الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء عن عيد العمال

موسى راكان موسى

2016 / 5 / 1
ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة


قبل ثلاث سنوات تقريبا ، قبل عيد العمال بأيام ، لمحت ورقة صغيرة على باب مكتب لدكتورة في كلية الهندسة ، استنتجت أن إحدى الزميلات هي من كتبتها و وضعتها على الباب ؛ مما إحتوته الورقة من كلام زكي و زخارف جميلة . مضمون الكلام كان عن إحتفاء الزميلة مع بقية الزملاء بالدكتورة بمناسبة عيد العمال ، و قد إعتبروها من العمال ! ، فقررت أن أكتب ورقة مشاكسة و أعلقها بجانب ورقة الإحتفاء ــ فكتبت عن العمال المُفترض أن يُحتفى بهم في هذا اليوم ، مع بعض الأسطر مُتحدثا عن ماهية البروليتاريا ، و الفرق بينها و بين عمال الخدمات ، و قمت بتحديد الإنتماء الطبقي لحضرة الدكتورة ضمن فئة الإنتلجنسيا بالطبقة الوسطى [ البرجوازية الوضيعة ] ؛ و لم أعر أهمية لتلطيف لهجة الورقة ، فكانت بجانب خط يدي السيء خشنة اللهجة .
و تشاء الأقدار أو الصدف [ أو أيا كان ] أن أكون بجوار المكتب حين عودة الدكتورة ؛ فكان الحفظ مصير ورقة الإحتفاء ، و مصير ورقتي المشاكسة سلة المهملات بعد التمزيق .

***

أطلق الحوار المتمدن دعوة للمشاركة في ملف (( يوم العمال لسنة 2016 ، التطوّر و التغييرات في بنية الطبقة العاملة و أساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي و العولمة )) . و موقع الحوار المتمدن على عكس حضرة الدكتورة ، لا يقوم بالتمزيق و النفي لما يقوم بطرحه الكتّاب و المفكرين ، على الرغم من أن الفرق بين منابعهم و توجهاتهم و لغة طرحهم و مناهجهم قد يتجاوز في أحايين كثيرة مجرد فرق إعتراض ليكون فرق تناقض [ صراع ] ، و هو لذلك من المواقع النادرة التي تستوجب الإحتفاء و الدعم ــ و لذلك أتقدم بهذا الطرح .

***

عنوان الملف نفسه يحمل كذا نقطة تستوجب الوقوف قبل تناول أسئلة الملف ، و كما هو واضح فإن الأسئلة إنما نابعة من العنوان نفسه ــ لذا فإن إخضاع عنوان الملف للتفكيك و التحليل مهم لتجنب الأسئلة الخاطئة و التشاخيص المغلوطة :

* (( التطوّر و التغييرات في بنية الطبقة العاملة )) /
أولا ــ إن تسمية (( الطبقة العاملة )) هي تسمية في غاية العموم و الغموض ، فهي بذلك تتيح الوقوع في إلتباسات نظرية على إختلافها ، بالتالي تمييع لمواقف عملية يفترض أن تكون صارمة و حاسمة في فهمها النظري المستندة عليه ؛ و إن كان لإستعمالها خارج الإطار البحثي الجاد و النظري الصارم ما تجيزه الضرورات العملية ، إلا أن من الواجب التمييز بين التنظير و التطبيق ، مهما تداخلا و ترابطا .

ثانيا ــ إن (( التطوّر )) يحيل إلى مماثلة للـ(( الطبقة العاملة )) بـ(التاريخ) أو (الكل الإجتماعي) ، و هذا يعود في بعضه إلى (1) تسمية (( الطبقة العاملة )) العامة و الغامضة ، فبإلغاء التحديد الصارم و الواضح تكون (( الطبقة العاملة )) مجرد وسط ثابت يحوي تغييرات و تطوّرات داخلية لا تؤدي إلى تغيير و تطوّر الوسط الثابت ذاته (( الطبقة العاملة )) ؛ بالتالي لا تعدو علاقة هذا الوسط الثابت مع غيره كوسط آخر سوى علاقة ( تناقض تماثل ) [ و هذا ما يميز (التناقض) في الفكر الهيجلي ــ و قد تناول مهدي عامل بعضا من الفرق بين (التناقض في الديالكتيك الهيجلي) و (التناقض في الديالكتيك الماركسي) ] ــ (2) إن في (( التطوّر )) إنقطاع أو قطع ، فما دام القطع هو في داخل الوسط ، بالتالي يمسي التناقض بين الوسط (( الطبقة العاملة )) و غيره كوسط آخر (تناقض تماثل) ؛ أي مجرد إختلاف الأوساط بما تحتويه ، لا إختلاف بين الأوساط كأوساط [ أي إذا قلنا مثلا أن (الطبقة العاملة) وسط ، و (الطبقة البرجوازية) وسط ، فإنهما لا يختلفان كأوساط ، لكن يختلفان بما يحويانه ؛ بالتالي فإن التناقض بين الوسطين هو تناقض تماثل ــ و لمزيد من التوضيح ، فإن الإختلاف بين كأس حليب و كأس ماء هو إختلاف لما يحتويه كل من الكأسين ، لا لإختلاف الكأسين ذاتهما ] . و يترتب على ذلك تمييع لماهية (( الطبقة العاملة )) متجاوزة بذلك الأطر الزمكانية و التطوّرية ، إذ تمسي و كأنها خارج منطقهما ، بل و أحيانا تكون حاوية هي لهما بهذا المنطق .


* (( أساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي و العولمة )) /
أولا ــ إن (( النظام الرأسمالي و العولمة )) جرى عليهما ما يمكن أن نسميه (الإبتذال القهري) ليكونا كما (( الطبقة العاملة )) عامين و غامضين ؛ و في الأساس هما ليسا كذلك ــ فكان التمييع لماهية الرأسمالية و العولمة ، بل إن الخلط بينهما و التنظيرات البهلوانية و الكشكوشية ما أدى إلى زيادة في التمييع . لذا فأنا أدعي أنه في حال عدنا إلى الصرامة و الوضوح في تحديد الماهية لكل من الرأسمالية و العولمة ، فسنكتشف أن واقعنا المعاصر هو ليس برأسمالية و لا هو بعولمة ؛ أقله فإن آخر خمسة عقود من الآن تختلف (إختلاف جذري) عن القرنين السابقين لها [ أي هناك إختلاف ذا مستوى طوري ، لا مجرد إختلاف مرحلي ] .

ثانيا ــ إن (( أساليب النضال )) الغير مستندة على فكر صارم و واضح ، ستكون العقيدة هي مرتكزها و منطلقها ــ و الواقع أن التسليم برأسمالية أو عولمة أو خلطة منهما [ و الذي لا يزال يتم تداوله و تكراره دون أدنى ريبة و شك و نقد ] يؤثر سلبا في التفيكر بالواقع و دراسته ؛ بالتالي فهناك زهد بالواقع و إنحراف واضح عن متطلبات الضرورة العملية [ و الضرورة العملية إنما تستند على فكر صارم يفهم الواقع هو كما هو ، و ليس كما يُعتقد ] ــ و الأمر الذي يجب التوقف عنده قليلا ، هو هذا النضال الذي يبتغيه البعض لمجرد النضال ذاته [ أي النضال لأجل النضال ذاته ] ، و هو أمر أقرب لأن يكون مرضا [ و يمكن أن نصنفه كمرض يساري ] ؛ فإن كنا سنسلم ، في كل مرة نبتغي النضال ، بأن الواقع هو بكيفية معينة ، فسنكون دونكيشوت نفسه و النضال قضية سيزيفية .

***

بذلك تتم معالجة عنوان الملف ، و التي تدفع ، بعد الإطلاع على الأسئلة ، إلى الحكم على الأسئلة بالتهافت ــ فالمهمة الآن ليست في (( إيجاد إجابات و حلول )) ، لكن المهمة هي (( إيجاد أسئلة و تشاخيص )) ، إذا فإن الفهم في محل الضرورة الآنية بالنسبة للواقع ؛ و أبدا ليس القصد هو الخروج بـ(( فهم جديد للواقع )) ، لكن القصد هو الخروج بـ(( فهم للواقع الجديد )) [ و ليس الأمر مجرد فزلكة لغوية أو ترف فكري ] .

# لقد أمسى عيد العمال مجرد مناسبة فارغة للعبث و اللهو اليساري ؛ فللعجائز الحُمر مجرد نوستالجيا تساعدهم للوصول لنشوة الإستمناء ، و للبقية محاولة لبعث أشباح بسحر الشعارات اللاهبة و الأعلام الحمراء المرفرفة ، لكن هذا السحر فقد قدرته على التأثير منذ زمن ــ فلو أردنا أن نقيّم عيد العمال بالنسبة لضرورة واقع العصر الآني ، فسنجد أن الأفضل له أن يُلغى ؛ إحتراما لأشباح الماضي الحمراء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال