الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من صادق خان!

عبدالخالق حسين

2016 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


دروس من صادق خان!
د.عبدالخالق حسين

صادق خان، بن سائق حافلة، هو أول مسلم في بلد مسيحي أوربي، يُنتخب لرئاسة بلدية العاصمة البريطانية. هاجر والداه من باكستان إلى لندن عام 1970 قبل وقت قصير من ولادته. وسكنت العائلة في دار من دور البلدية في ضاحية شعبية. انظم صادق خان إلى حزب العمال في وقت مبكر من حياته (15 عاماً من العمر)، وصار عضواً في البرلمان (مجلس العموم) عام 2005. وفي يوم الخميس 5/5/2016، انتخبته الغالبية العظمى من شعب لندن البالغ نحو 8.5 مليون نسمة، رئيساً للعاصمة.

قد يسأل القارئ الكريم: هل يستحق هذا الخبر أن يكون موضوعاً لمقال بالنسبة للقراء العرب، المبتلية شعوبهم بالمشاكل الكثيرة والمزمنة؟ الجواب نعم، الموضوع مهم ويستحق طرحه للنقاش، إذ يمكن استخلاص الدروس والعبر للاستفادة منه في معالجة مشاكلنا، وخاصة فيما يتعلق بثقافتنا التدميرية، والحاجة إلى التفكير النقدي لمواجهة الإشاعات الباطلة والحماية منها.

فالأهم في انتخابات عمدة لندن، أن المنافس الرئيسي لصادق خان هو رجل قوي اسمه (زاك جولد سميث)، مرشح حزب المحافظين الحاكم، وهو إنكليزي، وابن ملياردير، والنائب المحافظ لضاحية ريتشموند الميسورة، وجه لخان تهمة خطيرة وهي المشاركة في تجمعات تحدَّث فيها "متطرفون إسلاميون." ونقل السيد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، هذه التهمة التسقيطية إلى البرلمان، معيِّراً زعيم المعارضة (حزب العمال)، بأن مرشحهم له علاقة بالمتطرفين الإسلاميين! في إشارة مقصودة أن صادق خان متطرف إسلامي، أو على الأقل متعاطف مع المتطرفين. فتصور مدى تأثير هذه الحملة على الناخب البريطاني، خاصة وأن الشعوب الغربية مازالت تعاني من ردود أفعال لمجازر بربرية همجية ارتكبتها الجماعات الإسلامية الإرهابية (داعش)، في باريس وبروكسل، وقبلهما بسنوات في قطارات الأنفاق في لندن، ومحطة القطارات في مدريد التي راح ضحيتها المئات.

و من هنا تبرز أهمية وعي الناخب البريطاني حيث أعطى درساً بليغاً لأولئك الذين أرادوا استغلال هذه الدعاية الباطلة لمكاسب سياسية. لذلك وعلى الضد مما توقع المحافظون، ارتدت سهامهم عليهم، إذ صوتت الأغلبية لصادق خان ولم تتأثر بالدعاية الرخيصة.

علينا أن نقارن هذا الموقف في التفكير النقدي المستقل مع وعي المواطن العراقي المستجيب للإيحاءات ومهما كانت التهم تسقيطية باطلة من تأليف فلول البعث والمتنافسين على المناصب في العراق، إذ ما أن يطلق أحدهم إشاعة رخيصة ضد الخصم، حتى وتلقفها آخرون وصدقوها وقاموا بتعميمها على أوسع نطاق. وهكذا تم إسقاط العديد من السياسيين بالكذب والافتراءات وأغلبها لا يقبلها العقل السليم.

ان انتخاب اللندنيين لصادق خان يؤكد ان المجتمع البريطاني والأوروبي بصوره عامة، لم يعد يتأثر بأية أيديولوجية دينية كانت أم سياسية، بل يفكر بطريقة اقتصادية وعملية وهذا هو النمط الجديد بالتفكير. فالناس في أوربا لا يمهم دخول الجنة بعد موتهم بقدر ما أن يعيشوا حياة كريمة في دنياهم توفر لهم الأمان والدخل المعقول، ونوعية الحياة والعيش الكريم. كما ويبحث الغرب عن حليف إستراتيجي مهم في دول العالم وخاصة العربية والإسلامية فيما لو تَرَكُوا الأيديولوجيات وركزوا على المصالح المشتركة التي تهم عيش ورفاهية شعوبهم.
كما إن الفضل في فوز صادق خان يعود للمسلمين اللندنيين الذين لم يتلوثوا بعدوى الطائفية، والذين بعث فيهم صادق الأمل بجدوى المشاركة في الإدلاء بأصواتهم، كذلك والأهم، يعود الفضل في فوزه إلى غير المسلمين من سكان لندن الذين انتخبوه وتجاوزوا الفوارق الدينية.
والدرس الآخر والمهم لانتخاب صادق خان، هو أثره الإيجابي والمحفز والمشجع لأبناء الجالية العربية والإسلامية وما له من اثر من ازالة كل الشكوك والخوف ان الأصل العربي او الاسلامي سيجعل الانسان ذكرا ام أنثي في موقف ضعيف، وهذا ما يروج له المتطرفون والمتخاذلون والانعزاليون من أصحاب العقد والنفوس الضعيفة. لذلك قال صادق إن فوزه في الانتخابات يعني "انتصار الأمل على الخوف".

الدرس الآخر الذي يجب استخلاصه من فوز صادق خان، هو على الشعوب الإسلامية إعادة النظر في قيمها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها ومواقفها العنصرية والطائفية ضد مكونات شعوبها، وضد الغرب ونظرتها المعادية إلى الإنسانية. فمشاكلها هي وليدة هذه الثقافة التي هي بحاجة إلى إعادة النظر وخاصة الموقف من الشعوب الغربية، حيث تنظر لها نظرة دونية واحتقار وتكفير ولا إنسانية. بينما الواقع يؤكد أن الشعوب الغربية هي التي تحمل مشعل الحضارة والإنسانية والعلوم والتقنية والتقارب بين الشعوب في ظل العولمة، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والمذهبية والعرقية.

فالحكومات العربية مازالت متمسكة بعنصريتها وطائفيتها، وأغلبها ترفض منح الجنسية لأي مهاجر عربي أو غير عربي حتى ولو قضى عدة أجيال في ذلك البلد. ففي العراق قام حزب البعث بتهجير أكثر من مليون عراقي من مختلف الأعراق، عرب وأكراد فيلية، لأسباب طائفية بتهمة التبعية الإيرانية. ومازال فلول البعث من الطائفيين يرددون هتاف (إيران برة برة، بغداد صارت حرة)، والمقصود بإيران هو السياسيون الشيعة المشاركون في السلطة بعد 2003. والمرددون لهذا الهتاف هم أنفسهم الذين قاموا بالاعتصامات في المناطق الغربية قبل سنوات، نجحوا هذه المرة في نقل اعتصاماتهم إلى المنطقة الخضراء، بل وحتى إلى داخل البرلمان بفضل السيد مقتدى الصدر، وذلك باختراقهم ما يسمى بالتيار الصدري والسيطرة عليه بسهولة.

وفي الكويت نحو 30% من الشعب الكويتي يطلق عليهم (البدون)، أي بدون جنسية، وهؤلاء كويتيون أباً عن جد، ولكن أغلبهم من طائفة معينة، لذلك تم حرمانهم من الجنسية لحرمانهم من حقوقهم السياسية. أما في البحرين، فالشيعة الذين يشكلون 80% من الشعب، فمضطهدون ومحرومون من أغلب الحقوق بما فيها الوظائف الحكومية، ويفضل عليهم من يتم استيراده من الخارج إذا كان من طائفة السلطة فقط. أما في الدول الخليجية الأخرى وخاصة في السعودية، فما أن يعرفوا أن الوافد للعمل هو شيعي حتى ولو بدعوة من السلطة، فيرفضون السماح له بالعمل، ويفسخون العقد معه، ويطردونه من البلاد. طبعاً هذا الكلام في نظر البعض يجعلنا في خانة الطائفيين. ولكن شاؤوا أم أبوا، فهذا هو الواقع المخزي تمارسه معظم الحكومات العربية بمنتهى الصفاقة، ومن واجب المثقفين فضحه وإدانته.

والجدير بالذكر أن مشكلة عداء المسلمين للغرب ليست من أتباع أيديولوجية واحدة، بل من جميع الأيديولوجيات السائدة في العالم الإسلامي. فالغرب بالنسبة للشيوعيين هو "رأسمالية متوحشة"، وبالنسبة للقوميين العرب "إستعماري بغيض"، وللإسلاميين فهو بلاد "الكفار ومن أحفاد القردة والخنازير"، إذ كما عبر عنه الإرهابي أبو حمزة المصري، فالغرب بالنسبة له مرحاض لقضاء الحاجته(كذا). هذه هي الأخلاق الرفيعة جداً التي يتباهى بها الإسلام السياسي، وهذا هو جزاء الاحسان في نظرهم. ولكن المفارقة أن جميع هؤلاء الشتامين للغرب يفضلون العيش في هذا الغرب على العيش في دولة تتبنى أيديولوجيتهم، وهذه ازدواجية مفضوحة.

في الحقيقة، هذه النظرة العدوانية للإنسانية هي السبب الرئيسي لمشاكل الشعوب الإسلامية وخاصة العربية منها، من تخلف واضطرابات وفقر وعدم الاستقرار، والتشرد والهجرات المليونية. فبهذه الثقافة صار إنتاجهم الوحيد هو تصدير الإرهاب إلى العالم. بينما هذا الغرب الـ"الرأسمالي المتوحش، الإستعماري، الكافر" هو الذي وفر الأمن والمأوى والكرامة والحرية للهاربين من ويلات حكوماتهم التي هي من إنتاج ثقافات المدمرة.
لذلك، فعندما انتخب الشعب الأمريكي ابن مهاجر كيني أسود رئيساً للجمهورية، وانتخب شعب لندن ابن مهاجر باكستاني رئيساً للعاصمة البريطانية، إنما عبر هذان الشعبان عملياً عن أخلاق إنسانية رفيعة، وليس بالإدعاءات الفارغة. فكل يطبق قيمه الحضارية.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحدث يستاهل مقالتكم ولنتعلم من المجتمعات الارقى
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2016 / 5 / 8 - 15:22 )
شكرا جزيلا اخي دكتور عبد الخالق على هذه المقاله-الدرس الحضاري -العملي ولتخساء ايديولوجية التبعيه والبدون والسنة والشيعه والكردوية والعربجويه وغيرها من الزبالات ولنتعلم من اخر وارقى انجازات مجتمعات الخير مجتمعات العمل والثقافه واحترام الاخر-ان السنوات فضحت التخلف المريع في مجتمعنا العراقي في وعينا وفكرنا وبؤس ثقافتنا وبشاعة سلوية ناسنا جماهيرا ونخبا وللاسف ليس في العراق فقط وانما في جميع مايسمى بالبلدان العربية او الاسلاميةمع تحياتي ابو علي الورد


2 - مقال قيم تحياتى لك
على عجيل منهل ( 2016 / 5 / 8 - 16:55 )
وتربى خان على القيم الإسلامية، ولم يتنصل يوما من الإعلان عن أهمية عقيدته، وفي أول خطاب له كعضو بالبرلمان تحدث عن كيف أن أبيه علمه حديث النبي محمد، عن أن الشخص الذي يجد شيئا خطأ عليه أن يعمل على تغييره.


3 - شكر وتعليق
عبدالخالق حسين ( 2016 / 5 / 8 - 18:02 )
جزيل الشكر لأستاذنا الدكتور صادق الكحلاوي على تعليقه الرائع وسعيد بمتابعته.
كما أشكر الأخ الكاتب الأستاذ علي عجيل منهل على تعليقه القيم. وأود أن أضيف: نعم، صادق خان متمسك بعقيدته الدينية، ولكن فوزه لا يعود إلى كونه متمسك بالدين أو خلافه، بل يعود الفضل إلى براغماتيته السياسية، وتفاؤله بجدوى النضال السياسي، والأهم يعود الفضل إلى سكان لندن من غير المسلمين الذين لم يعيروا أي اهتمام للفوارق الدينية والمذهبية بل لمن يقدم لها خدمة أفضل. وهذا بحد ذاته درس مفيد لشعوبنا التعبانة المتعلقة بالفوارق الدينية والمذهبية.
مع التحيات


4 - لو كان صادق خــان في السعودية
كنعان شـــماس ( 2016 / 5 / 8 - 20:21 )
تحية دكتورنا العزيز عبد الخالق حسين . واضح لو كان خان في السعودية لمنع من تعين ولو كاتب في بلديــة . في مملكة ال سعود من شروط منح الجنسية ان يكون مقدم الطلب مســــلما هل هناك قـــذارة اخلاقية وعنصرية واحتقار لشريعة حقوق الانسان اكثر من هذا ؟؟؟ في مصر احتجت شـــــــرذمة من الاسلامين على تعين محافظ مســـــيحي فانصاعت الحكومــة المنافقـــــــة التي تكتب في دستورها كل المواطنين متساوين امام القانون انصاعت الى طلب هذه الشـــــرذمة وطردوا المحافظ المسيحي وعينوا محافظ مســلم . في كل الدول العربية بلا استثناء يعاقب المسلم الذي يترك دينه بالاعـــــــــدام بموجب قانون الجزاء الموحد الذي فرضته جامعتهم سنة 1969 ومن الموقعين على القانون وزير العدل في نظام حزب البعث العراقي ( العلمانــــــي ) جدا . مالم توضع شريعة حقوق الانسان العالمية فوق كل الشرائع السماوية في هذه التجمعات البشرية التي تسمى دول فان الطامـــــات القادمة ستنسينا القواجع التي نحن فيها وانظر الى المسالخ البشرية في العراق وسوريا تحية


5 - إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
عبدالله عباس ( 2016 / 5 / 9 - 09:19 )
احسنتم اخي الكاتب الفاضل
سمعت وقرأت ان معظم المسلمين في لندن لم ينتخبوه كونه شيعي رافضي وهذا ما ظهر في تغريدات سعودية وخليجية تطالب الحكومة البريطانية بالغاء تنصيبه ، وتطلب من العرب والمسلمين عدم السفر الى لندن الى ان يتم تغيير صادق خان !!!!.
الشعوب العربية والاسلامية ميؤس من تحضرها كونها محكومة بموروث ديني مزور وليس صحيح يدفعها الى الجهل والتخلف ليتمكن رجال الدين المزيفين من السيطرة عليهم وطبقات الحكام هي من نفس تلك الشرائح .
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
خالص تحياتي ودعائي لجنابكم الكريم .


6 - لا ولن يعتبروا
ييحيى طالب ( 2016 / 5 / 9 - 09:21 )
لو الف خان والف اوباما فالعرب لن يعتبروا لانهم في عالم اخر يعيشون مادام مسيطر على عقولهم الوباء الديني الطائفي المقيت انهم مثل خفافيش الظلام يكرهون النور لانه قاتل لهم وكما قال المتنبي -- خفافيش الظلام تكره النور -- والعلم والحضارة في داهية تغور !! -شكرا لكم ولوقع الحوار


7 - لا ولن يعتبروا
ييحيى طالب ( 2016 / 5 / 9 - 09:22 )
لو الف خان والف اوباما فالعرب لن يعتبروا لانهم في عالم اخر يعيشون مادام مسيطر على عقولهم الوباء الديني الطائفي المقيت انهم مثل خفافيش الظلام يكرهون النور لانه قاتل لهم وكما قال المتنبي -- خفافيش الظلام تكره النور -- والعلم والحضارة في داهية تغور !! -شكرا لكم ولوقع الحوار


8 - شكر وتقدير
عبدالخالق حسين ( 2016 / 5 / 9 - 09:31 )
جزيل الشكر أستاذ كنعان على تعليقك القيم. نعم هذه حال الدول العربية والإسلامية، الأقباط هم سكان مصر الأصليين، بل كل الشعب المصري الحالي هم أقباط لذلك فاسم (إيجبت) مشتق من قبط. وما المسلمون في مصر إلا أقباط غيروا دينهم ولغتهم، ثم انقلبوا على أبناء جلدتهم يسومونهم سوء العذاب. هذا هو سلوك البشر في كل زمان ومكان مع الأسف الشديد.

كما وأشكر الأستاذ عبدالله عباس على ثنائه الجميل وتعليقه القيم والمعلومة المؤلمة عن تخلف العرب
تحياتي للجميع


9 - !
حنضل ( 2016 / 5 / 9 - 12:48 )
?

اخر الافلام

.. بدء الحملات الانتخابية لسباق الرئاسة في موريتانيا


.. آثار سقوط صاروخ من جنوب لبنان على منزل في مستوطنة مرغليوت




.. نقاش إسرائيلي يدرس إنهاء العملية العسكرية في رفح.. ما دلالات


.. قوات الاحتلال تطلق النار بشكل مباشر على سيارة فلسطينية




.. نجوم يخوضون آخر نسخة -يورو-.. أبرزهم رونالدو ومودريتش وآخرين