الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يحتاج الشرق الاوسط الى حدود جديدة؟

عبدالله جاسم ريكاني

2016 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


هل يحتاج الشرق الاوسط الى حدود جديدة؟
تراث سايكس بيكو بعد مائة عام
عبدالله جاسم ريكاني
في شهر مايس من عام 1916، وقعت كل من فرنسا و المملكة المتحدة على اتفاقية سايكس-بيكو. كانت هذه الاتفاقية الاولى ضمن سلسلة المعاهدات التي نجم عنها في النهاية خلق دول جديدة في الشرق الاوسط في اعقاب حل الامبراطورية العثمانية. بعد مرور مائة عام، يتوقع بعض المحللين السياسيين مثل روبن رايت و جفري غولدبيرغ، ان يتم اعادة رسم حدود المنطقة مرة ثانية. في الحقيقة، في كل من العراق و سوريا، اشباه دول خارج سيطرة حكوماتها قد بدأت في الظهور فعلياً، و فكرة الحدود الجديدة لا تبدوا مستغربة او بعيدة الحدوث. في العراق و على سبيل المثال، اعلن الكورد انهم بصدد اجراء استفتاء شعبي حول حقهم في الاستقلال قبل نهاية عام 2016.
الحدود الجديدة سوف لن تستعيد الاستقرار، لان الحدود الحالية، ليست هي السبب في الفوضى التي تعم المنطقة. الدول نفسها يجب ان تتغير اذا اريد ان يستتب السلام فيها و تمت الاستجابة لمطالب شعوب المنطقة المختلفة. ولكن و مع الاسف، فرص هذا التغيير تبدوا معدومة.
لطالما كانت هذه الحدود توصف بالخطوط الاصطناعية المرسومة في الرمال من قبل الدبلوماسيين الاوروبيين ، و لكن حدود المنطقة المرسومة من قبل الاوروبيين لم تعد اصطناعية اكثر من تلك التي رسمت بسبب الصراعات في المنطقة. و حتى اكثر المنتقدين للواقع الحالي لا يمكنهم تحديد حدود المنطقة الطبيعية لانه ببساطة ليست هناك حدود طبيعية. الكورد على سبيل المثال، عانوا الكثير من تقسيم المنطقة و عدم اعطائهم دولتهم الخاصة بهم، و لكنهم غير متفقين فيما اذا كانوا يريدون كوردستان موحدة او عدة دول كوردية.
السبب الحقيقي لمشاكل المنطقة هو تسلط انظمة حكم و دول دكتاتورية و شديدة المركزية على رقاب شعوب المنطقة التي تتألف من موزائيك و مجاميع إثنية و دينية مختلفة. و لكن حتى و ان كان هناك احتمال ان تتحول هذه الانظمة الى ديموقراطية، سوف تتكرر هناك نفس المشاكل. من الناحية النظرية، بإمكان حكومات جامعة حقيقية و ديموقراطية، ان تحكم هذه الدول غير المتجانسة بشكل لامركزي دون الحاجة الى ان تنقسم. و لكن في الواقع الفعلي، هكذا حكومات مثالية غير موجودة. ان اي محاولة لاجراء اصلاح سياسي في المجتمعات المنقسمة او الممزقة اجتماعياً، و التي لا تشجع على المصالحة و المصارحة الحقيقية، غالباً ما تؤدي الى مزيد من الانقسام و الصراع. في يوغوسلافيا في عام ،1991 على سبيل المثال، اول انتخابات اعتمدت التعدد الحزبي، تسببت في تفكك الدولة سياسياً.
أمم مقسمة
الضغط الذي يمارس حالياً في الشرق الاوسط لخلق دول جديدة يتأتَى من ثلاثة مصادر: الكورد في العراق، الكورد في سوريا، و الدولة الاسلامية (داعش). الكورد في العراق لديهم منطقة حكم ذاتي "فيدرالية" خاصة بهم، معترف بها دستورياً في دستور العراق لعام 2005، و لكنهم يعتبرونه الخطوة الاولى نحو الاستقلال.الكورد في العراق و بسبب خلافاتهم البينية، أظهروا تضامناً قليلاً مع اخوتهم الكورد في سوريا و حتى أقل من ذلك مع اخوتهم الكورد في تركيا.
الكورد في سوريا، ينكرون حالياً رغبتهم في الاستقلال في دولة خاصة بهم، و لكنهم يحكمون سيطرتهم على مناطق تمتد خارج مناطق روزآفا ذات الاغلبية السكانية الكوردية في شمال سوريا. و في آذار من هذا العام، أعلنوا عن فيدراليتهم ضمن الدولة السورية، و لكنهم لم يلاقوا أي دعم من المجتمع الدولي. و هذا سوف لن يردعهم عن تقوية موقفهم و سيطرتهم في روزآفا و التوسع أكثر.
داعش هي الحالة الاكثر إثارةً و تشويقاً.نشأت في العراق الذي كان محتلاً من قبل الامريكان كحركة موالية لتنظيم القاعدة، ثم عانت من نكسة كبيرة على يد الامريكان في عام 2007، و لكنها ظهرت ثانيةً كقوة كبيرة في سوريا عام 2013. في نهاية عام 2014، سيطرت على اراضي و مناطق في العراق و سوريا كافية لإعلان نفسها كدولة. و هذا الاعلان لم يكن بلاغياً فقط: الوثائق التي سقطت في أيدي التحالف المشكل ضد داعش، لم تترك الشك في أن الاراضي و المساحات و المناطق التي تسيطر عليها داعش، تثبت انها ليست مجرد حركة متمردة متخفية بل دولة في طور التكوين، تمتلك جهازها الامني و الحكومي الخاص بها و كذلك الموارد المالية الكافية لإبقائها واقفةً على قدميها. داعش تسير الان نحو الفشل في مساعيها لتأسيس دولة قابلة للبقاء، و لكنها لا تزال متواجدة كواحدة من اخطر شبكات الارهاب العالمية. لقد فقدت بالفعل العديد من الاراضي التي كانت تحتلها يوماً ما، و لكن سوف يمر وقت طويل قبل ان يتمكن التحالف الدولي من استعادة السيطرة على مناطق داعش الجوهرية حول الموصل في العراق و الرقة في سوريا. و مع هذا، حتى و ان فشلت تجربة دولة داعش في النهاية، و لكنها قد هزًت النظام القديم في هذه المنطقة.
على الرغم من ان الكورد و داعش هما القوتين الرئيسيتين اللتان تحديتا الحدود الحالية علانيةً، إلاً أن عراقيين آخرين بدأوا ايضاً نفس العمل. بعض السنة العراقيين، باتوا يطالبون بحاجتهم الى بعض الترتيبات الخاصة بهم من الحكومة الشيعية في بغداد في حال تحرير مناطقهم من ايدي الدواعش و يتطلعون الى الحصول على ما يشبه الفيدرالية الكوردية من حكومة بغداد. كما ان بعض المقاطعات الشيعية ايضاً مثل البصرة و التي تمتلك أغنى آبار النفط العراقية، قد تحدت السلطة في بغداد و تطالب بالحكم الذاتي.
الحكومتان العراقية و السورية، سترفض و تتحدى أي تغيير في حدودها ، على الرغم من عدم استطاعتها السيطرة على كافة المناطق الواقعة ضمن حدودها. كما ان جيران تلكما الدولتين يعارضون تغيير الحدود بشدة. روسيا قد تعارض تجزئة سوريا لانه سيضعف حليفها بشار الأسد، و أمريكا قد تعارض ايضاَ لأنها ضد تجزئة أية دولة، حتى انها كانت ضد تجزئة الاتحاد السوفييتي السابق لأنها كانت ان تعتقد ان الاصلاح السياسي الحقيقي يجعل التجزئة غير ضرورية.
أيام أفضل تنتظرنا
كبديل للتجزئة، تعتقد الولايات المتحدة و معها الدول الاوروبية و الامم المتحدة، ان حكومات ديموقراطية حقيقية و جامعة لحقوق مواطنيها يمكنها ان تحقق السلام و الهدوء لشعبها او شعوبها دون الحاجة الى حدود جديدة. هذا الاعتقاد يعزز و يدعم الجهود الامريكية التي تشجع الاصلاح السياسي في العراق و الجهود الدولية المبذولة لوضع نهاية للصراع في سوريا. و لكن هذا الفكرة لا تلقى إلاً دعماً محدوداً في كلتا الدولتين،بإستثناء أصوات الليبرالين الذين ضاعت اصواتهم بين قرقعة اصوات الرصاص بين الميليشيات المتصارعة و النخب السياسية التي تناور للحفاظ على منافعها المادية و سلطتها السياسية.
المشكلة تكمن في ان أي حكومة شاملة و جامعة و ديموقراطية بحق، تتطلب انهاء الجماعات و الميليشيات المسلحة في المنطقة، القادة الطائفيين و النخب الفاسدة، و بعبارة أخرى، كل الماسكين للسلطة و الحكم اليوم. و بدون تدخل عسكري و سياسي كبير من خارج المنطقة و الذي سوف لن يحدث، لا أحد من هؤلاء الماسكين للسلطة في المنطقة يمكنه ان يخطوا هذه الخطوة.

بخصوص العراق. خلال فترة الاحتلال الامريكي، دعًمت أو فرضت الولايات المتحدة نظاماً سياسياً يعتمد على الانتخابات و الكوتا القومية و الطائفية ايضاً. و لكن انهار هذا النظام السياسي بعد انسحاب القوات الامريكية و تحول الى نظام يعتمد على تسلط الاغلبية الشيعية و التفرد بالسلطة تحت ولاية نوري المالكي. و كشرط لمساعدة العراق في قتال داعش سنة 2014، أصرَت امريكا على تبديل المالكي برئيس وزراء جديد شرط ان يكون جامعاً لكل العراقيين في طريقة حكمه، و استبدلت المالكي بالسيد حيدر العبادي. العبادي اليوم يحاول ان يحارب الارهاب و ان يؤسس حكومة من التكنوقراط غير موالية للأحزاب السياسية. و لكن الاحزاب السياسية لا تقبل ان تهمش ( و هذا ليس غريباً عليها)، كما أن البرلمان لم يصادق على الحكومة الجديدة لحد الآن. و السياسي الوحيد الآخر الذي قبل فكرة حكومة التكنوقراط ما عدا العبادي هو مقتدى الصدر وهو رجل دين ناري و سياسي مستفرد تتجنبه الاحزاب الشيعية الرئيسية.
الصدر نفسه يستغل هذه الفكرة لزيادة سلطته من خلال التهديد بعدم ايقاف المظاهرات و الاعتصامات في الشوارع اذا لم يتم تشكيل حكومة غير حزبية في بغداد. أي ان الاصلاح بعبارة أخرى، قد أصبحت أداة ووسيلة في حرب التنافس داخل احزاب البيت الشيعي السياسية و لا علاقة لها بالديموقراطية او الحكم الرشيد.
الاصلاح السياسي الحقيقي و الجذري الذي يمكنه من ان يجعل من العراق و سوريا دولاً مستقرة، لم يبدأ في أي من الدولتين. العبادي حاول القيام بخطوات متواضعة و فشل. ألأسد لم يحاول حتى ذلك و يصر على ان دولته بحاجة الى انتخابات جديدة. ان أي تقدم حقيقي على ارض الواقع في الحرب ضد داعش، سيجعل من كلتا الحكومتين في بغداد و دمشق اكثر قمعاً و إضطهاداً لمكوناتهما، و تزيد من مخاوف الذين يرون الحل الوحيد لمشكلتهم مع حكامهم هو في ايجاد حدود جديدة لدولهم. المنطقة تقترب من نهاية سايكس- بيكو و لكنها لا تقترب من نهاية الفوضى و الاضطرابات.

المقال مترجم من مجلة الشؤون الخارجية الامريكية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله: أسقطنا مسيّرة إسرائيلية فوق المناطق الجنوبية بلبنا


.. -ابتسامة شريرة-.. ضحكة بايدن تثير جدلا واسعا بعد سؤاله عن إد




.. مشاهد ترصد لحظات الرعب في ثوران بركان -جبل إيبو- في إندونيسي


.. العثور على جماجم متحللة وانتشال عشرات الضحايا من شوارع مخيم




.. خبراء قانونيون يستبعدون إلغاء حكم إدانة ترمب بعد الاستئناف