غير تهييء الأسباب والذرائع لتحقيق الشروط الأكثر ملاءمة لتكريس الوضع الحالي والاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة به، والإصرار على لعب الدور ذاته مستقبلا عن طريق إعادة إنتاج شروط التجربة الحكومية الحالية.

سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |