الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزوير الارادة

خالص عزمي

2005 / 12 / 5
حقوق الانسان


هم السذج وحدهم الذين يكتفون فقط بأدخال رؤسهم في صناديق الاقتراع الانتخابية ليروا فيما اذا كانت فارغة تماما من اية ورقة ؛ ثم ينظرون ثانية من خلال الزجاج بعد حشوها باوراق التصويت ليروا فيما اذا كانت هناك اوراق فائضة او مزورة في حين ان الاهم هو تركيز الاستقراء و البحث على ما يحدث قبل عملية الاقتراع وما بعدها .
فقبل الاقتراع تجري عمليات واسعة من تزوير الارادة وبطرق شتى وهي ما تسمى بالتزوير القهري ؛ وينبع هذا اللون المذموم من عدة مخابيء مختفية وراء قشرة واهية لا تكاد تظهر حتى يتكشف ما وراءها بشكل لا لبس فيه ( ثوب الرياء يشف عما تحته فاذى اكتسيت به فأنك عار ). اذن فلنتأمل ذلك جيدا ثم نضعه تحت عناوينه الفرعية كما يأتي : ـ

اولا ـالخطاب التهريجي : ـ هناك الوان من مثل هذه الخطب تختلف في الاسلوب وتتحد في الهدف ؛ منها الخطاب العلماني او الديني او الشعبي ؛ وكل منها ينقسم الى فروع في المعنى والمبنى ؛ ترتبط بالفئات اكثر من ارتباطها بالمجموع العام . فلو كان الخطاب الانتخابي يعنى بالاساس والبرنامج ؛ لكان صائبا في منحاه ؛ ولكن الاغلبية الساحقة من تلك الخطب تتقافز بمنطقها بحسب الفئات المستمعة ؛ ومع ذلك فلو كان الهدف من ذلك توضيح البرنامج طبقا للمستوى الثقافي لكان امرا محمودا حقا لانه مبني على قاعدة ( وكلم الناس على قدر عقولهم ) ولكن التوجه ليس على هذا الاساس ؛ وانما على قاعدة اللعب على الحبال والسخرية من قدرة الناخبين على الفهم و الاستيعاب . لقد روى لي احدالعائدين من الوطن الغالي نماذج من الذين يصعدون المنابر او يظهرون على الفضائيات المحلية ؛ وهم يخاطبون الجمهور بكلام سطحي وكأنهم يتجاذبون اطراف الحديث في مضيف هذه الجهة او تلك ؛ بل وحتى في مقهى المحلة حيث لا محاسبة على وزن ووقع الكلمة ولا معيار للبرنامج الذي يتخذونه شعارا للحملة الانتخابية ؛ لقد قال لي :
انه رأى بأم عينيه احد رؤساء الاحزاب اوالكتل التي تجاوز عددها ال (120) ــــ اللهم زد وبارك ــ وهو يخاطب جموعا من الفلاحين بافتتاحية من الاهازيج والهوسات دون التطرق الى برنامجه الاصلاحي الانتخابي ؛ ورآه مرة اخرى وهو يخاطب مجموعة من المتعطشين للجاه والمال وهو يؤكد لهم انه لو فاز وكتلته بالانتخابات فسيمنحهم امتيازات لا يحلمون بها ؛ وحينما سؤل عن برنامجه قال بالحرف الواحد(المشكلة هي في المطابع فهي كلها مشغولة لكن اوعدكم ان شاء الله بأن برنامجنا سيطبع قبل يوم الانتخاب !!!!) . ان هذا اللون من الكذب المفضوح ما هو الا صيغة من الخطاب التهريجي البائس الذي يريد اقناع وارضاء الجميع بكلمات صبيانية بعيدة عن البرنامج والهدف .

ثانيا ــ العرقية؛ الطائفية ؛ العشائرية : ــ ان الفرد الذي يقع تحت تأثير وتوجهات واوامر قيادات احدى هذه القلاع الضخمة سيكون لا شك من ضحايا تزوير الارادة الحرة المستقلة ؛ وبالتالي فأن ورقته التي يصوت بها لايمكن لها ان تكون نزيهة المصدر ؛ عفيفة الرغبة ؛ ففي هذه الاجواء الملغومة بالمحاصصات والهيمنة الحدية التي لاتغفر للناخب المرتبط بها تصرفه الفردي خارج ارادتها ؛ بصبح ذلك الانسان المغلوب على امره بيدق شطرنج محروم الافصاح عن رغباته ؛ غير قادر على تحديد مرشحه دونما الرجوع الى ذلك الموجه العاتي الماسك ابدا ( كرباج ) الترهيب ؛ او حلاوة الترغيب بيد ؛ وادوات ومعدات غسل الادمغة المصنوعة في معامل ( انا وابن عمي على الغريب ) بيد اخرى.

ثالثا ـــ التخويف والتهديد وشراء الذمم : ــ مما يدخل تحت هذا الفرع من القهر الاجباري في تزوير الارادة هو التعذيب النفسي بوسائل عدة منها ؛ ارعاب البسطاء بدخول النار ان لم يصوتوا لهذه القائمة او تلك!!!! ؛ او بالفصل من العمل ؛ او بالطرد من العشيرة ؛ او بحجب البطاقة التموينية ؛ او بالاعتقال او بالخطف ... الخ فهذا الطوفان من الرعب والتهديد بعظائم الامور ؛ تجعل ارادة هذا المواطن او ذاك مشلولة الحرية مسلوبة الارادة ؛ بمعنى ان الصناديق التي يفترض فيها الاعتماد على الرأي المستقل والظميرالحي قد انتهى دورها وحلت مكانها صناديق مزورة الاختام والاسانيد والرغبات يقف وراءها ( اسطوات ) بارعون من ذوي القوة والسلطان يحرسونها ويزكونها .وفي هذا السياق ايضا؛ يدخل في برمجة مصادرة الارادة ؛ نثر النقود على جمهور من البؤساء والعاطلين والجياع وما شابه .... في حين لا تستطيع جبهة المرشحين التي تعتمد على السمعة والكفاءة والنزاهة ان تصمد امام ذلك الطوفان الكاسح من الغش والاكاذيب والخداع و الذي ينبع مصدره من الاحتكار واللاديمقراطية واللاتكافؤ المادي والعنف والتعصب .
و تقع تحت هذه التفرعات عشرات الامثلة المعيبة التي مورست في السابق وهي الآن في طريقها الى التطبيق العملى سواء بأسلوبها القديم ام بأسلوب اكثر تفننا وبذخا ومراعاتا لتطور ( فبركة ) البهرجة الدعائيةالانتخابية المصنعة محليا طبقا للمواصفات المرغوبة في هذه المنطقة او تلك ؛او طبقا للوسط الديني اوللتجمع العلماني الشكلي لا الواقعي ؛ ولو كان الامر مقتصرا على الاسلوب لحمدنا الاعتماد على مبدأ ( لكل مقام مقال ) ولكن أن تتغير المواقف والمباديء والمناهج تبعا لقواعد تجريد الانسان من ارادته فيا لها من استهانة به وتجاوز على اختياراته بل وعلى الحريات العامة التي كفلتها الشرائع السماوية ولائحة حقوق الانسان

في المسرح الكوميدي هناك نوعان أساسيان من المسرحيات ؛ الاولى تعتمد الموقف ؛ والاخرى تهريجية تعتمد الاضحاك المجرد من فلسفته ويستند الى النكتة المكررة المستهلكة في كثير من الاحيان .وفي مسرحيتنا الجديدة ذات العنوان الخلاب ( الانتخابات القادمة على الابواب ) ؛ يستطيع الناقد الموضوعي ان يجلس قريبا من خشبة المسرح ليشاهد بامعان وتفحص كيف تتوالى المشاهد بدءا من الخطاب التهريجي مرورا بسطوة التعصب والطائفية والعرقية والعشائرية والعنف وتصفية الحسابات ؛ وانتهاءا بتزوير البطاقات الانتخابية او تحطيم الصناديق او استبدالها بغيرها او نفيها بعيدا عن ساحة الفرز .... الخ وعلى اية حال فلا يستطيح المرشحون ( المقرر عدم فوزهم سلفا ) او وكلاؤهم من احتضان الصناديق ليل نهار ومراقبة حركة تنقلها منذ انتهاء الاقتراع حتى لحظة فرز الاصوات . وعند كل هذه المواقف الهزلية سيصبح بمقدور المشاهد الناقد ان يتعرف على المشهد الاخير دون الحاجة الى معرفة النهاية ؛ لانها واضحة ومحسومة سلفا لصالح تزوير الارادة . ولكل حادث حديث

ويا لعظمة الجواهري حينما قال :

أي طرطرا تطرطري وهللي وكبــــــري
وطبلي لكـــــــل ما يخزي الفتى وزمري

فغالطي وكابري وحـــوري وزوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. صعود أقصى اليمين بالجولة الأولى من الانتخابات يثير ق


.. مصير المعارضة والأكراد واللاجئين على كفيّ الأسد وأردوغان؟ |




.. الأمم المتحدة تكشف -رقما- يعكس حجم مأساة النزوح في غزة | #ال


.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ




.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا