الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميركا وحريّة الرأي... اقتراح قصف الجزيرة نموذجاً

حليم الخوري

2005 / 12 / 6
الصحافة والاعلام


قد يتفاجأ أحدنا للوهلة الأولى، لدى سماعه نبأ رغبة الرئيس الأميركي جورج بوش، في قصف مقرّ قناة "الجزيرة" الإعلامية في قطر، في شهر نيسان/أبريل من العام الفائت. ولكن، إذا ما أعدنا التفكير مليّا،ً في كلّ الرغبات الجنونية التي أطلق الرئيس بوش العنان لها، منذ بداية حربه "المقدّسة" على "الإرهاب الدولي" وحتى الآن، لوجدنا أنّه لا داع على الإطلاق للتعجّب أو الاستغراب؛ فقد تكون هذه الرغبة الجديدة، التي تفتّقت عن قريحة "قائدنا المخلّص"، الفيّاضة هذه الأيام بالأفكار والمشاريع والخطط المختلفة الأشكال والألوان، إحدى وسائل نشر الديمقراطية في العالم العربي، والتي لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، إلا من حيث أنّها كانت ستنفّذ على أرض دولة صديقة وحليفة للولايات المتحدة الأميركية.

طبعاً، لم يكن جورج بوش يهذي حينها أو يمزح، بل كان جدّياً في تفكيره إلى أبعد الحدود.
كيف لا، وقناة "الجزيرة" كانت دائماً السبّاقة إلى فضح مجازر قوّاته المحتلّة التي ارتكبت بحقّ الشعب العراقي الأعزل، وليس آخرها ما بثّته التقارير عن تلك المذبحة الرهيبة التي حصلت في مدينة "الفالوجة" عشيّة غزو العراق، وفي وقت كانت تحاول الإدارة الأميركية الحاليّة، دون كلل أو ملل، وبكلّ ما توفّر لها من إمكانات إعلامية وإعلانية، إقناعنا بأنّ الهدف الرئيسي للحرب التي تخوضها، هو إنقاذ مجتمعاتنا، التي لا ينكر أحد منّا حاجتها الماسّة إلى الإنقاذ، من براثن الطغيان الذي تمارسه الأنظمة الاستبدادية بحقّ شعوبها، وتعميم مشاريع وخطط الإصلاح والتنمية والتغيير الديمقراطي فيها.

صحيح أنّ الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي صدّقوا تلك الوعود الطنّانة والرنّانة حينها؛ أمّا اليوم، وبعد كلّ ما جرى ويجري، فقد انقلبت الصورة رأساً على عقب، وانكشفت حقيقة الأهداف التي رسمتها الإدارة الأميركية الحالية لمنطقة "الشرق الأوسط الكبير"، ليس بنظر شعوبها فحسب، وإنّما بنظر شعوب العالم كلّه تقريباً، وصولاً إلى الداخل الأميركي، الذي بات يشهد منذ فترة انقساماً حادّاً في الرأي حول جدوى الحرب التي تخوضها الدولة العظمى في العراق، خاصّةً بعد الخسائر الفادحة التي مني بها جيشها، والتي تجاوزت بحسب العديد من الإحصاءات الرسمية والإعلامية، الألفي قتيل.

لنا الحقّ اليوم، بعد كلّ ما قرأناه في الصحف والمجلات وسمعناه في الإذاعات وشاهدناه على الشاشات، أن نتساءل مثلاً عن الفرق بين القصف الكيميائي الذي دكّ به جيش صدّام حسين يوماً مدينة "حلبجة" الكردية دون أيّ شفقة أو رحمة، وبين استخدام جيش جورج بوش بالأمس القريب قنابل تحتوي على مادة "الفوسفور الأبيض" الشديدة الاشتعال، ضدّ العسكريين (وربما المدنيين أيضاً) العراقيين، خلال اقتحامه مدينة "الفالوجة" العراقية؟ أكثر من ذلك، ما الذي يميّز مبدأ حقوق الإنسان الذي تدّعي الولايات المتحدة الأميركية التمسّك به حتى العظم، والذي بدا انتهاكها له واضحاً في أعقاب فضائح التعذيب الوحشي الذي مارسه سجّانوها بحقّ المعتقلين والأسرى العراقيين في سجن "أبو غريب"، عن أعمال التنكيل اللامحدود التي كانت تقوم بها في السابق، الأجهزة العراقية على اختلاف أنواعها وألوانها، ضدّ كلّ معارض أو معتقل أو سجين؟ وبماذا تختلف ديمقراطية "العمّ سام"، التي تدعو وبكلّ صراحة، إلى الاعتداء السافر على قناة إعلامية رائدة كـ"الجزيرة"، عن ديكتاتوريّة الرئيس العراقي المخلوع، التي دأبت طوال فترة حكمه على تضييق الخناق على وسائل الإعلام العراقية، المقروءة والمسموعة والمكتوبة، التي لم تكن آراؤها تتطابق مع رأي سيّد القصور الفخمة؟




لقد عجز جورج بوش، كما صدّام حسين في الماضي، عن مواجهة الرأي المغاير لرأيه بالحجّة والإقناع، فأبدى شهيّته لإسكاته بالنار والبارود، بعد أن تحوّل بنظره إلى عدوّ شرس، يساهم إعلامياً في فضح حقيقة السياسة الخارجية الأميركية المعتمدة حيال المنطقة، والحبلى بالكذب والتدجيل والتلفيق والخداع والنفاق؛ عدوّ لم يعد هنالك من سبيل إلى ترويضه إلا من خلال القصف والإلغاء.

وبعد، فلتحيا الديمقراطية وحريّة الرأي وحقوق الإنسان الأميركية!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟