الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انحناءات

لؤي عجيب

2016 / 4 / 25
الادب والفن


كثرة الإنحناءات قد تكون السبب في الإعاقات اللاحقة أحياناً.
لم تكن شجرة الأرز، في سفح الجبل، المنحنية لدرجة أن رؤوس أغصانها تلامس الأرض، تبدو غريبة بالمعنى السلبي للكلمة، بل على العكس تماماً كانت تشكل علامة فارقة في شكلها و مضمونها.
على بعد عشرات الأمتار من غابة الأرز أو كما كان يسمى في الضيعة، تبوش الأرز، نمت ولم تنتصب أبداً ، شجرة الأرز العوجة، كما يطلق عليها محلياً. والتي كانت تمثل نقطة علّام للوصول أو اللقاءات أو حتى الإستراحات للمضي قدماً . و مما لا شك فيه أبداً، أن النسيم العليل في ظل تلك الشجرة، كان يترك أثراً من الفخر والإعتزاز لا تدركه أبداً في ظل أية شجرة أخرى من أشجار الضيعة المتنوعة ولا حتى في غابات الأرز المنتشرة بكثرة والمترامية فوق سفوح وتلال الضيعة.
لا تدرك معنى الإستقامة الحقة حتى تتذوق طعم الإنحناء، لكن لا تجعل منه عادة فينسى الجسد, أي شخص كنت عليه.
لكل شجرة منعزلة عن بقية الأشجار تسمية خاصة, حصلت عليها من شكلها أو من عادة أو حتى من حدث ما. فتلك شجرة زيتون أخذت اسمها من شخص اعتاد الجلوس في ظلها, و سنديانة من تجمع الغجر في كل عام تحتها, و شجرة العين لقربها من نبع الماء, أما شجرة التين الضخمة ، فكانت شجرة الملتقى, حيث يلتقي النهران أمامها.
مرّ الزمن على أجدادنا, وها هو يمرّ علينا نحن، و شجرة عوجة كانت وما تزال تنشر مساحة أمان و ربما لأجيال لاحقة.
إنها ذاكرة الأماكن تلك التي تحمل معها صور الأشياء مبتعدة تماماً عن الأفراد و الصداقات و ما أقساها من ذاكرة. مرورها يشعل الحنين دائماً بحيث لا تدركه وسائل الاتصال الحديثة و لا تطفئه الذكريات بل تزيده لوعة، حتى تتمكن من الجسد كليا فيسير عائداً إليها كل حين حتى ولو في الأحلام.
لكن ... مثل حفرة صغيرة، في إحدى صخور الجبال, تحتضن حفنة ماء لاتروي الظمأ، تكون الذكريات والأحلام.
للسعادة محطات دائمة، وكم هو جميل ذلك الشخص الذي يعيش السعادة في مختلف محطاتها فلا تكون هدفاً للوصل فتصبح طرق العودة جحيماَ لا يطاق.
في إحدى ليالي كانون الباردة، اشتدت الرياح لدرجة أنها اقتلعت شجرة زيتون غضه, و جعلت أغصانها تفترش الأرض، منتزعةً معظم جذورها من الأرض.
كان أبي حزيناً جداً في اليوم التالي، وقف بقربها صامتاً وكأنه يتلو صلواته على عزيز قد فقده. كنت وأخي جالسين على الأرض بالقرب منهما، عندما نظر إلينا قائلاً: اتساعداني كي نعيدها ثانية؟؟؟
فرحة عارمة لطفل لم يتجاوز السابعة بعد و هو يساعد في إعادة الحياة لشجرة كادت أن تصبح حطباً يابساً في شتاء بارد.
انتصبت شجرة الزيتون مرة أخرى في مكانها، و كان أبي يقف بجوارها كل يوم, يلامس أغصانها كما يلامس جبين طفل مريض يدعو ربه كي يستعيد عافيته.
بعد سنوات...
مات أبي ... وشجرة الزيتون عادت الى الحياة لتثمر من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي