الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افكار حول تحديد هوية الاقتصاد العراقي

فارس آل سلمان

2016 / 5 / 7
الادارة و الاقتصاد


افكار حول تحديد هوية الاقتصاد العراقي

*فارس آل سلمان

مدخل
=========
مازال العراق يتخبط منذ عام 2003 وقد أضاع طريق النهوض الأقتصادي ولم يستثمر عائدات الارتفاع الهائل في اسعار النفط والتي كان من الممكن لو استثمرها ان يحقق طفرة تنموية اقتصادية.
أن الفوضى ، التي يعيشها الاقتصاد العراقي حاليا، ناجمة عن عدم تحديد هوية الاقتصاد العراقي ، ناهيك عن ضعف و قصور التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي فضلا عن قصور في ادارة موارد الدولة وعدم احترام القانون وضعف المؤسسات الرقابية و ضعف البرلمان و الفساد الاداري و المالي . يضاف الى كل ذلك فشل الحكومات المتعاقبة و البرلمان و الجهات الرقابية ، و اقتصار اداء الحكومات على سياسة رد الفعل لا اكثر .
وسنحاول في مبحثنا هذا ان نتلمس الطريق الاقتصادي الامثل للنهوض بالواقع العراقي المتردي من خلال استعراض ابرز الطرائق والنظريات الاقتصادية التي سارت عليها دول العالم ومدى انسجامها مع الواقع العراقي.

بين الاقتصاد الحر والاشتراكية
=================
انتج النظام الرأسمالي نظرية العولمة و اقتصاد السوق الحر، أي تحرير شامل للسوق التجارية و تحرير حركة رؤوس الأموال فضلا عن السعي المحموم تجاه الربح عبر المنافسة الشرسة و الاحتكار المتوحش .
وهذا بدوره خلق مشاكل اجتماعية على حساب حقوق العمالة و استقرار الاجور و إضعاف الضمان الاجتماعي ، الأمر الذي يؤدي حتما الى قتل التنمية الاجتماعية ، و يعني بمعنى اخر سيطرة القطاع الخاص على الملف الاقتصادي بالكامل و تحديد مساهمة الحكومة في العملية الاقتصادية ، وعلى العكس من ذلك نجد في النظام الاشتراكي هيمنة سلطة الدولة على كل مرافق الاقتصاد.

لقد برزت الحاجة الى نظرية تحاول الجمع بين قوانين الاقتصاد الحر و بين مبادىء إجتماعية من النظام الاشتراكي ، ولانعني بذلك الديموقراطية الاشتراكية وانما نتحدث عن نظرية تهدف الى حضور الحكومة في صيانة ومراقبة العلاقة بين التنافس في السوق والعدالة الاجتماعية.
وقد تعددت التجارب في هذا المجال ، فمثلا نجد أن السويد تبنت نموذجاً ناجحاً للديموقراطية الأشتراكية ، وهو نموذج قريب من إقتصاد السوق الاجتماعي من حيث تأمين المنافع الاجتماعية و الصحية و الخدمية ، بل و تعدت الدول الاشتراكية في ذلك، بينما تركزت نظرية السوق الاجتماعي الألمانية على اتفاق أرباب العمل والنقابات لتقرير الأجور و توفير اموال للتدريب و تطوير الكفاءات المهنية.
وهناك من يعتقد خطأً بأن إقتصاد السوق الإجتماعي ينتمي الى النظرية الاشتراكية ، و في الحقيقة هو نموذج إقترحه الألمانيان ( ألفريد أرماك و لودفينغ إيرهارت ) يجمع بين إيجابيات اقتصاد السوق الحر من حيث القدرة الاقتصادية الكفوءه ووفرة المنتوج و بين النظرية الاشتراكية في تجنب التنافس الشرس و الاحتكار و منع استغلال العمال و السماح بتكوين نقابات و مشاركتها في صنع القرار يرافق ذلك رقابة صارمة من الحكومة وعدم السماح بعمليات تجارية تسيء للنظام الاجتماعي .
ففي إقتصاد السوق الحر يكون دور الدولة سلبياً من حيث حماية المجتمع اجتماعياً ، بينما في اقتصاد السوق الاجتماعي يكون دور الحكومة رقابياً ويحافظ على محور الاقتصاد مثل التحفيز الاقتصادي و تشريع قوانين المنافسة الشريفة و إقرار سياسات الضمان الأجتماعي.
إن نظرية (أيرهارت) تتلخص في محاولة الجمع بين حرية التجارة و العدالة الأجتماعية و تحقيق نمو إقتصادي في اطار نظام إقتصادي و اجتماعي متوازن.
و لنضرب مثلا تطبيقيا: فقد خرجت المانيا من الحرب العالمية الثانية مدمرة كليا و تبنت إقتصاد السوق الاجتماعي من خلال الخطوات التالية:
1- دعم المجتمع المدني.
2- أسس المجتمع المدني شركات مساهمة للإنتاج واعادة البناء دعمتها المصارف مثل مرسيدس وفولكسواغن وباير للأدوية وكروب لصناعات الحديد ، وفي الكهرباء تم انشاء شركات مساهمة أهلية إمتلكت تسعة عشر مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء.
3- تم دعم الشركات الصغيرة و المتوسطة لخلق تنمية و حققت هذه الشركات فرص عمل واسعة فضلا عن ضمان اجتماعي للعمالة.
4- تشجيع الحكومة للشركات الصغيرة و لمتوسطة عن طريق القروض لتشجيعهم على المنافسة بهدف تشجيع الناس على العمل و اعالة اسرهم و توظيف العمالة.
5- شجعت الحكومة الألمانية اقامة دورات و ندوات لتعريف الجمهور بطرق انشاء مشاريع تجارية و اقتصادية و شروط دعمها و معاملاتها الضريبية و غيرها.
و نتيجة لنجاح التجربة الالمانية و إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 اعادت الكثير من الاحزاب الشيوعية الاوربية النظر في برامجها الاقتصادية ، فقد عدل الحزب الشيوعي الإيطالي نظريته الماركسية اللينينية الى نظرية الديموقراطية الاشتراكية وهي تختلف عن نظرية إقتصاد السوق الاجتماعي لكنها قريبة نوعا ما منها .
و تختلف نظرية إقتصاد السوق الاجتماعي عن نظرية الليبرالية الإجتماعية و الليبرالية الإشتراكية ، إذ ان الاخيرتين تريان ان من واجب الدولة توفير فرض العمل و الرعاية الصحية و التعليم و الحقوق المدنية ، أي تطالب بإحترام الحرية الفردية و التسامح و تعتبر أن حق العمل و حق تقاضي أجر مناسب على العمل لا يقلان أهمية عن حق التملك .
أي أنهما هنا تتفقان مع نظرية أقتصاد السوق الأجتماعي والتي تتفوق عليهما بانها تؤمن بالملكية الفردية لوسائل الأنتاج مع تنظيم الدولة للسوق بما يحقق التنافس الشريف و يحقق بذات الوقت العدالة الأجتماعية و خدمات أجتماعية مثل التعليم و الضمان الصحي و حقوق الإنسان بمعنى اخر انها تحقق توازن بين الرأسمالية و الإشتراكية أي تحقق توازن بين الحرية الأقتصادية و العدالة بما يخدم المجتمع أي بما يخدم الصالح العام.

بين الليبرالية والديموقراطية الاشتراكية
====================
أما الفرق بين الليبرالية الإجتماعية و الديموقراطية الإشتراكية فإن الأولى خرجت من فكر الليبرالية الكلاسيكية المؤمنة بالرأسمالية بينما خرجت الديموقراطية الإشتراكية من فكر الإشتراكية الثورية المؤمنة بصراع الطبقات وأصبحت إصلاحية , لكنها مازالت بعيدة عن الرأسمالية المطلقة في حين أن الليبرالية الاشتراكية تدعم الفكر الليبرالي الاقتصادي و حقوق الملكية و دور القطاع الخاص و تدعم حقوق الطبقة العاملة و توفير الخدمات الأجتماعية لكن بحدود.
وطالما ان الإنسان هو غاية سامية و بذات الوقت هو الوسيلة لتحقيق هذه الغاية لذلك يجب التركيز على إحترام حقوق الإنسان كقيمة إنسانية عليا و تنمية الموارد البشرية و إستغلالها الأمثل من أجل تحقيق خدمة أشبه بالمثالية للمجتمع.
مخاطر السوق المفتوحة
==============
ان الاسواق المفتوحة تعني تحررًا مالياً و تجارياً سريعاً ونمواً غير متساو للثروات والفرص ، وتتولد عنها مشاكل بيئية و اجتماعية جمة ، حيث انتجت الاسواق المفتوحة خسائر اقتصادية و اضطراب اجتماعي في البلدان النامية نتيجة كسر الحواجز الاقتصادية الوطنية و الانتشار الدولي للنشاطات التجارية و المالية و الانتاجية فضلا عن تنامي قدرة الشركات العابرة للقارات و المؤسسات المالية الدولية نتيجة هذه العمليات .
لقد كان التحرر على شكل تحرر مالي وتجاري و استثماري ، فقد ادى زوال نظام (بريتون وودز) 1972-1973( Bretton Woods) الى اطلاق تجارة دولية للمبادلات الاجنبية فقد تنامى هذا السوق من معدل يومي بقيمة 15 مليار دولار في 1973 الى اكثر من 150 مليار دولار عام 2007 وهذا خير دليل على التحرر المالي وتزايد التحرر التجاري لكن ليس بذات الوتيرة فقد كان 315 مليار دولار عام 1970 و اصبح 3447 مليار عام 1990 ( المصدر ، مارتن خور ، العولمة : اعادة نظر)
وبرزت هشاشة هذا النظام في الازمة المالية بشرق اسيا عام 1997 ثم في الركود العالمي عام 2007 الناجم عن ازمة الديون العقارية .
وتعزى عدم مسايرة سرعة التحرر التجاري للتحرر المالي الى سلسلة الدورات التجارية متعددة الجوانب و التعرفات حسب اتفاقية (غات ) رغم وجود تعرفات مرتفعة في بلدان متطورة في قطاعات مثل الزراعة و النسيج ، كما تواجد نمو ثابت في تحرر الاستثمار المباشر الاجنبي ( FDI ) .
وقد كان الامر غير عادلٍ اذ تركز في القليل من الدول النامية في حين ان الدول الاقل تطورا استلمت القليل من تدفقات الاستثمار المباشر الاجنبي، الامر الذي جعل الشركات العابرة للحدود تحل محل الدولة المركزية .
و بعبارة آخرى فان الشركات العابرة للحدود و بفضل الاندماج و الاستحواذ اصبحت شركة واحدة كبرى دولية متعددة الجنسية تتحكم باكبر عدد من اسهم الاسواق العالمية .
تحديات العولمة
============
تشكل تحديات العولمة الرأسمالية وسيطرة الشركات الكبرى العابرة للقارات و الركود الاقتصادي العالمي بمجملها مناخاً ملائماً لتملك الشركات الكبرى لمنافساتها الاصغر ، وتؤدي العولمة الى سيطرة حفنة شركات كبرى على الاقتصاد العالمي و الانتاج السلعي الدولي.
ان فكر العولمة ينص على عولمة السياسات الوطنية و آليات صناعة السياسة . فقد كانت السياسات الوطنية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و التكنولوجية تحت سلطة الدولة ، اصبحت الان تحت تاثير المنظمات و الوكالات الدولية او الشركات الخاصة الكبرى المتعددة الجنسية و المهيمنين الماليين وبذلك اصبح شعب تلك الدولة تحت تاثير هذه المنظمات و الشركات ، مما ادى الى تآكل الامن القومي و الوطني و السيادة الوطنية ، وادى الى التضييق

على قدرة الحكومات و الشعوب في اختيار السياسات بانواعها .
من المعروف ان مكونات إقتصاد السوق هي :
1‌- قوة العمل المحررة
2‌- آلية العرض و الطلب
3‌- أداة النمو
وقد لوحظ أن المنتج الصناعي العالمي بدأ يتحكم بالطلب من خلال تحكمه بالعرض و بالتالي بات السعر لا ينجم عن تفاعل العرض و الطلب.
أن للسوق آلية عمياء فاقتصاد السوق يزيد التفاوت بالدخول إذ يزيد الأغنياء غنى و يزيد الفقراء فقرا كما يؤدي إقتصاد السوق الى زيادة الفجوة بين العرض المتنامي و الطلب ، لذا فإن إعادة توزيع الدخل ليست قضية إجتماعية فقط و أنما قضية إقتصادية فإقتصاد السوق يتمييز بالكثير من الإحتكار والتفاوت بالدخل وزادت شراسة إقتصاد السوق من خلال الإندماج بين الشركات أو إستيلاء أحداها على الأخرى مما أدى الى الإحتكار و التحكم بالأسعار الأمر الذي أغلق السوق بوجه المبادرين الإقتصاديين الجدد.
صحيح أن السوق يوفر فرص عمل لكنه يهدد إستقرار الوظائف الدائمية من خلال الدورات الرأسمالية و التي تمتاز بفيض العرض و ضعف الطلب و الإنكماش او الركود الإقتصادي . و هذا يؤدي الى استعار المنافسة و التي بدورها تدفع الى تقليل تكاليف الانتاج و تخفيض اجور العمال الى أقصى حد و هذا يؤدي الى تقليص فرص العمل و الحد من رفع الأجور و تخفيض المزايا الإجتماعية .
ويمكن تلخيص أركان العولمة ب:
أولا: بريتون وودز Bretton Woods
ثانيا: البنك الدولي
ثالثا: صندوق البنك الدولي
رابعا: منظمة التجارة الدولية
خامسا: منظمات آخرى مثل مجموعة السبعة و غيرها
تطبيقات العولمة:
أولا: تغليب السوق على مصلحة المجتمع
ثانيا: تغليب الربح على الأجور
ثالثا: تغليب السلعة الرخيصة منخفضة الكلفة والجودة ( مثل الوجبات السريعة الرديئة ) على السلعة الجيدة عالية الكلفة .
وهذا سجل ضغطا على الدول التي تطبق إقتصاد السوق الإجتماعي
سلبيات العولمة:
1- إشاعة نظام العمل المؤقت مقابل البطالة العالية
2- إرتفاع الإنتاجية و تقليص الخدمات الإجتماعية
3- جمود الأجور
4- إرتفاع نسبة البطالة
إن احد أوجه العولمة تقليص ضرائب الدخل على الشركات الكبرى و المصارف في الوقت الذي تتعاظم فيه الارباح ، وبالطبع هناك فائض اقتصادي متزايد لكن هناك تراجع مستمر في الخدمات الاجتماعية وفي إخضاع التنمية الاجتماعية لإعتبار السوق النفعية الضيقة ، فالليبراليون يطالبون بتصفية دور الدولة و دعم القطاع الخاص و تصفية القطاع المختلط و العام بهدف تحويله الى اقتصاد السوق .
ان العولمة تلائم البلدان المتطورة حيث يقطن المهيمنون على الاقتصاد العالمي ، اذ ان لهذه البلدان القدرة على مراقبة سياساتها الوطنية فضلا عن مراقبة ممارسات المؤسسات الدولية و النظام العالمي ، وقد برز محور يدعم العولمة وهو البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية مقابل انحسار دور منظمات دولية مؤثرة مثل الامم المتحدة ووكالاتها .
فقد ادى تأسيس منظمة التجارة العالمية الى رضوخ البلدان النامية للالتزامات التي تفرضها المنظمة اي ان صناعة السياسات ستنتقل من الاطار الوطني الى اطار مفروض خارجيا ويتم تهميش البرلمانات الوطنية .
وقد شكلت العولمة فجوة كبيرة متسارعة النمو بين الدول المتطورة والاخرى النامية ، وما بين الشعوب الغنية و الفقيرة في العالم ، وفي تحليل لتقرير التجارة و التنمية TDR 97 ترسخت هذه الفجوة الامر الذي زاد من اللا عدالة اذ ظهر مايلي:
1- تنامي ظاهرة اللاعدالة في الرواتب في بلدان الشمال و الجنوب ، فضلا عن انخفاض التوظيف الصناعي للعمال غير المهرة .
2- ارتفاع ارباح الرساميل مقارنة مع ارباح العمالة .
3- ظهور مصادر دخل جديدة من اراض وسندات نتيجة للتحرر المالي و الارتفاع السريع في الدين.
4- انحسار فوائد تحرر الاسعار في القطاع الزراعي بيد التجار بدلا من المزارعين .

وهذا ما نشاهده الان (2016) من افلاس الفلاحين في فرنسا رغم ان الحزب الحاكم هو الحزب الاشتراكي !!!.
ان انعدام العدالة ادى الى :
1- تركيز الدخل القومي بيد اشخاص قلائل ضمن استثمار راكد و ارتفاع البطالة و انخفاض الاجور ( مؤتمر الامم المتحدة للتجارة و التنمية 1997 الفصل 6)
2- ان تفشي نمط اللاعدالة اعاق الاستثمار و ابطأ النمو من خلال:
أ- فصل النواحي المالية عن التجارة و الاستثمار الدوليين بسبب سرعة التحرر المالي.
ب - القيود المفروضة على سياسات النقد مما ادى الى ارتفاع معدلات الفائدة الامر الذي دفع المستثمرين الى التركيز على تجارة البضائع الثانوية.
ج- سرعة حركة راس المال عبر القارات بغية تحقيق مكاسب سريعة اضعف الاستثمار طويل الاجل في اصول انتاجية جديدة .
د - عمليات الهيكلة المشتركة ادت الى تسريح العمال و انخفاض الاجور مما ادى لعدم الطمأنينة في الوظائف و الدخل ( مؤتمر الامم المتحدة للتجارة و التنمية 1997 الفصل 6).
ان دول الجنوب لم تجن اية فوائد من العولمة ، فالدول النامية هي اساسا ضعيفة اقتصاديا بسبب صغر حجم اقتصادها وضعف البنى التحتية الاجتماعية لكونها كانت اساسا مستعمرات او خرجت من حروب و اصبحت اكثر ضعفا نتيجة انخفاض اسعار التصدير الى جانب ازمة الديون و اعباء خدمة الديون كما ادت الى الفجوة التكنولوجية بين الشمال والجنوب ( التطور التكنولوجي في المعلوماتية و الاتصالات) .
في حين ان دول الشمال منتظمة ضمن بلدانها , و هذا يجعلها قادرة على تحديد جدول اعمال العولمة ، كما يمتاز موظفوها بتقدمهم العلمي ككوادر تستطيع التعامل مع الموارد المالية الدولية فضلا عن وجود كم هائل من الاكاديميين و شركات خاصة و شبه حكومية تهتم بالمشاكل الاجتماعية و التكنولوجية وكل ذلك يساعد على جمع المعلومات و رسم السياسات و الاستراتيجيات .
كما تمتاز هذه الدول بوجود اتحادات مهنية منظمة و كتل ضاغطة ولها نفوذ في الدوائر الحكومية ، فضلا عن وجود مؤسسات و آليات تنسق سياساتها مثل المفوضية الاوربية و منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية وغيرها ، بالمقابل فان الدول النامية لا تمتلك ايا من هذه المقومات.
ان التحرر التجاري فيما لو طبق على بلدان نامية سيؤدي الى دورة تجارية ضارة وعجز في ميزان المدفوعات ووضع مالي غير مستقر و مديونية و ركود اقتصادي .

لقد ادى التحرر المالي بالدول النامية الى السقوط امام تدفقات الاموال الدولية الهائلة التي تلاعبت باقتصاد الدول النامية من خلال الاستثمارات ذات الامد القصير التي تستنزف الاقتصاد و تؤدي الى مضاربات ، وبخروج هذه الرساميل و عمليات جني الارباح ادى ذلك الى اسهلاك حاد للعملة و بالنتيجة تضاعف عبء الدين الخارجي ، وعندما نفد احتياطي العملة الاجنبية في اواسط التسعينات في اندونيسيا و كوريا و تايلند لجأت هذه الدول الى صندوق النقد الدولي لكفالتها بقروض، وهنا فقدت قرارها الوطني و سيادتها .
و لعل مؤتمر الامم المتحدة للتجارة و التنمية) UNCTAD) هو اول من حذر من التحرر المالي ومن تدفق الرساميل بهدف الاستثمار القصير و المتوسط و المتقلب ولما له من تاثيرات اجتماعية و اقتصادية .

إقتصاد السوق الإجتماعي هو الحل
===================
يعد إقتصاد السوق الإجتماعي نظام إقتصادي يراعي مصالح الفئات الإجتماعية عن طريق إستثمار الفائض الاقتصادي لتحقيق التوسع الاستثماري و النمو الاقتصادي فضلا عن تلبية متطلبات الأمن الوطني الأستراتيجية من تخصيصات الخدمات الاجتماعية و يؤمن الخدمات الأساسية مثل الضمان الصحي و مجانية التعليم و غيرها للفئات الاجتماعية الفقيرة و العاملة.
أن من المهم تحديد تفاصيل نظرية إقتصاد السوق الاجتماعي وفقا لآلية السوق و التنمية الاجتماعية و تلبية حاجات المجتمع و العمل على ازدهاره روحيا و ثقافيا ، إذ يتوجب وضع ستراتيجيات و سياسات لتكون نموذج وطنيا خالصا لأن لكل بلد معادلة خاصة به ما بين الربح الفردي في السوق و اعادة توزيع الدخل في المجتمع .
أي ان الجغرافية السياسية و الموارد البشرية و الطبيعية و بنية المجتمع والتخصص الإنتاجي فضلا عن القيم الفكرية و الأجتماعية و حاجات الأمن والدفاع هي التي تحدد إطار النموذج الوطني للنظرية .
أن الرد الأمثل على العولمة هو ليس بمركزية سيطرة الدولة على الاقتصاد وانما بنظرية اقتصادية ليبرالية اجتماعية تأخذ بنظر الاعتبار اقتصاد السوق و التحديات المعاصرة على ان تكون مبنية على اساس وطني اجتماعي تنموي يضمن توازن العلاقة بين الارباح و الأجور و يرتقى بالانتاج بعيدا عن جشع اقتصاد السوق الحر.
في حين نجد ان نظرية إقتصاد السوق الإجتماعي لا تلغي آليات الأسعار و آليات الاسواق العالمية لكنها تحدد الفائض الاقتصادي المحقق ليذهب الى التنمية ,وهذه قضية وطنية بحتة ، فالدولة هي التي تحدد نسبة من الفائض الاقتصادي لتمويل التنمية الاقتصادية و تمويل التنمية الاجتماعية .

بلا شك ان نظام السوق الاجتماعي حقق دولة الرفاه الاجتماعي في المانيا عن طريق تحقيق فائض اقتصادي عال و جباية ضرائب تصاعدية و تقاسم ارباح الصناعة و الزراعة و الخدمات و فائض العملية الاقتصادية الإجمالية بين ارباب العمل و العمال فضلا عن الانفاق الاجتماعي .
إن أهداف إقتصاد السوق الإجتماعي هي:
1- الوصول الى معدلات نمو إقتصادي عالية لتشغيل الأيدي العاملة
2- رعاية إجتماعية فعالة
3- تحقيق رفاه أجتماعي

تحديات الاقتصاد العراقي
==============
إن علينا ان نؤسس لاختيار نظرية ذات بعدين ، الأول إقتصادي و الثاني إجتماعي مبني على الموازنة بين نظام السوق ( العرض والطلب في ظل المنافسة و الربح ) و نظام الرفاه الإجتماعي و التنمية الاقتصادية و الإجتماعية .
فعلينا إستثمار الديموقراطية السياسية المتعددة و النمو الاقتصادي الفعال مع تحجيم الاحتكار و التوحش الربحي لتحقيق توازن في الأجور و تنمية القوى البشرية ، و بالمحصلة تحقيق تنمية إجتماعية.
ومن منطلق الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا تبرز امامنا تحديات وعلينا حسن الاختيار لان ذلك سيحدد مستقبل الاجيال القادمة ، ومن تلك التحديات :
الاختيار بين القبول بشروط البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية و مجموعة الثمانية ومايترتب عليه من الغاء دور الدولة الإقتصادي و رفع الدعم عن الطبقات الفقيرة، وبين تعزيز دور الدولة في الإشراف المركزي و التخطيط الإستراتيجي و التدقيق و التقييم و التقويم.
ولاشك ان الاعتماد على الذات و تعبئة الطاقات لمواجهة عجز الموازنة يجب أن يكون بتفعيل الأستثمار و الإرتفاع بالنمو و زيادة الأنتاجية و الإرتقاء بالنوعية.
والتحدي الاخر هو الغاء دور الإتحادات و النقابات و واستبدالها بمنظمات المجتمع المدني أم نعتبرها عناصر مكملة في التنمية الإجتماعية ونطورها و نرتقي باداءها من اجل ان تدافع عن مصالحها وتحترم مصالح الاخرين من خلال مشاركتها في اتخاذ القرار الستراتيجي المنصف لجميع الاطراف من اجل المضي قدما بالعملية الانتاجية لخلق تنمية فعلية و تحقيق عدالة اجتماعية .

فيما يخص العراق فاننا نحتاج الى تحليل علمي اقتصادي اجتماعي سياسي يراعي الأمن الوطني و لحمة المجتمع و التضامن الاجتماعي و مكافحة الفساد و إقرار عقد إجتماعي جديد يرتكز على التنمية و احترام حقوق الانسان و احترام سلطة القانون مع الاعتراف المتبادل بالحاجات و المصالح لجميع الفئات في المجتمع فضلا عن التقييم الدوري لهذا العقد .
كما يتوجب إعادة تنظيم المجتمع بإستخدام أساليب جديدة من خلال تعشيق فئات المجتمع بما يتجاوز أطر نظام النقابات , ونسج علاقات جديدة تعتمد على احترام متبادل لحقوق اطراف العملية الانتاجية و اطرها الاجتماعية ، وهذا يتطلب وجوب إنشاء نظام إقتصادي وطني جديد لأن نمط الإستهاك الحالي غير مقبول و غير صالح للإستدامة فضلا عن الاخذ بنظر الاعتبارالتحديات المناخية و المالية و المائية القائمة و التي تشكل تحدياً للوجود الإنساني. ويمكن ان تشكل الامم المتحدة ووكالاتها البديل ، اذ ان اسلوب معالجة الامم المتحدة يعتمد على احترام القرار الوطني و الشعبي لتأمين الحاجات الاساسية وضمان حقوق الانسان , وبذلك ستوفر الامم المتحدة و وكالاتها ما يلي:
1- إستعادة البعد العام للدولة .
2- تغيير نظام إنتخاب الحكام الذي يمول من سرقات المال العام فضلا عن تغيير آليات الانتخاب.
3- تعديل كيفية إحتساب الدخل القومي الأجمالي
4- ضمان حق العيش للمواطن بدخل أساسي
5- توفير مصدر دخل لجميع المواطنين
6- تعزيز دور الدولة في الرقابة على النظام المالي
7- تطوير ايديولوجية النظام الضريبي
8- أعادة النظر في الميزانية العامة
9- التركيز على التعليم التقني بهدف امتصاص البطالة و خلق كوادر مدربة
10- تسهيل الحصول على تقنيات قابلة للإستدامة
ولقد فشلت الحكومات المتعاقبة و البرلمان و الجهات الرقابية في تحديد مواطن الضعف الأقتصادي رغم كثرة المؤتمرات الاقتصادية و المشاركات الحكومية في المنتديات الدولية و المحلية والتي لم تتعدى كونها مشاركة سياحية او استعراضية يلقي من خلالها اركان الحكومة كلماتهم ثم يغادرون القاعة حتى دون ان يستمعوا الى اراء الجمهور ، بل انهم اعادوا انتاج فشلهم و نظموا مؤتمرات اقتصادية مع شركائهم و صنائعهم من بعض رجال الاعمال الذين ظهروا في غفلة من الزمن.

ما نواجهه في العراق هو سيطرة الاحزاب على موارد الدولة من خلال الهيئات الحزبية الاقتصادية المسيطرة على موارد الوزارات ماليا ، بل وتعدى ذلك الى تشكيل عشائر حزبية تغلغلت في مفاصل الدولة وأنتجت دمىً أسموها رجال اعمال وتم استثمارها كواجهات لسرقة المال العام ، لذلك ليس من مصلحة هذه الاحزاب ان تفقد تحكمها في الورقة الاقتصادية والسماح بانتقال العراق الى إقتصاد متوازن يحقق التنمية الاقتصادية و العدالة الاجتماعية ، لأن الامر يتعلق بمغانم الأحزاب التي تُعَدُ حقوقاً مكتسبة في نظرها فضلا عن الرغبة في الأبقاء على اقتصاد الدولة المركزي كمصدر للثراء و بابٍ لنهب المال العام .
وكواقع حال ، فإن الاقتصاد العراقي يعاني من الهزال ، فلا بنى تحتية و لا رجال اعمال كبار مستقلين ، و أنما سيطرة مطلقة للأحزاب السياسية على المؤسسات و الاتحادات النقابية و المهنية فضلا عن ضعف القضاء و تقزم البرلمان ، و تعدى ذلك الى سيطرة الاحزاب السياسية على وسائل الاعلام من خلال الترغيب و الترهيب.
فكيف للعراق السير في ركب اقتصاد السوق الحر و كيف سينافس المنتجُ العراقي المنتجَ الاجنبي المستورد ؟
أن ذلك يعني فتح السوق العراقية للبضائع المستوردة و الحكم بالأعدام على الصناعة الوطنية و الموظفين و العمال و الصناعيين العراقيين.
إن القطاع الخاص العراقي ، و حتى القطاع الصناعي الحكومي ، غير قادرين علمياً و عملياً على مواجهة تحديات السوق الحر ، لذلك نحن بحاجة الى حزمة تشريعات تهيء المناخ المناسب لتحديد هوية الأقتصاد العراقي.
إن حديث الحكومة عن اصلاحات اقتصادية لهو مضيعة للوقت و هروب من الحقيقة و محاولة لمداراة الفشل ، فلا اصلاح طالما بقيت البنية السياسية الحالية للحكومة ، والمعتمدة على العشائر الحزبية، مع تهميش و تغييب قوى المجتمع الحقيقية الفاعلة.
وحتى مستشاري الحكومة ، هم من ذات نسيج الاحزاب الحاكمة التي ركزت الثروة و السلطة بيدها ، خائنة للعقد الاجتماعي الذي ينص على ان الحكومة مكونة من مجموعة افراد يعملون كأُجراء عند الشعب و يقدمون مقابل ذلك خدمة للمجتمع .
كما أستندت الحكومة على كتلة بشرية ضخمة من موظفي الدولة وشكلت بدورها بيروقراطية مدنية و عسكرية شكلت ترهلا ادارياً في بنية المؤسسات الحكومية ، وجعلت الاحزاب من موظفي الدولة اقناناً يعملون بخدمتها لا بخدمة الدولة عبر مساومتهم على ارزاقهم .
يضاف الى ذلك اطار من العلاقات اللاإنسانية المتخلفة و المتعصبة أثنياً و طائفياً ، و مبنية على حسابات المصلحة الشخصية و المحسوبيات التي أدت الى تفتيت المجتمع و قتل روح الابداع و المبادرة و اعتمدت سرقة فرص الاخرين و تحويل الدولة الى اقطاعيات حزبية قدمت الولاء الضيق على حساب الكفاءة و الولاء للوطن.

أننا نحتاج الى اصلاح ديموقراطي شامل يشمل النظام السياسي فضلا عن تشكيل برلمان حقيقي يعبر عن ارهاصات الشعب و تياراته و قواه الإجتماعية اي بمعنى اخر تأجيل الإنتخابات لحين اعادة بناء قوى سياسية جديدة حقيقية والا فالإنتخابات ستعيد تكرار إنتاج الفاشلين ، كما نحتاج الى ثورة قضائية و ادارية تضع مرتكزات جديدة لقيام دولة العراق الجديد .
وتزامنا مع معاناة العراق من الانهيار الاقتصادي تبرز تحديات اخرى لا تقل خطورة عن انخفاض اسعار النفط و التهديد الامني الناجم عن الارهاب ، إذ إن هنالك تحديات الامن الغذائي و الدوائي والمائي ، فضلا عن مشكلة الحفاظ على ديمومة الصادرات النفطية و توفير فرص العمل لعشرات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا ويضافون الى العاطلين عن العمل مسبقا ، و البطالة المقنعة و انعدام الصادرات غير النفطية و تعاظم الفجوة التقنية بين الدول الصناعية و تلك النامية ، ناهيك عن سيطرة الشركات الكبرى على الانتاج و العالمي و الاسواق النامية و التي تشكل بمجملها ما يسمى بتحديات العولمة.
إن إقتصاد السوق الاجتماعي يشكل الحل الجوهري لمشاكل العراق لأنه يعيد الكرسي المقلوب الى وضعه الطبيعي بحيث تكون الحكومة أجيرة عند الشعب و يحاسبها ممثلوا الشعب ( البرلمان ) ، فضلا عن معالجته للمشاكل الاجتماعية التي تعصف بالعراقيين وبذات الوقت تكون الحكومة صمام الامان لحماية المستهلك و المدافع عن حقوق المواطن .
ان من اهم أركان نجاح إقتصاد السوق الإجتماعي :
1- أداء الواجبات الضريبية
2- إصلاح القطاعين الخاص و العام
3- الإستثمار الفعال في جميع القطاعات على أساس تكامل أدوارها في التنمية
4- تفعيل الاستثمار الخاص و العام و المشترك .
5-توفير مناخ استثماري عن طريق اصلاح النظام الاداري و القضائي و اقرار التشريعات .
وتبرز هنا تحديات لإقتصاد السوق الإجتماعي في العراق اهمها:
1‌- النمو الديموغرافي المتسارع
2‌- تفاقم البطالة نتيجة سياسات اقتصادية سابقة خاطئة
3- ضعف الإمكانات الفنية للموارد البشرية
4- إنخفاض أسعار النفط الذي انتج بدوره عجزا في الموازنة العامة .
5‌- استشراء الفساد المالي والاداري
6‌- اعباء مالية لتامين عودة النازحين و اعادة اعمار المدن المدمرة
7‌- انهيار القطاع الزراعي وتأثيره على الأمن الغذائي
8‌- التخبط في سياسات الأمن الدوائي
9‌- تخلف الصناعة الوطنية وضعف التصدير
10‌- تحديات الامن و الدفاع و ما تشكله من اعباء على الاقتصاد .

ومن هنا لابد من تهيئة المناخات اللازمة لضمان النهوض الاقتصادي من خلال:
1- تفعيل الدور الرقابي للدولة في الإشراف على مجالات الأمن و الإقتصاد و المجتمع
2‌- لجم مصالح الأحزاب و الكتل الفئوية التي لها اهداف متضاربة مع برنامج التنمية الأجتماعية.
3‌- تطبيق الديموقراطية التعددية التنافسية الملتزمة بالمصلحة الوطنية وبالعقد الإجتماعي الجامع لفئات المجتمع و مصالحه المتباينة وايجاد التوازن الملزم و ضبط صراع المصالح بين العمال و أصحاب الشركات عبر تسويات مقننة ودورية .
4- إعادة هيكلة الدولة و القوانين عن طريق خلق مناخ سياسي ديموقراطي تعددي يشتمل على الفصل بين السلطات و تطبيق مبدأ الشفافية و ضمان إستقلال السلطات الرقابية
5‌- تعزيز الإستقلال النقابي و تفعيل نقابات العمال و النقابات المهنية و توعيتها و تكييفها لنظام إقتصاد السوق الإجتماعي ومباديء الديموقراطية
6‌- مكافحة الفساد والبيروقراطية و اعادة الاموال المنهوبة و محاسبة من اثرى على حساب المال العام .
ولاجل مواجهة القصور المالي في تمويل التنمية الاجتماعية يتوجب :
1- ترشيد أستخدام الموارد و رفع فعاليتها بمضاعفة عوائدها
2- زيادة الانتاجية بهدف زيادة الفائض الاقتصادي
إن الحالة العراقية تتطلب توجيه عملية التنمية و إستخدام الموارد الأمثل و بالتالي إستثمار الربح التراكمي فضلا عن إقرار الخطط الإقتصادية و الاجتماعية الاستراتيجية و تشريع القوانين الضابطة وإعداد الجهاز الإداري لمتابعة التنفيذ و مراقبة الأداء.
إن السوق الحر لا يمكن له ان يوفر حلاً عادلاً مرضياً لجميع فئات المجتمع و بالذات للطبقتين الفقيرة والمتوسطة ، كما أن تحرير التجارة الخارجية دون تنظيم الإقتصاد الداخلي و تنظيم السوق الداخلي و حماية المنتجين و المستهلكين من الإحتكار و الإغراق و هيمنة الشركات الكبرى العابرة للقارات على السوق سيؤدي الى هزات إجتماعية و اقتصادية.

كما إن بناء مجتمع قوي يعتمد على بناء إقتصاد قوي و بدوره ينتج دولة قوية وهذا يحتاج الى توفير بيئة تشريعية فضلاً عن عملية إعادة تجميع شتات القطاع الخاص الضعيف أصلاً نتيجة تحجيمه من قبل الدولة المركزية قبل عام 2003 و الهيمنة عليه من قبل العشائر الحزبية بعد عام 2003 ، يضاف الى ذلك تدني معدلات الاستثمار و زيادة نسبة البطالة و تفشي الفساد كما يستوجب محاسبة من أثرى على حساب المال العام.
إن المطلوب هو إعادة الثقة بمؤسسات الدولة و القطاع المصرفي و الشروع في انشاء بنية إنتاجية ممتازة و تحقيق نسب نمو مرتفعة ، فكلما قل الفساد و قل هدر المال العام وتحقق فائض إقتصادي كبير كلما تحققت العدالة الاجتماعية .
كما يتوجب تنشيط الاستثمار و تشجيع القطاع الخاص على انشاء المشاريع الصغيرة و المتوسطة لإمتصاص البطالة و تقليص أعداد موظفي الدولة و تفعيل المنافسة لإنتاج و تصدير سلع غير النفط ، إذ يجب تحقيق فائض إقتصادي بعيدا عن صادرات النفط و توزيعه بين الدورة الأنتاجية و التنمية الأجتماعية و اعادة تأهيل القوى العاملة و تدريبها بزجها بمشاريع إستثمارية جديدة بدلاً عن تسريحها تعسفا.
ويجب تحرير الإقتصاد من سيطرة المصالح السياسية و إعادة بناء الاقتصاد و المجتمع و من ثم الدولة كي نستطيع ان ننافس من اجل البقاء في عالم العولمة ، لأن العزلة ستؤدي بنا الى المزيد من التهميش ( لا سيما و ان بعض المؤسسات الغربية نشرت قائمة ب 30 دولة قابلة للبقاء عام 2030 و لسوء الحظ العراق ليس منها ) .
إن جميع الظواهر السلبية الإجتماعية ستزول حتما بمجرد الإنتقال الى إقتصاد السوق الإجتماعي بشكل علمي مبرمج، وكخطة اولية يجب اتباع مايلي:
1- أصلاح البرلمان ووضع خطة مناسبة لتجاوز عنق الزجاجة الاقتصادي.
2- دعم منظمات المجتمع المدني الحقيقية كي تلعب دور النسيج الرابط ما بين الدولة و المجتمع و بالذات المنظمات المهنية و الشعبية.
3- ان الهدف هو خلق تنمية ، و التنمية تحتاج الى الإستثمار و الإستثمار بدوره يحتاج الى استقرار و الاستقرار بحاجة الى مناخ من الانفتاح و الحرية و التعددية و احترام القانون ووضع حصانة للمال العام و الخاص.
ان جميع هذه العوامل تشكل المناخ القادر على تشجيع الاستثمارات المحلية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية ، اذ يتوجب اشعار المستثمر بالإطمئنان تجاه صحة المناخ السياسي و التشريعات التي تكفل سيادة القانون فضلا عن نزاهة الاجهزة التنفيذية.
----------------------------------
* رئيس منتدى بغداد الاقتصادي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24




.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و