الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان فهد دوغمائياً ؟

سجاد سالم حسين

2016 / 4 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الدوغمائية هي الوثوقية, أي الفكر الذي يثق بمعرفته ونظريته ثقة تمنعه من رؤية نواقصها وثغراتها وملاحقة التغيرات التي تعيشها المجتمعات , في النظرية الماركسية هي التحجر وهذا ما ينافي طبيعة الفكر والنظرية نفسها. أرى أن كثيراً من عزفوا عن قراءة متجددة لسيرة قائد مهم كيوسف سلمان يوسف بسبب هذا الموقف المسبق من فكره وشخصه, وفي هذا الموقف تشتبك عوامل كثيرة وتتصارع, منها ما هو طبقي ومنها الايدلوجي, رغم جاذبية هذه السيرة في محمولها الشخصي والثوري وقابليتها للانفتاح على قراءات متعددة تخرج عن اطارها الحزبي. فهي سيرة وطن وحقبة مهمة امتدت تأثيراتها الى يومنا هذا وتبسط ذراعها للمستقبل ايضاً, و لو افترضنا سؤالا معاكسا ما هو الواقع اليوم اذا طرحنا وجود فهد من معادلة اليسار في العراق؟ صحيح ان جذور الاشتراكية وجدت قبل ان يسطع نجم فهد لكن التنظيم والوعي الثوري في تلك المرحلة لم يكن ليرتقي بمستوياته كما وصل آنذاك وكما أستمر اليوم .
لم يكن فهد من النوع الذي يكرر المقولات الماركسية ولا يلبسها ثوبا " عراقيا " فهو اجتهد نظرياً بما أُتيح له رغم قلة إسهاماته في هذا المجال لادراكه ان مهامه يجب ان ترتكز على التنظيم والتثوير وهذا ما لمع فيه رغم الانشقاقات والانتهازية وقمع السلطات وتضييقها على جانب مهم مساهم في العمق المعرفي للشيوعيين تمثل بالسعي السلطوي الدؤوب لملاحقة المنشورات والكتب وغلق الصحف ان رأت فيها ادنى اهتمام بمطالب الشعب العادلة .
العمق الفكري لفهد تمثل في قدرته على الاستيعاب النظري و " تقشير " هذه المعرفة بلغة وخطاب تناسب الواقع العراقي وصوغها كشعارات واهداف سرعان ما تنتشر بين أبناء الشعب فتصبح ملهمة لهم في النضال ضد الاستعمار والحكم الملكي وحلفائه الاقطاعيين . معرفة فهد والتي كانت ملفتة آنذاك تجلت في اثنين من اهم الوثائق التي قدمها وكان له دور بارز في صياغتها, الأولى هي الميثاق الوطني الذي تم اقراره في الكونفرنس الحزبي الأول عام 1944 والذي قام على " أساس ثورتنا الوطنية الديمقراطية " والثانية هي مخرجات المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي العراقي عام 1945 ووثائقه, ولعله من أهمها الوثيقة الشهيرة "وصايا الى رفيق حزبي" . في الميثاق الوطني وجه الحزب نداءه الى كل العراقيين "هذا هو ميثاقنا الوطني, هذا هو دستور مرحلتنا الحالية, وندعو كل مواطن عراقي يحب وطنه وشعبه, ان يناضل من اجل تحقيقه لخير الشعب والبلاد " هذا الميثاق المهم والذي يعتبر ابرز وثيقة سياسية عراقية نضالية كان بادئة المؤتمر الوطني الأول الذي حمل تسمية " مؤتمر التنظيم" وهو ما أكد عليه فهد في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر " ان ميثاقنا الوطني, منهاج عملي لا يتحقق بدون تنظيمات ملائمة شعبية قوية وهذه لا تتم اليوم بدون تقوية التنظيم الحزبي عندنا ", من قراءة هذه الوثائق يمكن تسجيل الملاحظات الاتية على سعة افق فهد ودوره الريادي في الحركة الوطنية والديمقراطية :
أولا : الدستورية, رغم إشكالات التشريع العراقي وارتهانه أحيانا لمصالح الاقطاع والاستعمار والحكام فإن فهد كان يدرك الدور الذي تلعبه السلطات آنذاك بتعطيل احكام الدستور واللجوء الى الاحكام العرفية وترك التطبيق الصحيح لبعض المبادئ الدستورية والبعد عنها, لذلك الميثاق الوطني شدد على النضال من اجل إيجاد حكومة تعمل لصالح الشعب وجهاز حكومي ديمقراطي, وبرلمان ومجالس إدارة وبلدية ينتخبها الشعب, وركز على مطلب تقدمي هو الدستورية وتعني ضرورة اشتقاق القوانين من الدستور وخضوعها له وفقا للهرم القانوني المعروف الذي يقف الدستور على رأسه فذكر الميثاق " إعادة تطبيق الدستور العراقي وإزالة القوانين والمراسيم والتعديلات التي لا تتفق وروح الدستور " . وبالمقارنة بالموقف الثوري الجذري الذي كان سمة اليسار أنذاك, والموقف التقليدي النظري المتشدد من البنى الاجتماعية الفوقية, الذي قد تتخذه أي حركة ثورية خاصة اذا كانت حديثة النشأة كالحزب الشيوعي العراقي وتوقها الدائم الى حرق المراحل, يبرز موقف فهد هنا بالدستورية والعمل السياسي ضمن الاطار المؤسساتي السلمي فريداً من نوعه .
ثانيا : لم يكن كما يتصور البعض تنقصه المعرفة الاقتصادية, فكل من الميثاق الوطني ومخرجات المؤتمر الوطني الأول تدل على معرفة رصينة بمقتضيات البناء الاشتراكي الذي لا يمكن ان يكون قرارا حزبيا او سلطويا, فكان التركيز يتجه دوما على تخليص الشعب من "الشركات الأجنبية الاحتكارية" ولم يذكر أي مؤسسة اقتصادية عدا هذا الوصف, لما تمثله هذه الشركات من ضرر بالاقتصاد الوطني والمنتوج المحلي وارتهان للقرار السيادي . بل وركز الميثاق الوطني على إيجاد أسواق حرة ووسائل نقل لتصريف منتوجاتنا الوطنية, وجدير بالذكر إن هذا الموقف لا صلة من قريب او بعيد بالشركات كمؤسسات إقتصادية محلية او اجنبية كانت, لوجودها الضعيف او شبه المنعدم آنذاك وللدور السئ الذي لعبته الشركات الأجنبية في نهب الثروات والتغيرات السياسية في العالم الثالث .
ثالثا : حقوق الانسان, هذه ناحية مهمة يبرز فيها الخطاب الوطني لفهد وعمق التحليل لمؤسسة الجيش والذي بالنتيجة كان في اغلب تاريخه ذراعا سلطويا, وتدرج هذا الاهتمام حتى تكونت النخب الوطنية داخل الجيش والضباط الاحرار الذين قاموا بثورة 1958 واسقاط النظام الملكي, رغم الأذى الذي ألحقته السلطة بالقوى التقدمية بواسطة العسكر فانه ركز في الميثاق على النضال من اجل الاهتمام بالجندي العراقي من الناحية الصحية والتغذية والتثقيف وتربيته التربية الديمقراطية, ويعود هذا الى معرفته ببنية الجيش وقوامه حيث كان اغلب مراتبه من أصول عمالية كادحة ومن الفقراء والفلاحين الهاربين من جور الاقطاع . هذا مع التشديد على الغاء الأساليب والممارسات اللاإنسانية كالضرب والسجن وانتهى في مطالبه الى ضرورة تشكيل جيش يخدم مصالح الشعب ويدافع عن استقلاله .
هذه ملامح بسيطة تنفي الدوغمائية وتثبت فكرا متحررا ومتقدما لفهد, رغم القمع والتضييق والضغوطات, وعندما ننفي الدوغمائية عنه لا ننفي معها ثباته ومبدأيته وثوريته التي جسدها ببطولة وشجاعة حتى إستشهاده الأسطوري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي