الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية وقضية الديموقراطية

رياض حسن محرم

2016 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


مثّلت التغييرات السياسية والاجتماعية التي عصفت ببعض الدول العربية منذ اندلاع الثورة التونسية فى 14 يناير 2011 وتلتها مجموعة من الثورات فى المنطقة بدئا بالثورة المصرية فى 25 يناير ودول عربية أخرى فى شبه تزامن لافت للنظر فى ليبيا وسوريا واليمن وذلك كهبة ثورية طفت على سطح ظل راكدا لعقود طويلة ما شكّل حالة ميؤوس منها، إن تلك الأحداث السياسية والاجتماعية التي تموج بها دول الثورات هي في واقع الأمر بداية لمخاض طويل، وفي بعضها واقع تقسيم وإعادة تشكيل لبلدان بأكملها، تمرّ به منطقة العالم العربي ويمكن أن يستمر ذلك لعقود طويلة، وقد أصبح جليا بما لا يدع مجالا للشك أن قوى مختلفة محلية وإقليمية ودولية قد وقفت وستبقى تقف سدّا حائلا ضد نجاح أي تجربة ديمقراطية في تلك البلدان ويبدو أن قوى الثورات المضادة الداخلية والخارجية قد نجحت في ذلك إلى حد كبير ، لقد تفاوت مسار الأحداث فى تلك الدول ولكن جمعها صعود تيار الإسلام السياسى ووصوله للحكم فى مصر وتونس ودخوله كفاعل رئيسى فى صراعات وحروب داخلية فى باقى الدول، ومن الملاحظ أن الثورتين التونسية والمصرية جاءت فى مجملهما سلمية الطابع وهو ما أنقذهما من ذلك المصير المجهول، وساهم فى ذلك تراث مدنى وحضارى مختلف حمى كلا الشعبين من الإنزلاق فى حروب أهلية كغيرها، ففى ليبيا كان الغياب التاريخى للدولة عاملا أساسيا فى سقوطها للفوضى وتأجج النعرات القبلية والمناطقية، وفى سوريا كان لتعنت النظام البعثى الإستبدادى دورا فى ذلك المصير الكارثى يضاف إليه تعدد الطوائف والأديان والقوميات والمذاهب بها الذى كان له دور فى تسهيل تدخل القوى المخابراتية وتيارات السلفية الجهادية، أمّا فى اليمن فإن تدخل دول الخليج وصياغتها لسيناريو إجهاض الثورة بصنع المبادرة الخليجية التى حمت على عبد الله صالح من غضب الجماهير وقدمت حلا لخروجه الآمن من الحكم وإستبداله بنائبه مع إستمرار سيطرته على القطاع الأعظم من الجيش اليمنى، فى الوقت نفسه الذى قامت قوات درع الجزيرة لدول مجلس التعاون بالتدخل فى البحرين لفض إعتصام المحتشدين بميدان اللؤلؤة فى المنامة وتوجيه ضربة شديدة لقوى التحرر والديموقراطية فى البحرين.
فى تونس لعبت عدة عوامل دورها فى الحفاظ على تماسك المجتمع مسنودا على التراث البورقيبى العلمانى والمدنى الذى حقق إكتساب النساء للعديد من أشكال حرياتهن فى مجالات منع التعدد وحق الإنفصال وحقوق مدنية ودستورية كثيرة، كما لعب " الإتحاد التونسى للشغل" الذى أسسه بورقيبة دورا فاعلا فى الثورة، و كان لضعف الجيش وحياده عاملا أساسيا فى سهولة هزيمة بن على وفراره، كما لعب المجتمع المدنى الذى يضم 18000 منظمة حقوقية ومدنية فى دولة لا يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة دورا لا يستهان به، ولا ننسى أيضا أن حركة النهضة الممثلة للإسلام السياسى فى تونس لم تكن"فى الأغلب" مماثلة فى توجهاتها وممارساتها للإخوان المسلمين فى مصر حتى أنها لم تصّر فى الدستور التونسى عل وضع مادة أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة ووافقت عل إستبدالها بالنص على حرية الإعتقاد.
جاء الصعود السريع لحركة الإخوان المسلمين وحلفائها من تيار السلفية والسلفية الجهادية صادما، فقد إعتمدت على غياب الساحة من تنظيمات علمانية ذات تراث طويل والى ضعف القوى اليسارية وتفتت وتبعثر شباب الثورة الى عشرات الإئتلافات التى لا قيمة ولا تأثير لها، بينما ظل الإخوان لما يزيد عن 80 سنة يراكمون بنيتهم التنظيمية والإقتصادية والعمل الخيرى ذو الطابع الدعوى ما جعلهم القوة الأكبر والأكثر قدرة على الحشد والتأييد فى الشارع ما ساعد فى حملهم بسهولة الى أغلبية البرلمان فى البلدين والى سدة الرئاسة فى مصر، وسرعان أصابت الجماهير صدمة لضعف الأداء في إدارة الدولة والذي تجسّد خلال تجربة حكم الترويكا في تونس وتجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر، إذ الملاحظ لفترة إدارة السلطة التي كانت كافية للوصول إلى هذا الاستنتاج، أنّ الكمّ الهائل من الأخطاء وفي بعض الأحيان التجاوزات التي شابت سياسات السلطة، كانت كافية لإفشال تجربتها بداية من الولاءات في توزيع المناصب وعدم اعتماد الكفاءة معيارا، كما ثمّ استبعاد الكفاءات المهنية والعلمية في شتى المجالات من مواقع القرار، وضعف الأداء عموما سواء ما تعلّق بالمجال الاقتصادي أو الإعلامي أو التعليمي أو الثقافي، و سادت ثقافة إقصاء الآخر، والتعدي علي حقوق الأقليات والمرأة بل وصل الأمر الى العداء المباشر والصريح لكافة مؤسسات الدولة من قضاء وشرطة وإعلام وممثلى المجتمع من مثقفين وفنانين ومبدعين وجميع الفئات ما أدى فى النهاية الى ثورة أدت الى الإطاحة بهم فى 30يونيو بعد عام واحد من حكمهم فى مصر والى فشلهم أمام حزب نداء تونس البورقيبى فى تونس.
إن الثورات العربية افتقدت إلى الإطار الإيديولوجي أو الفكري وإن حياة الناس لم تتحسن بالشكل المأمول بل أنها فتحت المجال أمام قوى ظلامية وتكفيرية والى عودة رجال الأعمال ورموز النظام السابق بصور مختلفة للولوج الى الساحة لاعبة دورا تدميريا للبنية الأساسية للدولة ولثقافة ووعى المجتمع، ففي تونس نجد أن تفاعل الأحزاب المختلفة على الصعيد الفكري والسياسي مع بعضها البعض من جانب، ومع المجتمع من جانب آخر، في إيجاد الصيغة المناسبة لحكم البلاد، اتسمت بنوع من السلمية والمرونة، حيت تمكنت الأحزاب الإسلامية والأحزاب العلمانية من إيجاد تسوية ما للخروج بصيغة حكم تشاركى منعها من الوقوع فى الفوضى، أما فى مصر فنجد أن نسبة الاستقطاب السياسي وتباعد الأفكار كانت كبيرة إلى حد ما دفع الجماهير للخروج في ثورة ثانية ضد الأخوان المسلمين انتهت بإسقاطهم من الحكم بينما لعب الجيش المصرى ذو الجذور الوطنية فى الثورتين دورا محوريا فى الإنحياز للجماهير وحمايتها ومنع السقوط فى إحتراب أهلى، ان الديمقراطيات الوليدة في دول ما يسمى بالربيع العربي هي مجرد ارهاصات للديمقراطية الحقيقية، والتي من الممكن تحقيقها بعد زمن طويل لأن قوى المعارضة الحقيقية ليست مهيأة بعد لممارسة الديمقراطية لنقص الخبرة، وعدم سماح السلطة البرجوازية لتلك للمعارضات من تنظيم نفسها فى جو طبيعى ما قد يؤدى الى إعمال الفوضى وعدم الاستقرار ويسمح للأجهزة المخابراتية وقوى الثورة المضادة من التأثير السلبى مؤديا ال مزيد من الفوضى وقيام هبات جديدة متكررة تدفع الى إسقاط تلك الأنظمة مرات أخرى والدخول فى دورات جهنمية الخاسر الأول منها هى الشعوب وعدم تحقيق آمالها فى العيش والحرية والعدالة الإجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة