الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقعية رقمية غير مسبوقة

ماجدولين الرفاعي

2005 / 12 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لعل روايةشات الرقمية هي الأولى في عالم الأدب التي جسدت أدب جديد بدا بالظهور مؤخرااطلق عليه اسم الواقعية الرقمية ويتناول جميع القضايا المعاصرة اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا في ظل واقع رقمي فرض نفسه على عالمنا وبات يتداخل بشكل كبير من تفاصيل حياتنا اليومية ليتحول إلى عالم حقيقي لا يمكنه الانفصال عن الحياة العملية اليومية, رواية شات للأديب الأردني محمد سنا جلة ليست الأولى في عالم الواقعية الرقمية فقد أصدر قبلها رواية ظلال الواحد والتي أخذت أبعادها في عالم الواقعية الرقمية إنما- شات- جاءت بشكل جديد وإخراج متميز من الأديب نفسه فقد اعتمد في إخراجها على مؤثرات بصرية وصوتية على شكل مشاهد متسلسلة كل مشهد له طابع خاص ينسجم مع مضمون النص بدا من الغلاف أو مقدمة الرواية التي جعلها من اللون الأخضر المتوهج تتداخل فيها الأرقام الرقم صفر والرقم واحد في إبداع بصري مذهل يجلس القارئ أمام شاشة الكومبيوتر ليبدأ العرض بظهور الشاشة الضوئية مترافقة بموسيقا خاصة تنتقل بك في ثوان معدودة إلى المشهد التالي بمؤثراته الصوتية والبصرية المشهد الأول يصف ليل صحراوي موحش بأصوات الجنادب الليلة وكثبان الرمل الممتدة على مساحة الشاشة أما المشهد الثاني فينقلك إلى نهار صحراوي بالغ الرطوبة والحرارة تتخلله رياح صحراوية مغبرة وفي المشاهد أخرى ندخل مع الكاتب غرف الدردشة بأجوائها الرقمية المميزة وأسماء الشخوص اللذين تشعر وأنت تقراهم وكأنك واحد منهم.يمزج الأديب محمد سنا جلة بين الواقع المحسوس والواقع الافتراضي ففي الأجزاء الأولى يتسلسل في وصف وسرد أسباب وجود البطل في صحراء رملية ففي العدم الرملي نقرا: لأكن صادقا..لم تكن الصدفة وحدها التي قادتني إلى هذا اللامكان..إلى هذا اللاعدم لا لم تكن الصدفة بل كان قرارا واعيا مني..لقد اخترت هذا اللامكان ليكون منفاي الاختياري.ثم يتابع تبرير وجوده في مكان مقيت كهذا ويعترف أن جبنه عن مواجهة مشاكله هو السبب الرئيسي لهروبه ومحاولة النسيان التي أدركها هناك في أجواء استطاع الكاتب وصفها بدقة متناهية حرارتها ورطوبتها بأناسها المتعبين الذين يتحركون تحت أشعة شمس تكوي رؤوسهم ووصفهم بالكائنات الهلامية كناية عن تعبهم الشديد وتبلدهم إزاء واقعهم المر الذي اجبروا تحت وطأة الحاجة والعوز لتحمله أما هو فقد بدده حبه الكبير الذي دمر كل شيء يعود البطل بذكرياته إلى لياليه الحميمة مع زوجته فيشتعل جسده بالرغبة والشهوة يداعب جسده الذي قذفه الجبن بعيدا عن أحضان دافئة كانت ملاذا وإشباعا لرغباته جنة مفقودة يتحسر عليها.حاول الروائي سنا جلة من خلال روايته وصف معاناة العمالة في الدول الغنية وشرح ظروفهم السيئة وتحملهم الإهانة والذل والتعب حتى سنوات عمرهم المتأخرة لأجل جمع المال /في الحقيقة لا افهم كيف يبقى رجلان على أبواب الستين من عمرها يعملان إلى هذا الوقت ؟ أما آن لهما أن يستريحا؟؟والحقيقة أن الكاتب استطاع خلال سرده رصد واقع الحياة في صحراء قاحلة ليس فيها إلا التعب وليال مملة خالية من الحب والألفة حياة مليئة برجال هجروا أسرتهم النظيفة وزوجات مغريات مضطرين للاستمناء آخر الليل يصف أيام مرهقة لأناس أتت به الحاجة لمكان لا يتحمل العيش به كائن بشري.ينتقل الكاتب بهدوء وسلاسة لينقل كيف إن الصدفة وحدها نقلت نزار إلى عوالم جديدة من صحراء وملل الحياة فرسالة على جواله عن طريق الخطأ من مجهولة كانت كافية لتحرك فيه جميع الرغبات المكبوتة فيصف الكاتب كيف بدأت التجربة من الموبايل ثم يدرج إلى الشات الذي دوام عليه بطله منتحلا شخصية غير شخصيته الحقيقية مقنعا نفسه انه ينقذ إنسانا من الموت.يبدأ الأديب سنا جلة فصل آخر اسماه التحولات ويبدأ التحول الأول من الرواية بصورة لمدينة صغيرة لا يوجد فيه سوى مقهى انترنت وحيد يذهب بطل الرواية إليه ليبدأ مشواره من المحادثات اليومية واصفا عدم اهتمام البطل بالانترنت في السابق واعتباره من الأمور التافهة ومن ثم ارتباطه به بشكل كبير وفي التحولات اثنان ينتقل الكاتب إلى وصف شات البطل من الحبيبة المهزومة وتتدرج الرواية بسرد تفاصيل العلاقة التي بدأت تؤثر على البطل فيرصد من خلال تلك التحولات التأثير المباشر للحياة الافتراضية السلبية على الحياة الواقعية فقد بدا بطل الرواية بالتأخر عن عمله وتلك أولى التأثيرات التي حاول الروائي سنا جلة شرحها بطريقة جميلة وناجحة لتعد يد سلبيات استخدام الانترنت بشكل سلبي ومدى تأثيرها على مجمل الحياة اليومية لكنها في الوقت ذاته تؤنس الغريب في غربته وتمنحه السعادة بالتواصل مع آخرين و تشعره بلذة انتظارهم له رغم تعبه الشديد ثم يعبر الكاتب سنا جلة مع البطل ممر الذكريات فيعود خطفا إلى الخلف حيث كان يعيش في شتاء مثلج جميل ولعل انتقال الكاتب من الحاضر للماضي يعطي للرواية نكهة خاصة مميزة تشبه أن تكون فيلم سينمائي يحمل المشاهد على المتابعة باهتمام وترقب لما سيحصل في المشهد التالي.
في غرفة السياسة يبدأ فصل جديد من حياة البطل الذي بدأت حياته تتحول إلى ليل محموم وصباح مثقل لم يعد يسعفه للذهاب إلى عمله ولعل الروائي سنا جلة أراد في الفصول المتلاحقة للرواية أن يرصد عالم الشباب المتعلق بالشات وغرف المحداثة شباب وشابات من أعمار متقاربة اجتمعوا لينفثوا همومهم وليطلقوا حرياتهم المكبوتة في عالمهم الواقعي هنا في عالم افترضي لأناس اختباواا خلف أسماء مستعارة يجمعهم الشباب وحب الحياة والإثارة ناقشوا كافة أمور الحياة السياسية والاجتماعية وقضايا الحب والجنس والحرية من منظور ضيق ومن خلال مفاهيم مسطحة تقول فاطمة إحدى المتواجدات في غرفة الدردشة:الحب عندي حالة تقود الى الجنس حيلة تقود الى الجنس هذه النظرة الضيقة للأمور ربما تجاوزوها لاحقا عندما تنضج تجاربهم وعواطفهم.ملفت في هذا الجزء من الرواية الإخراج الفني الرائع بنوافذه التي تأخذك لترى ما يكتب على الخاص في المحادثة الجماعية ونوافذ *أخرى لتعريف القارئ بصاحب كل قصيدة أو أغنية تكتب بلمس الفارة فقط تفتح نافذة تخبرك ما تريد معرفته
حرص سنا جلة من خلال ه روايته على كشف المستور في علاقات النت والمناقشة الساخنة التي تدور فيها وبكل جرأة ناقش مسالة الجنس على المسنجر تلك المسالة المسكوت عنها
والتي تدور في كواليس غرف الدردشة بين شباب يبحث عن المتعة وتحرير كل رغباته المكبوتة على ارض الواقع فلجئوا للاحتماء بأسماء مستعارة ليخلعوا خلفها ملابسهم, أن تطرق الأديب سنا جلة لهذه المسالة بهذه الجرأة خطوة محسوبة له فقد أشار لها قبل الآن الكثير من النقاد ولكنهم لم يصوروها بهذا التصوير الحي.أبز سنا جلة من خلال روايته ثقافة الجيل الجديد ووعيه لمجمل قضاياه ولكن كما قلنا سابقا فان وعيه وتفكيره لم يترجم لأفعال ذات قيمة وربما بسبب الظروف في المحيطة و التي حجمت حتى أحلام الشباب رغم ثقافتهم الواسعة وإطلاعهم على كتب التراث والتاريخ التي أورد أسمائها الكاتب على لسان شخوص فذكروا كتاب الروض العاطر وكتاب ألف ليلة وليلة وغيرها.
في النهاية نستطيع القول أن الأديب محمد سنا جلة استطاع بإبداعه المتميز في تأليف وإخراج هذه الرواية من تحقيق ثورة رقمية جديدة في عالم يحتاج وبإلحاح لكل مبدع ومفكر لإثبات أن الفكر الإنساني قادر على تطويع كل الوسائل لخدمة البشرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير