الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى غياب الوعي والرؤية والاستراتيجيا

عماد صلاح الدين

2016 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


أنا متأكد أن كثيرا من الناس، بل وحتى من يسمون أنفسهم خبراء ومختصين في السياسة والفكر السياسي في فلسطين والمنطقة العربية، ينظرون إلى مسائل عنوان هذا المقال،على انه إما نوع من الديباجات والخطابات، وإما أنه نوع من الميتافيزيقيا وأمور خيالية، لا سند لها من الواقع. وحتى إنني أراهم لا يدركون معنى رقي المجتمعات وتقدمها في العالم الغربي وأمريكا، في ظلال وجود الوعي والرؤية والاستراتيجيا.

ربما لا ألوم كثيرين على ذلك، لان فاقد الشيء لا يعطيه أبدا؛ فالتجربة الفلسطينية والعربية، وعلى مدار قرن من الزمان خلت، وبكل تأكيد، من تلك المفردات وتطبيقاتها عمليا، وفي الأصل رؤيويا ووعيا وعلميا؛ حتى صرنا نتهم الشعارات والخطابة بأنها مجرد كلام فارغ.

والحقيقة انه في ظل غياب تلك المفردات على مستوى النظرية والفكر والممارسة، وجدنا ونجد أنفسنا ننتقل دائما من خيبة إلى ما هو أخيب منها، وباستمرار، وفي سياق مسلسل لا تنتهي حلقاته، على مدار العقود الماضية.

وفي ظني أن الحالة العربية والفلسطينية، بالإضافة إلى مخرجات المرض والفقر والجهل والتخلف المستمرة، تعاني من مشكلة تأسيسية تتعلق بمكونات بنى الإنسان العربي والفلسطيني عموما؛ ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد قروني قد تطاول علينا، ووجدنا ضرباته القاصمة تاريخيا في العهد العثماني وتجلياته الأخيرة؛ عندما آل رجلا مريضا برسم الاقتسام الغربي والأوروبي منذ مطلعية القرن العشرين المنصرم وقبله بعقود قليلة، إلى صدمة سيكس بيكو ووعد بلفور والانتداب الفرنسي والانجليزي ومعهم الطليان في العالم العربي شرقا ومغربا، إلى النكبة إلى النكسة إلى متوالية الفشل والهزيمة والإحباط بحرب الخليج الأولى والثانية، ومن كامب ديفيد الأولى إلى أوسلو إلى الانقسام واستعصاء المصالحة الوطنية الحقيقية، ومن انفجار العرب قهرا داخليا وخارجيا إلى اشتعال الحرب الأهلية والبينية تاليا.

ونحن نعيش تجليات الفشل الذريع والدمار والانحطاط المريع عاما فعاما وعقدا يتلوه عقد؛ ونحن في كل مرة نتحدث عن الثورة، نتحدث عن المؤامرة، نتحدث عن العدوان علينا ومباغتتنا من قبل الصهاينة والأمريكان والغربيين والمتآمرين على العرب وفلسطين، وفي كل مرة نلعن الحظ الذي لا يواتينا أفرادا وجماعات ومجتمعات، ونتساءل عن السبب الذي يبطل به العجب.

نتحدث عن السبب فنقول الدين رجعية، ونتحدث عن السبب فنقول لم نجنح للسلم فاجنح لها وتوكل على الله، ونتحدث عن السبب فنعزي رب الأسباب كلها إلى اليهود والنصارى والصليبيين، ونتحدث عن السبب فنعزيه إلى غياب القائد القومي الفذ ثم نعزيه إلى القائد الوطني الملهم فالقائد الإلهي المخلص، ثم ها نحن نفتش عن السبب فنعزيه في تفكر وتأمل جديدين إلى الأحزاب والعائلات وقبائل الفلسطينيين والعرب، ثم نتأمل قليلا فنلعن المذاهب ما ظهر منها وما بطن، ثم نطور مجال الرؤية فنلعن أفكار الأمم شرقا وغربا، ثم نطور الأفكار فنلعن امة الإسلام والعرب، ثم نلعن جيناتنا جينا وأنزيما وعصبا بعد عصب، ثم نتفكر قليلا أو كثيرا فنقول غاب الأئمة من قريش، ونتوه في كل الأحوال وما أسرع تداور خياراتنا في الأحزاب والنحل والمذاهب والأحلاف والدول؛ فاليوم نحب ناصرا وغدا هو ذا عين الفشل، وبعد غد الإسلام هو الحل، ومن بعده دولة تجمع كل العلل، واليوم مع إيران ناصرا ونصيرا، وغدا عيون اللهفة باتجاه تركيا وقطر الأمل. الثورة خيار وبعد قليل صاحبها ديماغوجي وحمار، والثورة المضادة خيار واستقرار.

ما أسرع خياراتنا وما أكثر حلفاءنا وما أسرع تخلينا عنها وتخليهم عنا وتخلينا عن بعضنا البعض !!!!.

إن الأسرة التي لا تقودها رؤية أخلاقية وإنسانية وعلمية تربوية، يلاقي أفرادها الواحد تلو الآخر فشلا وإحباطا متسلسلا، حتى ولو كان بعض منهم يحاول ثم يحاول ويحاول؛ لان غياب الرؤية والوعي والاستراتيجيا يعني دائما طحن الماء أو حتى الهواء، ويظن فاعلها ذلك انجازا، لمجرد انه يتعب إلى درجة الإعياء، بينما غيره قد يبذل اقل من نصف جهده ويجنى مع ذلك أشهى العنب.

وهذا للأسف حال الفلسطينيين والعرب، في ظل غياب الوعي والرؤية والاستراتيجيا المعمّدة في إنسان كمشروع مدروس وفق أسس علمية ومنهجية وعقلية، تقود إلى الإنسان الفاعل في المجتمع الفاعل، وليس كانسان يتسول قياد الآخرين له، ويطلب حل مشاكله وقضاياه المصيرية الوطنية والقومية من إسرائيل وأمريكا والغرب؛ إما بتوفير مظلة أمنية مستمرة أو باللهاث وراء سراب مفاوضات لا حل ولا تسوية حقيقية منها أو اللحاق - وعلى الهامش- بأحلاف إقليمية أو دولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى