الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنى للزاهد العارف أن يكون مجرما !

علاء الزيدي

2003 / 1 / 29
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

اعتدت على أسلوب روحي في معرفة الناس ، والتعامل معهم ، يمكنني تسميته بالأسلوب الإشراقي ، وإن كان لا تربطه أية علاقة بالفلسفة الإشراقية . وملخص هذا الأسلوب الذي يخصني وحدي ، ولست أدعو إليه أحدا لكيلا أرمى بالانتهازية وتصيد الفرص ، أن ثمة إضاءة أو نورا ما يشرق في نفسي حينما أرى شخصا ما أو أسمع صوته أو أتابع سيرته ، في حين تنغلق هذه النفس البسيطة ذاتها إزاء شخص آخر ، لا أعرفه ، ولم أجربه في سراء أو ضراء ، ولم يلحق بي أي ضرر ، ولعلي أراه أو أسمع به للوهلة الأولى . إلى هنا ، والأمر طبيعي ، فقد ورد في الحديث الشريف أن الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ( أرجو أن لا تخونني الذاكرة فأخطىء النقل ، ولنقل أنه مجرد مضمون لا نصا ) . لكن المشكلة – على الأقل بالنسبة لي – أنني أهرب من الثاني لا ألوي على شيء حتى لو كان في قربه سعدي وراحتي ، وألازم الأول مهما استجلب ذلك من كراهية لي عند آخرين !
من يدري ، ربما كنت أعمل وفق النصيحة المنسوبة للأمير عليه السلام : استفت قلبك .
المهم ، ولا أطيل عليكم ، فقد كان الإمام الخميني رحمه الله من أولئك النفر الذين تشرق أنوار روحي لمجرد سماع أصواتهم . هم قلة أو كثرة ليست هذه هي القضية الأساسية ، بل أساس الأمر أنهم قد يختلف الناس فيهم بين مبغض وساب وشاتم ، ومحب قد يصل إلى درجة المبالغة ، ولا أقول الغلو ، لأنه ليس حبا ذلك الذي لا يكون من الغلو قاب قوسين أو أدنى ! فالمحب غال بالأساس ، وهلاكه إنما يكون في سحقه لنفسه ( فدوة ) للمحبوب ، دون اكتراث بأية نصيحة أو موعظة ، ألم يرد في الأمثال أن الحب أعمى ، وأنه : ليس في الحب مشورة !
على كل حال ، الغرض ، كما يقول أهلونا ، إن عوامل كثيرة كان ينبغي لها أن تبعد أيا كان ، عن ذلك الزاهد العارف ، فجمهوريته تعج بالظلم ، وولاية فقيهه قصعة تعتاش عليها الضواري ، وخلفاؤه غلاظ شداد ، لكن كل ذلك لم ينفع معي ، رغم أنني اكتويت بنار جمهورية الإمام سنين عددا ، وتعرضت – فيمن تعرض من أولاد الملحة العراقيين - للإهانات حتى ، ولا أعرف إن كنتم ستضحكون أم تبكون حينما أخبركم بأنني حصلت على البطاقة الخضراء سيئة الصيت بعد حرب تحقيقات دامت سنينا ، ظللت طوالها محروما من الكوبونات الغذائية في وقت كانت تعد  تلك الكوبونات ( وهي بطاقات تموين ) رديفة للهواء والماء في الأهمية ، في أعسر أوقات الحصار الاقتصادي الدولي لمشروع الإمام ونموذجه كقائد قادم من عصر الزهد والنور الذي لم يقدره - للأسف – إلا القلة ، وفي الوقت الذي كان أبناء الذئب رفسنجاني وعشرات المعممين والأفندية يأكلون ويتمتعون كما تتمتع الأنعام في أوروبا وطهران والنجف وقم وخليج البصرة  . المهم أنني وزعت حلويات ( شيريني بالإيراني ) بسخاء بهذه المناسبة السعيدة ، مما دعا الزميل العزيز مهدي الشوشتري مدير تحرير مجلة الشهيد العربية التي كنت أحد محرريها إلى أن يسخر مني محقا : وهل حصلت على جواز سفر حتى تخبصنا ! لا بل إنني لم أعبأ فيما بعد بهذا الجواز الهام الذي أتمتع بحمايته اليوم ( البريطاني ) ولم أحتفل بحصولي عليه ولا حتى بقطعة حلوى ، لأن القانون الراسخ لا يحتفى به ، فهو قديم وتقليدي ولا يشعر بأهميته أحد إلا حينما يعيش في بلدان الحرمان البائسة !
أعلم أنني دوختكم ، لكن أريد أن أقول إن الناس تقرأ الكلام العفوي والمستغرق في الدقائق الشخصية . إسألوني أنا ، فهي خبرة اثنين وعشرين عاما ونيف في الكتابة الذابحة كحد السيف . أين كنا ؟ نعم . لم يستطع أي عامل من عوامل التنغيص أن يبعدني عن الإمام ، رغم نقدي اللاذع لمجمل التجربة ولكل المظالم ، التي أعتقد أنها من صنع الذين تشدقوا ضرعيها من حوله ، فيما تلقى هو كل المآسي والتبعات ، مثل زعيم العراق الوطني المرحوم عبد الكريم قاسم .
لم يكن أبو مصطفى مجرم حرب . كان أرق من النسمة وأعذب من العذيبي . إستمع إلى صوته ، في ما يذاع من تسجيلات ، حتى لو كنت لا تفهم ما يقول ، وسترى إن كان ثمة نور في قلبك أن التهمة ظالمة . كان يأكل مثل أي مستضعف ، لديه حصة كوبونية ليست للدعاية ، بل حقيقية . جيرانه المساكين في جماران كانوا يعرفون هذا وأكثر . بعثت إليه مرة بالمقدار الضئيل الذي يترتب علي من الحقوق الشرعية مع رسالة تشرح عسر الحال الذي أعانيه ، فأعاده إلي مع وصل استلام وعبارات امتنان . لو سألت الآن الشيخ المنتظري الذي يتربصون به الدوائر ويحاولون خنقه ، عن حقيقة الخميني ، لما وصفها إلا كما وصفتها لك ، فالمحب محب مهما دقت بينه وبين حبيبه الأسافين .
ما كان مجرم حرب ، لأن الملايين اندفعت تقاتل دون نموذجه ، ولو عاد لأعادت الكرة . مجرم حرب من أجل ماذا ؟ وكل ما ترك قنفة ( كنبة ) وبضعة كتب مستعارة من آخرين ، وكيوة ( نعال ) ومرآة ، وأغلى ممتلكاته راديو سوني بتسع موجات !
قد يختلف العالم كله معه ، وقد ينسب إليه ما ليس فيه ، وقد ينسب إليه فعال غيره ممن تشدقوا ضرعي ( المملكت )  لكن لا أحد ينفي أنه ترك بصمته المتميزة على واحدة من أكثر فترات التاريخ اضطرابا ، هذه البصمة التي لا يمكن تمييزها إلا بالحب … لا الكراهية !
+++++++++++++++++++  %%%%%%%%%%%%%%%%%% ### 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بذخائر أمريكية.. إليكم ما نعلمه عن غارة إسرائيلية استهدفت مد


.. بايدن يربك الحلفاء بإعلان مفاجىء يجيز ضرب الأراضي الروسية دو




.. بايدن: الديمقراطية مهددة وبوتين طاغية


.. ترامب.. من نكسة في نيويورك إلى مكسب في جورجيا| #أميركا_اليوم




.. واشنطن بوست: الجيش الإسرائيلي استخدم ذخائر أمريكية لقصف مدرس