الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد عابد الجابري: ما يحتاج إليه النضال العربي في المرحلة الراهنة هو قيام كتلة تاريخية

المصطفى المصدوقي

2016 / 5 / 3
مقابلات و حوارات


ما أحْوجنا اليوم لاستحضار صوت العقل والحكمة في واقع عربي يتميز بكثير من الجنون والعمى الأيديولوجي المخيف ، اليوم يتراجع العقل لصالح الجهل ،وتتراجع الوحدة تحت ضربات الميل للتمزق الذاتي ، يتوارى حاملو مشاعل النهوض والتنوير ويسيطر على المنصة المجانين والحمقى ، يتراجع القلم ويتمدد الكاليشنكوف والصاروخ الأمريكي ، هي مرحلة حاسمة في تاريخنا بلا شك ، والخطير فيها أن المعتوهين والغلاة المثقلين بمكبوتات القرون واحباطات زمن التخلف يجدون الفرصة سانحة جدا للامتداد ، هي فرصة يخلقها جهلنا الجمعي ويرويها الدولار المنقوع في النفط العربي.
ولأن المرحلة تحتاج للعقل ، ولأن الكثير من عقلائنا قد رحلوا وتركوا الساحة يتيمة فارغة ،يسرنا أن نستضيف واحدا من أبرز من فكروا في واقع مغاير وبطريقة مغايرة ؛فكان رحمه الله ينظّر للكتلة التاريخية الجامعة لكل شتات الأمة ، فيما كان كثيرون يصرّون على التفكير بمنطق الشتات المعاكس ، هو لا يحتاج لتعريف بلا شك ، إنه الفيلسوف المغربي الراحل محمد عابد الجابري.
هاهو الجابري،رغم غيابه،يستضيفنا في رحابة فكره،في رحابة مؤلفاته:نقد العقل العربي،نحن و التراث،إشكاليات الفكر العربي المعاصر،الخطاب العربي المعاصر..
فلنتسمع إليه.
أجرى الحوار:المصطفى المصدوقي
لقد كشف الربيع العربي بشكل غير إرادي عن كل التناقضات العرقية و الطائفية و العشائرية و القبلية..كل ما كان مستورا،مكبوتا انفجر في وجوهنا كالقنابل.بما يمكن أن تفسر ذلك؟
--- محمد عابد الجابري:في عصر الايدولوجيا عندنا،منذ بدايتها إلى أوج ازدهارها،عصر السلفية و العلمانية و الليبرالية و القومية...الخ كبتت معطيات اجتماعية و فكرية.وهذا من شأن الايدولوجيا فهي تعمل على كبت ما لا ينسجم معها،مع شعاراتها و مطلقاتها.
منذ القرن الماضي أي منذ أن بدأنا نحتك بالغرب،دخلت الحداثة بعض جوانب حياتنا و ظهرت التيارات الإيديولوجية التي سبقت الإشارة إليها،فاحتلت الساحة،ساحة الوعي عندنا،و حصل نوع من "القمع" للمحددات الثلاثة :القبيلة و الغنيمة و العقيدة فأصبحت تشكل المكبوت الاجتماعي و السياسي عندنا.
لكن مع حصول الربيع العربي عاد المكبوت،أعني الطائفية و العشائرية و التطرف الديني..و نحن نعرف ما جرى و يجري في بلدان عربية (سوريا،العراق...) و سوريا في واقع الأمر سوى صورة مكبرة عن الوطن العربي في هذا الشأن.قد تختلف الأمور من قطر إلى آخر،غير أن المكبوت الذي انفجر في العراق مستخدما المدافع و الصواريخ انفجر في أقطار عربية أخرى مستخدما الأيدي و العصي أو الألسنة على الأقل.
ما نشاهده اليوم في الوطن العربي حيث يقتتل الناس في بعض أقطاره اقتتالا طائفيا تزكيه"العقيدة" التي تطغى على ما سواها،دليل على الدور الذي يلعبه الفكر و الايدولوجيا في وطننا العربي،و هولا يقل عن دور القبيلة-العشائرية-و لا عن دور الغنيمة-المنافع الاقتصادية.
إن المكبوت قد عاد ليجعل حاضرنا مشابها لماضينا،فأصبحت "القبيلة" محركا علنيا للسياسة و أصبح الاقتصاد ريعيا أو شبه ريعي مطبوعا بطابع الغنيمة،و أصبح الفكر و الايدولوجيا"عقيدة" طائفية .
----أيضا طرح الربيع العربي و بشدة موضوع العلمانية و الديمقراطية،أيهما يمكن أن نضع في صدارة التحول الديمقراطي؟
محمد عابد الجابري:إن فكري لا يستسيغ الحديث عن مشكل اسمه الدين و الدولة في الوطن العربي الحديث و المعاصر.
فليس هناك في أي قطر عربي ما يبرر طرح مسألة العلمانية فيه،بالمعنى الذي تفهم به في أوروبا،و الذي يتمحور أساسا في "فصل الدين عن الدولة"،هذا الفصل الذي لا معنى له،في أوروبا،من دون وجود الكنيسة التي كانت تتقاسم السلطة مع الدولة،السلطة على الأفراد.أما في الوطن العربي الحديث و المعاصر،وطن الدول العربي فليس هناك ما يبرر طرح المشكل بهذا الاسم و تحت هذا العنوان.ذلك أن الدول العربية اليوم،و منذ قيام هذه الدول ككيانات حديثة و مستقلة،كلها دول علمانية" في قوانينها و سلوكها و سياستها الداخلية...وحتى الدول التي تتخذ من إعلان التمسك بالسلام شعارا سياسيا و إيديولوجيا لها،فإنها في الواقع العملي"علمانية" إلى حد كبير.
المشكل المطروح ليس مشكل علاقة الدولة بالدين،أو الدين بالدولة..بل على انه مشكل الدولة في حد ذاتها، سواء لبست لباسا دينيا،أو لباسا علمانيا..المشكل هو:من يحكم،و ما الذي يبرر سلطته و يؤسسها فعلا؟المشكل هو مرة أخرى،مشكل الديمقراطية:مشكل انبثاق الحكم من إرادة المواطنين و اختيارهم،و ضمان إسقاطه بإرادتهم و اختيارهم كلما تبين لهم انه لا يمثل إرادتهم و اختيارهم.هذا هو المشكل الحقيقي.
ما الذي يجعل الربيع العربي قادرا على استكمال انجاز التحول الديمقراطي؟
محمد عابد الجابري:إن ما يحتاج إليه النضال العربي في المرحلة الراهنة هو في نظري شيء أقرب إلى ما سماه غرامشي بـ"الكتلة التاريخية".
إن حركة تغيير في المجتمع العربي الراهن لا يمكن أن تضمن لنفسها أسباب النجاح، أسبابه الذاتية الداخلية وهي الأساس، إلا إذا انطلقت من الواقع العربي كما هو وأخذت بعين الاعتبار الكامل جميع مكوناته، "العصرية" منها و"التقليدية"، النخب منه وعموم الناس، الأقليات منه والأغلبيات، صفوف العمال وصفوف الطلاب، وقبل ذلك وبعده صفوف المساجد... صفوف المصلين.
وواضح أن الانطلاق من هذا الواقع كما وصفناه، والأخذ بكل ما فيه من تعدد وتنوع، ومن ائتلاف واختلاف، سيكون مصطنعا وهشا إذا هو اعتمد التوفيق والتلفيق والتحالفات السياسية الظرفية ذات الطابع الانتهازي...
إن المطلوب هو قيام كتلة تاريخية تنبني على المصلحة الموضوعية الواحدة التي تحرك، في العمق ومن العمق، جميع التيارات التي تنجح في جعل أصدائها تتردد بين صفوف الشعب : المصلحة الموضوعية التي تعبر عنها شعارات الحرية والأصالة والديمقراطية والشورى والعدل وحقوق أهل الحل والعقد، وحقوق المستضعفين وحقوق الأقليات وحقوق الأغلبيات الخ. ذلك لأن الحق المهضوم في الواقع العربي الراهن هو حقوق كل من يقع خارج جماعة المحظوظين المستفيدين من غياب أصحاب الحق عن مراكز القرار والتنفيذ. إنه ... بدون قيام كتلة تاريخية من هذا النوع لا يمكن تدشين مرحلة تاريخية جديدة يضمن لها النمو والاستمرار والاستقرار.
---سقطت أنظمة سياسية عربية دون أن يزول الاستبداد؟
محمد عابد الجابري:إن الاستبداد ليس مجرد مسألة سياسية،بل هو بنية فكرية لها ما يؤسسها في الذهن نفسه.الاستبداد أصبح بنية ثقافية ،جزء من بنية العقل العربي.و هو العقل التابع دوما لسلطة نموذج-أصل.
فالعقل العربي كان و ما يزال-سواء تحدث من موقع يميني أو موقع يساري- عقلا تهيمن عليه آلية القياس،أي عقلا تكاد تقتصر عبقريته في البحث لكل أصل عن فرع و بالتالي لكل جديد عن قديم يقاس عليه،و ذلك بالاعتماد على النصوص،حتى غدا النص هو السلطة المرجعية الأساسية للعقل العربي و فاعلياته.
و إنه بدون تحطيم هذا النمط من التفكير و تفكيكه،و بدون تفكيك البنيات العميقة الغائرة اللاواعية التي تغدي الاستبداد و تنتجه طول الوقت،سيظل الاستبداد أطروحة قائمة.
----ما الذي يجعلنا ننخرط في صراعات الماضي و مشاكله؟
محمد عابد الجابري:و الحق أن التاريخ العربي السائد الآن هو مجرد اجترار و تكرار و إعادة إنتاج،بشكل رديء،لنفس التاريخ الثقافي الذي كتبه أجدادنا تحت ضغط صراعات العصور التي عاشوا فيها و في حدود الإمكانيات العلمية و المنهجية التي كانت متوافرة في تلك العصور،و بالتالي فنحن ما زلنا سجناء الرؤية و المفاهيم و المناهج التي و جهتهم مما يجرنا،دون أن نشعر ،إلى الانخراط في صراعات الماضي و مشاكله،إلى جعل حاضرنا مشغولا بمشاكل ماضينا و بالتالي النظر إلى المستقبل بتوجيه من مشاكل الماضي و صراعاته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يهاجم مجددا مدعي عام نيويورك ويصعد لهجته ضد بايدن | #أ


.. استطلاع يكشف عدم اكتراث ذوي الأصول الإفريقية بانتخابات الرئا




.. بمشاركة 33 دولة.. انطلاق تدريبات -الأسد المتأهب- في الأردن |


.. الوجهة مجهولة.. نزوح كثيف من جباليا بسبب توغل الاحتلال




.. شهداء وجرحى بقصف الاحتلال على تل الزعتر في غزة