الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمارات تكسر شرانقهم |الأسبوع العالمي للتوّحد

فاطمة ناعوت

2016 / 5 / 4
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة


لأنهم رائعون؛ كان لابد من الوصول إلى شرانقهم، وكسرها، رغمًا عنهم، وولوج أعماقها، والحوار معهم، حتى نتعلّم من جمالهم وفرادتهم وننهل من نقائهم ومواهبهم الخارقة الفريدة. ولأنها دولةُ الإمارات العربية المتحدة؛ التي تتبنّى منظومة الجمال منذ نشأتها قبل أربعة وأربعين عامًا، كان لابد أن تكون أيضًا رائدةً في كسر تلك الشرانق الموصدة على بشر رائعين يرفضون الانخراط في العالم. ولأن القائمين على تلك الدولة من آل الشيخ زايد رحمه الله وأبنائه مثقفون يمشون على دربه ويعرفون قيمة "الإنسان"؛ تتمّ تلك الرحلة الشاقّة الشائقة نحو شرانق أولئك الرائعين المتوحدين تحت رعاية وزارة الثقافة والمعرفة؛ لأن تلك الدولة تؤمن أن إخراج لؤلؤة من محارتها هو عمل ثقافي ومعرفيّ بالأساس، كما هو إنسانيّ وحضاريّ، لا سيما حين تكون تلك اللؤلؤةُ: "إنسانًا"، والإنسانُ هو أعلى وأغلى هدايا الله للأرض. ولأنني هنا في مدينة أبو ظبي هذه الأيام، كان لابد أن أشهد تلك التجربة الإنسانية الراقية بنفسي؛ لأستزيد ثقة في إمكانات أولئك المتوحدين النبهاء، ولأزداد وثوقًا بأن الدول المتحضرة بوسعها أن تصنع المعجزات لأبنائها؛ إن أراد حكّامُها ذلك. ولأن في يدي قلمًا، كان لابد أن أكتبَ عمّا رأيتُ رأي العين، لكي أنقل تلك التجربة الجميلة إلى بلادي الطيبة مصر، ولسائر بلاد العالم. ولأن ابني الجميل "عمر" يسكن شرنقة من تلك الشرانق النفسية المتوحّدة في القاهرة، مسّ قلبي ما شاهدتُ، وطفر الدمعُ من عيني وأنا أكتبُ ما أكتبه الآن.
هم، أولئك الرائعون المتوحدون، سيرفضون أن نكسر شرانقهم، لأنهم يحبّون الوحدة ويعشقون التوحّد مع ذواتهم بعيدًا عن عيون الرقباء. لكننا لن نملّ من المحاولة في إثر المحاولة حتى ننجح في أن نفتح كوّة صغيرة في جدران تلك الشرانق السميكة. ثم نُغريهم أن يُطلّوا علينا برؤوسهم من شرانقهم. في البدء سوف ينزعجون من وجودنا، ويشيحون عنّا بعيونهم حتى لا تلتقي بعيوننا المتلهّفة إليهم، يرمقوننا بعيونهم برهةً خاطفة، ثم سرعان ما يُدخلون رؤوسهم من جديد داخل الشرنقة، حتى يتجنبوا صخبنا وضجيجنا الذي يزعج عالمَهم الهادئ الجميل. لكن مع الوقت، وبتكرار المحاولة دون كلل أو ملل، بالتدريج البطيء سوف يمدّون أياديهم الصغيرة النظيفة البيضاء عبر تلك الكُوّات، ويسمحون لنا بأن تلمس أيادينا الكبيرةُ أياديهم النحيلة البريئة. ستحدث تلك المعجزة لبرهة قصيرة من الزمن، لأنهم سرعان ما سوف يسحبون أكفَّهم من أكفِّنا من جديد ويدخلون داخل شرانقهم الآمنة بعيدًا عنّا. ولكن، إن نجحنا في أن نحافظ على أكفّهم المترددة بين أكفّنا الحانية برهة أطول، ربما شعروا بالأمان لنا، فيتشجعون ويخرجون بكاملهم من تلك الشرانق إلى حيث عالمنا. هنا، فقط نكون قد نجحنا في أن نستردَّ طفلًا جميلاً متوحدًا من عالمه الهادئ الرحب، ليدخل معنا إلى عالمنا الصاخب الضيّق الذي يُعوزُه الجمال.
أنا هنا، في مدينة أبو ظبي المنظّمة الأنيقة. أنا هنا في مركز الإمارات للتوحّد. مجرّد أم لصبيّ متوحّد جميل، جئتُ لأتعلّم كيف يعاملون من هم مثل ابني “عمر”. أنا هنا بصفتي كأمٍّ نذرت سنوات من عمرها بين عيادات أطباء الأطفال والأطباء النفسيين ومراكز التخاطب وقراءة أحدث الدراسات عن التوحّد، وكذلك بصفتي ككاتبة نذرت شِطرًا كبيرًا من مقالاتها لأولئك الملائكة العباقرة المتوحدين. أنا هنا لحضور الأسبوع التاسع للتوحد في أبريل هذا العام 2016 بدولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن فعاليات شهر التوحد العالمي. أشارك في هذا اليوم الثري مع أطفال متوحدين من كافة الأجناس وتحت رعاية فريق عمل ممتاز رفيع الطراز ترأسه سيدةٌ مصرية مثقفة اسمها د. أمل جلال صبري، وهي كذلك أمٌّ عظيمة لشابٍّ جميل متوحد استطاع أن يكسر شرنقته ويخرج للحياة ليساعد غيره من المتوحدين في كسر شرانقهم وإبراز جمالهم. "عمرو شرعان"، هو ابنها الجميل، الذي صار اليوم شابًّا وسيما نابغًا، كان أول طفل متوحد يندمج مع أطفال عاديين في مدارسهم عام 2001، وأول متوحد ينال شهادة الثانوية العامة، ويعمل الآن في المركز لمساعدة غيره من المتوحدين الرائعين علّهم يُحصّلون ما حصّل من علم ونبوغ بفضل والدته العظيمة د. أمل، وشقيقته الجميلة شيرين، اللتين نذرتا حياتهما لخدمة أولئك الأطفال في مركز الإمارات للتوحد.
أنظرُ إلى يديّ فأجد شهادة تكريم جميلة منحها لي هذا المركز العظيم، ممهورة بخاتم سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة، وتوقيع مديرة المركز د. أمل صبري، فأندهشُ! مَن الذي ينبغي أن يُكرّم مَن؟ مَن الينبغي أن يقدم شهادات التقدير والاحترام لمن؟ جميعُنا، أمهاتُ الأطفال المتوحدين في كل أرجاء العالم، وأمهاتُ الأطفال الطبعيين غير المتوحدين، آباءُ هؤلاء وآباءُ أولئك، جميعنا يحقُّ علينا أن نكرّم أولئك النبلاء القائمين على هذا الصرح الثقافي الإنساني الرفيع: مركز الإمارات للتوحد (www.emiratesautism.ae). تحية احترام واجبة أيضًا لوزارة الصحة الإماراتية التي تدشّن الآن حملة توعوية هذه الأيام لتثقيف الآباء والأمهات الذين منحتهم السماءُ أطفالا متوحدين حتى لا يقوموا بإخفاء أطفالهم عن عيون الناس خجلا منهم، وظنًّا خاطئًا منهم أن بهم عاهة يجب إخفاؤها. اُخرجوا للحياة مع أطفالكم المتوحدين بكل ثقة وفخر، وحاولوا كسر شرانقهم لكي يخرجوا للحياة.



2








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي


.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل




.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل


.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق




.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا