الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لصوص من زمن أخر

مُضر آل أحميّد

2016 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يحكي لنا الشاعر والكاتب العراقي فاضل العزاوي في روايته، آخر الملائكة، عن اللص محمود العربي الذي كان مسؤولا عن حماية محلّته، جقور، من السطو والسرقة. يتوجه أهل محلّة جقور الى اللص محمود العربي لعلمهم بالتزامه بقاعدة لا يخرج عنها الا القليل من اللصوص عديمي الأصل؛ تقول القاعدة "انّ محلّة اللص تظل بمنأى عن السرقة، فإذا ما وقعت سرقة في المحلة فإن الأمر يكون متعلقا بشرف اللص وهيبته"، وكان يصل الحد الى أن يلزم بعض اللصوص نفسه بالتعويض عن الضرر اللاحق بأهل المحلة، ولو من جيبه الخاص. يضيف العزاوي "ولم يكن مثل هذا الأمر [أي سرقة في محلّة اللص]، وهو نادر على أي حال، إلا عندما تنعدم الوحدة بين اللصوص، ويدب الخلاف والصراع بينهم، أو أن يقدم لصوص جدد على العمل، من دون معرفة أو اعتراف بالتقسيم الجغرافي للمدينة بين اللصوص". ولمّا سُرقت في صيف أحد الأعوام بيوت عديدة في محلة جقور، أقسم اللص محمود العربي أمام سكّان المحلة، واضعاً يده على القرآن الكريم، بأن يقتفي أثر الفَعَلة الذين استهانوا بوجوده في المحلة، وأن يصفيهم، مهما بلغت حماية الشرطة لهم.

لا شكّ أن واقعنا قد اعاد برمجة أذهاننا لتتجه مباشرة الى طبقة السياسيين الراقدة على رقاب العباد، ثمّ ربط تلك الطبقة بقصة اللص محمود العربي ومقارنة اخلاقه الحميدة بالأمراض المستشرية في تلك الطبقة؛ وتعيننا في ذلك رؤية عبدالرحمن الكواكبي في كتابه، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، التي يؤكد فيها على أنّ الاستبداد السياسي هو رأس الاستبداد وبقية انواع الاستبداد ليست الا حاشية تخدمه وتسهر على دوامه.

لكن، وللأسف، الأمر أكبر من لصوص السياسة. فلو سلمّنا أنّ الطبقة السياسية ليست من الشعوب ولم تأت، وتستمر، بمعونة الشعوب، وأنها زمرة لصوص جمعها هدف واحد وغابت عنها اخلاقيات العمل اللصوصي، يبقى أمامنا الكثير من أنواع اللصوصية التي تمتهنها شتى شرائح الشعب وطبقاته. على رأس تلك الشرائح يقوم معبد اللصوص العاملين باسم الله، وتحت الوصاية الالهية التي يزعمونها لأنفسهم، ثم لصوص الحياة من الناس انفسهم، ولصوص الحقيقة من وسائل الاعلام التي تقابل اللصوص الجدد الطارئين غير العارفين بأصول المهنة.

يقول خالد الحسيني في رائعته، قائد الطائرة الورقية:
هنالك خطيئة واحدة فقط، واحدة فقط. إنّها السرقة. وكلّ خطيئة اخرى هي نوع من السرقة. فعندما تقتل رجلاً، تسرق حياته.. تسرق حقّ زوجته في زوجها، تسرق من أطفاله والدهم. وعندما تُخبر كذبة، فإنك تسرق حق شخص ما في الحقيقة. وعندما تغشّ، تسرق الحق في الإنصاف.. ليس هنالك فعل أشنع من السرقة.

فلو توقفنا للحظة وتأملنا الحال بالعكس، أي دون البداية من الطبقة السياسية التي لا تخفى سرقاتها، وأحصينا السرقات التي قامت بها، وشجعّت عليها، كافّة شرائح المجتمع لرأينا أنّ لصوص الشعوب، ولصوص الدين، ولصوص الحيوات، ولصوص الحقيقة ليسوا الا لاعبين محترفين في نفس اللعبة التي اشتركنا بها ونمارسها منذ نعومة أظفارنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟