الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعاية انتخابية !!

ياسر العدل

2005 / 12 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ اكثر من ربع قرن، وأنا أعيش زوجا سعيدا بين المتزوجين، أشاكس زوجتى بأنها قمر الجمال وغزال الرشاقة، ليس مثلها فى البلاد، وتشاكسنى بأنى أسد الشجاعة وجمل الصبر، ليس مثلى فى البلاد، هكذا استمرت العلاقة بيننا كمواطنين، فى حضرة دولتنا الحاكمة، ينقذنا الكذب الأبيض من ويلات الانفصال والطلاق والخلع.
ومنذ ربع قرن أيضا والمواطنون فى بلادنا، يحتقنون بالكلام الساكت والسعى الحثيث لتحقيق مطالب مرجأة، رغيف خبز جيد يشبع أكبادا فقيرة، ومدرسة جيدة تروى ظمأ عقول غضة، ومصطبة مريحة تسع جلسة المحبة بين الأصدقاء، ودارا رحبة تضم انتماء الجميع.
وفى الأسابيع القليلة الماضية، حين ضاقت الحارات والشوارع والميادين بجموع المواطنين يجاهرون بالكلام المدبب، يغتابون وقائع الفساد ويحملون علامات التغير، رأيت أن الأمر يعنينى شخصيا ويدعونى لأن أترك السلبية وأتقدم بالترشيح لشغل دور فى خدمة الوطن، وفى الأسبوع الماضى قررت أن ابدأ بزوجتى موجها لها أول سيل من دعايتى الانتخابية.
زوجتى العزيزة، أنا مواطن عادى أعيش فى هذا الوطن، أدين بالولاء للعدل والحب، آكل وأشرب وأمشى فى الأسواق، أطعم من خشاش أرض هذا الوطن، أتعلم فى مدارس هذا الوطن، أصاحب كثيرا من المجهدين فى هذا الوطن، أعمل فى دواوين حكومة هذا الوطن، أحب أشجار النبق والتوت والدوم وشواطئ النيل والنخيل وصحراء هذا الوطن، أقترف بعض الآثام الصغيرة، أهون شأن رؤساء يشغلون مناصبهم دون كفاءة، أحقر شأن زملاء يشاركوننا الحياة دون انتماء، ولم اقترف آثاما كبيرة، فما سجنت بريئا أو احتقرت فاضلا أو تلقيت رشوة أو مارست احتكارا أو بعت جهدى دون عائد شريف، وأنت تقولين يا زوجتى أننى أسد الشجاعة وجمل الصبر، أفلا يحق لى أن أرشح نفسى لشغل منصب كبير فى هذا الوطن، منصب أتولاه بالانتخاب المباشر.
عند انتهاء الوصلة الأولى من دعايتى الانتخابية، كشر عقل زوجتى عن ملامح عقول من يصنعون وعينا الزائف بأن شغل المناصب الكبيرة يحتاج إلى قدرات كبيرة يعجز عنها كثير من المواطنين، وأعلنت زوجتى ما يروجونه من آراء، بأن المؤسسات الكبيرة صعب مراسها، لها أناس يولدون لقيادتها، يرثون وظائفهم بسيف الحياء أو القوة، يمسحون العقول ويملكون أصوات العاملين فيها، ذلك بأن أصحاب السلطة فى بلادنا يطرزون القوانين على مقاييسهم، وأعلنت زوجتى أننى شاطح فوق كثير من القوانين المرعية، وكان على أن أعاود أساليب التصالح الاجتماعى بين الأزواج المقهورين، أطرح الدعاية الانتخابية جانبا وأداعب ما تبقى من العقول ببعض الحقائق.
يا زوجتى الطيبة، صاحبة الصوت الانتخابى، إن شغل وظائف الإدارة فى المؤسسات والحكومات والدول المحترمة يتطلب أن تضع الإدارة شروطا موضوعية معلنة وغير معجزة للبشر، يتقدم لشغل مناصبها من يرى فى نفسه الصلاحية، وكلما كانت الشروط واضحة ومحددة لمهام السلطة وطبيعة المسئولية، كلما أتاحت المؤسسات الفرصة أمام عدد أكبر من المرشحين لشغل وظائفها.
إن من يقولون بأن المرشح لأى منصب يجب أن يملك قدرات شخصية معجزة يستطيع معها تحمل أعباء الإدارة منفردا، يقولون قول الحكام المنفردين بالحكم ويرون أن المواطنين عبيد يورثون!! ومن يقولون إن كفاءة المرشح تحكمها كفاءة نظام مؤسسات التشريع والتنفيذ والرقابة وأن صفات المرشح الشخصية والإعلامية تلعب دورا ثانويا فى صناعة كفاءته، يقولون قول الحكام المؤمنين بحرية الإنسان وكفاءة العقل وديمقراطية الإدارة!!
يا صاحبة الصوت الانتخابى، لا أحد فرد يملك قدرات تجاوز قدرات البشر، مهما بالغت وسائل الدعاية فى صناعة النجوم، ولا أحد فرد يملك قدرات معجزة فى مواجهة المجموع مهما أسرف الفرد فى إظهار عجز الآخرين، ذلك بأن فردا قد يعرف عملا أفضل من فرد أخر، لكن ناتج عمل أى فرد لا يظهره غير مشاركة الآخرين، يا زوجتى أليس من حقى أن أرشح نفسى فى النور بناء على قوانين موضوعية عادلة.
قالت زوجتى وهى تتحسر، إنى أخشى عليك مجرد البوح بالترشيح، فما أسهل طرق اتهامك بالجنون، وما أكثر وسائل خلعك بعد طول عشرتنا، إعقلها يا زوجى الساذج، فحين تضع مؤسسات التشريع قوانين تحقق العدل والمساواة بين المواطنين، وحين تنفذ مؤسسات الحكم مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وحين تعمل مؤسسات الرقابة على نزع الفساد بين المواطنين، حين يتحقق كل ذلك يصبح الوطن ملكا للجميع، يومها تقدم مع غيرك للترشيح خادما لهذا الوطن، ويومها سأعطى صوتى لمن يخدم الجميع أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالفيديو - فيضانات عارمة تضرب بلدة نواسكا الإيطالية


.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟




.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف


.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال




.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال