الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جحيم بغداد اليومي

ثائر دوري

2005 / 12 / 6
الادب والفن


في زحمة الأحداث المتلاحقة و المشاغل اليومية أنسى الدخول إلى موقعها لعدة أسابيع. لكن كلما خذ لتني وسائل الإعلام ، و خاصة القنوات الفضائية،التي لا تبث عن الشأن العراقي سواء الهراء،أجدني ألجأ إليها لأعرف ما استجد على الحياة البغدادية اليومية تحت الاحتلال،لأنها أصدق و أدق من ينقل تفاصيل الحياة البغدادية اليومية. الحياة البغدادية التي كانت رمزاً للرخاء و الترف فيما مضى ، فيقال في المتداول الشعبي الشامي لفظ (( البغددة)) لوصف الحياة المرفهة المترفة الشبيهة بحياة الملوك. فتقول :
- فلانة تعيش بغددة.
لكن شتان بين (( بغددة )) تلك الأيام و (( بغددة )) هذه الأيام، فحياة بغداد اليومية الآن هي نقيض المتداول الشعبي.!!
لو أردت أن تتابع مع هذه الفتاة البغدادية على مدونتها (Blog ) على الأنترنت تفاصيل الحياة اليومية البغدادية تحت الإحتلال،و تحت وسيطرة حزب الدعوة و المجلس الأعلى للثورة الإسلامية و كل شذاذ الأفق الذين جاء بهم المحتل الأمريكي. لو أردت أن تفعل ذلك يتوجب عليك أن تشحذ فكرك و أن تكون أعصابك قوية كالفولاذ،فأنت ستدخل جحيم بغداد اليومي حيث الإنفجارات،و الإغتيالات،و مجازر نقاط التفتيش،و سيطرة محازبي حزب الدعوة و المجلس الأعلى على تفاصيل الحياة،وجرائم قوات الإحتلال،و انقطاع الماء الدائم،الذي قالت عنه ذات مرة :
- الماء يشبه السلام لا تدرك قيمته حتى تفقده.
في جحيم بغداد اليومي تنقطع الكهرباء دائماً،فمقابل كل خمس ساعات انقطاع تحصل على ساعة كهرباء واحدة رغم أن البرد لم يبدأ بعد ،و بالتالي لم تبدأ التدفئة و لم يتضاعف استهلاك الكهرباء بعد . و مع ذلك ساعة كهرباء لكل خمس ساعات انقطاع ، كما ذكرت في مدونتها بتاريخ 1/12/2005. و هذا الجحيم البغدادي اليومي بعد أكثر من سنتين و نصف من نشر الديمقراطية و الرخاء الأمريكيين !!!
لا نعرف عن هذه الفتاة سوى أنها فتاة بغدادية في العشرينات من عمرها بدأت مدونتها على الأنترنت مساء يوم الأحد 17 أغسطس 2003،حيث عرفت بنفسها قائلة :
(( أنا فتاة عراقية عمري 24 سنة،بقيت على قيد الحياة بعد الحرب. وهذا كل ما تحتاجون لمعرفته،كل ما هو مهم هذه الأيام على أية حال ))
و أطلقت على نفسها اسم "منعطف النهر " Riverbendو أسمت موقعها "بغداد تحترق" Baghdad Burning و بدأت تدون،منذ ذلك التاريخ،الحياة اليومية في بغداد باللغة الإنكليزية ، فتراها تنتقل من تناول أحداثها الأسرية إلى أحداث الحي إلى أحداث بغداد و العراق.تحلل الأحداث بفهم عميق وحس وطني يجعل المرء يمتلك ثقة بالمستقبل ، فأمة تمتلك مثل هؤلاء الشباب لا يمكن أن تهزم أبداً . و قد حاز موقعها على شهرة عالمية فنشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقاطع كاملة من اليوميات،و في بداية العام الحالي 2005 نُشر في نيويورك العام الأول من يومياتها في كتاب حمل نفس اسم الموقع (("بغداد تحترق" Baghdad Burning))،و هي تخبرنا في 1/12 أنه صدرت من هذا الكتاب طبعة يابانية و أخرى اسبانية،كما حصد الكتاب الجائزة الثالثة في مسابقة
Lettre Ulysses Award for the Art of Reportage)) )).
.
تصدمك بتعليقاتها الحادة عل الأحداث فحين تعلق على مقتل شيخ قبيلة البطاوي ، الشيخ كاظم سرهيد علي البطاوي

و ثلاثة من أبنائه و صهره ، على يد قتلة يرتدون الملابس الرسمية للجيش العراقي الحالي في بيته أمام النساء و الأطفال. تعلق :
(( حتى عندما يذبحون الأغنام يأخذونهم بعيداً عن القطيع حتى لا يروعوه بمشهد الذبح ))
و الحرب تنضج الناس بشكل أسرع،فتراهم و قد امتلكوا حكمة الشيوخ و هم في ريعان الصبا كحال هذه الفتاة العراقية. تقول :
(( في الحرب تفكر بأشياء لا تخطر على البال،و تتخيل أشياء لا يمكن تخيلها،و عندما لا تستطيع النوم ليلاً يهيم ذهنك ليحسب مختلف الاحتمالات...))
و يبقى احتمال فقد أحد الأحبة هو الهاجس المسيطر على عقل كل عراقي. تقول :
(( كل شخص عراقي داخل العراق يأخذ بعين الاعتبار إمكانية فقد شخص أو أكثر من أفراد عائلته. و أنا أحاول أن أتخيل فقدان الأشخاص الذين أحبهم أكثر من أي شيء في هذا العالم. هل سيتم ذلك بفقدهم تحت الأنقاض،أو بجريمة وحشية على يد متطرفين،أو بتحولهم إلى أشلاء بواسطة سيارة مفخخة،أو أن يخطفوا للحصول على فدية،أو يقتلوا بشكل وحشي عند نقاط التفتيش. كل الاحتمالات مرعبة )).
كما تتهكم على العالم الغربي الذي لا يفهم لما يفجر هؤلاء الشباب أنفسهم. تقول :
(( العالم لا يفهم لما أصبح هؤلاء الأشخاص قنابل بشرية. ليس لأنهم يريدون الحصول على سبعين حورية في الجنة.....))
فهم يفغلون ذلك للانتقام من المهانات و الذل الذي يتعرضون له،ولأنهم لم يعودوا بقادرين على احتمال هذه الحياة القاسية بسبب قوات الاحتلال. و تنقل مشاعر الإنسان العادي في بغداد ، تقول :
(( أكره القنابل البشرية،أكره اضطراب دقات قلبي كلما مررت بسيارة مشتبهة،و كل واحدة هي مشتبهة هذه الأيام،أكره مشهد الأجساد المتكومة في المشافي ،و الأسنان التي تصطك من الألم،و عويل النساء و الرجال....))
و تتساءل: في مثل هذه الظروف ،حيث يوجد حزب الدعوة و المجلس الأعلى و الاحتلال الأمريكي ، هل تحتاج إلى القاعدة لتصبح إرهابياً ؟!!
و من خلال مدونتها نتعرف على بعض الشخصيات التي تم اغتيالها في بغداد :
(( تعددت الاغتيالات التي حدثت للأطباء و أساتذة الجامعات في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. فقد حدثت ست اغتيالات و القتلى بعضهم من السنة و آخرون من الشيعة. و بعضهم بعثيون سابقون و آخرون ليسوا كذلك. لكن كل ما يجمع بينهم أنهم كانوا يلعبون دوراً بارزاً في الجامعات العراقية في المرحلة السابقة للاحتلال ........و القتلى هم ، د. هيكل الموسوي،د. رائد عبد المولى ( عالم بيولوجيا)،د. سعد الأنصاري،د. مصطفى الهيتي ( طبيب أطفال )،د. أمير الخزرجي،و الدكتور محمد الجزائري ( جراح). تقول : لا أعرف كل التفاصيل عنهم لكن الدكتور عبد المولى هو شيعي و هو رجل بمعنى الكلمة،و نبيل حقيقي. أما عميد كلية الصيدلة الذي قتل بداية هذا الشهر ( الشهر 11 ) فقد كان لديه مشاكل مع طلاب من حزب الدعوة بداية هذا العام. فقد منع أية احتفالات حزبية في الحرم الجامعة و هؤلاء كانوا يريدون الاحتفال بفوز الجعفري بالانتخابات الأخيرة. فقال لهم : هذه كلية لتدرسوا و تتعلموا. اتركوا السياسة خارجها. و قد توعده بعض من هؤلاء الطلاب )) .
و تضيف ملاحظة أنه بالإضافة إلى هذه الاغتيالات يفقد العراقيون نخبتهم المثقفة بسرعة بسبب الهجرة.
و في مكان آخر من المدونة تعلق بسخرية على تصريحات وزير الداخلية بيان جبر صولاغ،فتقول إنه قد هدأ من روع العراقيين حين أخبرهم،أن المجموعة التي كانت معتقلة في ملجأ الجادرية و تعرضت للتعذيب هي مختلطة من السنة و الشيعة،فتعلق : أنا متأكدة أننا نستطيع النوم بشكل أفضل ليلاً بسبب هذه المعلومات،فأعضاء حزب الدعوة و المجلس الأعلى لا يميزون بين المذاهب...فحسب إرشادات المجلس الجيش الأمريكي ، و أفضال البنتاغون علينا كل العراقيين سيعذبون و يشوهون بالتساوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-