الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل دبلوماسية لتجريم الإستعمار دوليا

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 5 / 7
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني




تعد مجازر08ماي1945 في الجزائر جريمة من ضمن جرائم إستعمارية يومية أمتدت طيلة132سنة، ولازالت آثارها إلى حد اليوم، وكلما أحيا الشعب الجزائري هذه المجازر يعود الحديث حول تجريم الإستعمار، وعادة ما يتصدر ذلك سياسيون إنتهازيون، مما دفع الكثير إلى التقزز من خطاب يستخدم القضية كسجل تجاري دون مرافقته بأي خطوات جدية.
أن أمننا الإستراتيجي يقتضي عدم الإكتفاء فقط بفضح الجرائم الإستعمارية، بل علينا أيضا التنسيق مع كل البلدان المستعمرة لإستصدار قانون دولي وإدخاله في ميثاق هيئة الأمم المتحدة يعتبر كل إستعمار ماضيا ومستقبلا، ومهما كان شكله هو جريمة لذاته، وأن أي تمجيد له هو جريمة ضد الإنسانية، فلنضغط دوليا لإدانة وتجريم كل الإستعمارات في كل المؤسسات التعليمية والإعلامية وغيرها، ألا يمكن لنا نحن الشعوب التي تعرضت للإستعمار أن ننسق، ونعمل سويا من أجل تحقيق ذلك، ونقوم بنفس ما قامت به إسرائيل في عدة دول وذلك بضغطها من أجل إستصدار قوانين تعاقب كل من يشكك فيما تسميه ب"محرقة النازية الهتلرية في حق اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية"، بل فرضت على دولة كألمانيا دفع تعويضات لها على ذلك، وسعت لدى القوى الكبرى لضمان عدم تكرار ذلك مستقبلا؟ أفلا يمكن لنا التفكير في إنشاء مؤسسة دولية هدفها محاربة الذهنية الإستعمارية عالميا، وتكون شبيهة باليونسكو التي تنشر قيم السلم في العالم على أساس التعريف بكل ثقافات الشعوب؟.
طرحنا هذه الخطوات لتجنيب الإنسانية تكرار الظاهرة الإستعمارية مرة أخرى بمسميات وأشكال مختلفة، فلتنصب جهودنا من أجل حماية أمننا وأمن الدول الضعيفة من تعرضها لإستعمار مرة أخرى، ومايدفعنا إلى ذلك هو صدور قانون23فيفري 2005 في فرنسا الممجد للإستعمار في المؤسسات التعليمية وغيرها، فحتى ولو عدل الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك المادة الرابعة تحت ضغوط الأكاديميين وأساتذة التاريخ في فرنسا الذين كانوا حريصين على حرياتهم الأكاديمية، إلا أن ذلك لا يمنع أن هناك نوايا خفية تجاه الدول الضعيفة لدى صناع السياسات والقرارات في الدول الرأسمالية القوية، لأن هذه الدول عادة ما تلجأ إلى التوسع المباشر وغير المباشر على حساب الدول الضعيفة، كلما شعرت بأزمة خانقة يمكنها أن تؤدي إلى ثورات إجتماعية ستهدد مصالح الطبقات الحاكمة فيها.
فلم يصدر قانون 23فيفري2005 نتاجا لضغوط لوبيات الأقدام السوداء وإرضاء لهم لأغراض إنتخابية، خاصة في الجنوب الفرنسي، كما يعتقد الكثير، وهو ما يبرهن على غياب البعد الإستراتيجي في تفكيرنا ووقوعنا تحت التأثيرات الإعلامية لقوى كبرى تخطط على المدى البعيد، فهدف هذا القانون في حقيقته هو تحضير الطفل الفرنسي لمغامرات إستعمارية في المستقبل، وقد ظهر في ظرف دولي خطير آنذاك ينذر بعودة الإستعمار بأشكال جديدة، وقد برزت بوادره في الغزو الأمريكي للعراق وإستعداد الرئيس الأمريكي جورج بوش لغزو دول أخرى وإحتلالها تحت غطاء الحروب الإستباقية التي أسس لها صموئيل هننتغتون، ونفذها المحافظون الجدد، وهو ما جعل فرنسا تفكر في حصتها وغنيمتها من تقسيم إستعماري جديد، وقد صرح الرئيس شيراك آنذاك، ومن قبله متيران- وزير داخلية فرنسا عند إندلاع الثورة الجزائرية- بأنه ليس عدلا إبقاء ثروات في أيدي دول لا تعرف إستغلالها، ولم تنتجها أصلا، وأنها هبة إلهية لكل البشر.
وهو ما يعني حق فرنسا وغيرها من الدول في إستغلال هذه الثروات كأنها ملكية مشاعة لكل البشر، وهو ما يطبق بالنسبة لثروات المياه الدولية بموجب قانون البحار، والتي تتحكم في إستغلالها الدول القوية تكنولوجيا.
ونشير بأن أغلب الثروات، خاصة الطاقوية منها موجودة في الصحاري الكبرى، وما لم ينتبه له الكثير، ويقلقنا فعلا بالنسبة للصحراء الكبرى هو عودة فكرة تشبيهها بالبحر، وتسمية مايحيط بها ب"الساحل" بدل تسمية "أفريقيا جنوب الصحراء"، وكأننا عدنا من جديد إلى الخطاب الإستعماري الفرنسي حول الصحراء، والذي تخلت عنه بتوقيعها إتفاقيات إيفيان1962، ولعل هذا مايقصده ساركوزي بإعادة النظر في الإتفاقيات، ويتكرر تشبيه الصحراء بالبحر اليوم في الكثير من كتابات المخابرات الفرنسية وقادتها العسكريين، فمثلا دعا الأميرال جون دوفرسك صراحة في2013 بباماكو إلى"ضرورة التفكير في الإستلهام من قانون البحار لتطبيقه على الصحراء"، فهذا الخطاب له علاقة بمطلب الأمريكي بريجنسكي في نفس الوقت بالتسيير الدولي للقطب الشمالي بعد إكتشاف عدة ثروات فيه، وطالب بعدم إبقاء ذلك في يد روسيا لوحدها، وهي تشبه نفس مقولات شيراك وميتران التي أشرنا إليها آنفا.
وهو ما يدفعنا إلى طرح تساؤلات حول ما يدبر في الخفاء بشأن الصحاري والأقطاب، وكأن هناك مشروعا سينفذ على المدى المتوسط هدفه التعامل مع الفضاءات الصحراوية والأقطاب بنفس منطق التعامل مع المياه الدولية والأقليمية بالنسبة للبحار حسب قانون البحار.
يجب علينا التفطن بأن الظاهرة الإستعمارية في القرن19 قد صاحبها خطابا فكريا وفنيا وأدبيا موجها للأطفال وممجدا ما يعتبرونهم أبطالا إستعماريين، وقد كان هؤلاء الجنرالات والضباط الإستعماريين يفتخرون بإحراقهم للأطفال والنساء والشيوخ، وكأنهم حققوا إنجازات عسكرية، كما فعل سانت آرنو وكافينياك وبليسيي وبوجو وغيرهم في الجزائر، كما أعطيت للإستعمار تبريرات أيديولوجية، وبأنها رسالة تمدينية محرضين الشباب الأوروبي على القيام بذلك وإعتباره بطولة وخدمة للإنسانية، فهو نفس مارغب قانون 23فيفري إحيائه من جديد في المدرسة، ولهذا يجب أن ينصب جهدنا حول موضوع تجريم الإستعمار في إطار إستراتيجي شامل لحماية أمننا الإستراتيجي من التعرض لأي إستعمار آخر في المستقبل في حالة ظهور ظروف دولية جديدة تسمح للاقوياء القيام بذلك، خاصة أن الأزمات الدورية للرأسمالية عادة ما تدفع دولا غربية لحل مشاكلها على حساب بلداننا، ومنها فرنسا التي تعتبر الجزائر مجالها الحيوي.

البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من كان بيته من زجاج فلا.....
علماني سمير ( 2016 / 5 / 8 - 18:21 )
ومذا عن احتلالكم لاسبانيا ما ناهز8قرون ولشمال افريقيا ل14قرناوسبيكم لملايين الجواري من كل الاصقاع وبيعهن في اسواق دمشق وبغداد وتونس وفاس .فهون على نفسك ولا ترمي الناس بالحجارة يا من تسكنون في بيوت الزجاج


2 - الفتح الإسلامي
منال شوقي ( 2016 / 5 / 8 - 21:32 )
و بالإضافة لسؤال علماني سمير أردت أنا أيضاً أن أسأل عن التوصيف الذي ستضعه تلك المؤسسة الدولية المقترحة للفتح الإسلامي لمصر
هل سيتم تصنيفه علي أنه كان إستعماراً عربياً لمصر الفرعونية قضي علي هويتها و تعاقب فيه علي حكمها الغزاة فأذلوا شعبها و سرقوا أقواتهم و جثموا علي صدورهم أم سيتم تصنيفه علي أنه كان رحلات إستكشافية و بعثات دينية ودية إنسانية ؟

اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش