الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عيد العمّال العالمي، موعد متجدّد للنضال
مرتضى العبيدي
2016 / 5 / 9ملف 1 ايار - ماي يوم العمال العالمي 2016 - التطور والتغييرات في بنية الطبقة العاملة وأساليب النضال في ظل النظام الرأسمالي والعولمة
مهما حاولت البورجوازية تحويل غرّة ماي إلى مجرّد يوم راحة بالنسبة للعمّال وسلبه من مغزاه الحقيقي، فإنّ الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم تتشبث بتلك المغازي وتعمل على جعل هذا اليوم موعدا متجددا مع النضال من أجل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهو ما يُرعب الطبقات الحاكمة التي كثيرا ما تفقد صوابها وتتصرّف بالوحشية التي هي من طبيعتها، وهو ما حصل هذه السنة في أكثر من بلد حيث استعملت الأنظمة الحاكمة أجهزة القمع لتفسد على العمّال الاحتفال بعيدهم كما جرى في تركيا، وهو معتاد ومتوقع، ولكن كذلك في فرنسا، وهو ما يُظهر التدهور المستمرّ لوضع الحريات في بلد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن"
ففي فرنسا، تزامن حلول غرّة ماي مع موجة غير مسبوقة من النضالات العمالية والشبابية الرافضة للمساس بمجلة الشغل التي يسعى أرباب العمل إلى تطويعها خدمة لمصالحهم الأنانية باستباحة عرق العمّال والتراجع على مكاسب كانوا بذلوا من أجل تحقيقها الغالي والنفيس طوال عقود. فمنح عيد العمال فرصة متجددة للمناضلين لتقييم ما تحقق والإعداد لما يليه من نضالات. لذلك كانت التعبئة على أشدّها واستجاب العمال والشباب والنساء وكذلك المتقاعدون لنداء المنظمات النقابية والأحزاب السياسة للمشاركة في المسيرات التي انتظمت في جميع المدن الفرنسية وحتى في قراها، للتنديد مجدّدا بـ "مشروع مريم الخمري" لتنقيح مجلة الشغل، وهو المطلب الرئيسي الذي تمحورت حوله كل النضالات خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، والتي بفضلها تمكن العمّال والأجراء من تأخير عرض المشروع على البرلمان، حتى وكأنه يبدو أن الحكومة، صاحبة الأغلبية البرلمانية لم تجد لها في هذه المؤسسة ما يكفي من الأصوات لتمرير المشروع. وهو ما يزيد في إصرار العمّال على المضيّ قدما من أجل تحقيق النصر في هذه المعركة بالذات، وإن هي تبدو جزئية، إلا أنهم يعتبرونها "أم المعارك الاجتماعية" باعتبار أن انتصار أرباب العمل فيها سيفتح نار جهنّم على العمّال، إذ أن المشروع الجديد يبشّرهم بكل ما تفتّقت عليه قرائح منظري النيوليبيرالية من مرونة التشغيل وهشاشته والطرد التعسفي تحت عنوان حرية التسريح والتراجع في التغطية الاجتماعية وتجميد جرايات التقاعد أو حتى التخفيض فيها الخ... لذلك اتخذت المعركة يوم غرّة ماي أبعادا جديدة، ما كانت لتقع في ظروف أخرى إذ أن النظام تجرّا على إطلاق العنان لأجهزة القمع للتدخل العنيف ضدّ المسيرات السلمية وتفريقها ومنعها من الوصول إلى نهاية مسارها المعلن مسبقا. وقد استعمل البوليس للغرض الهراوات والغاز المسيل للدموع كما عمد إلى إيقاف العديد من المشاركين في المسيرة، وحدث ذلك في باريس وفي عديد المدن الفرنسية الأخرى. وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدلّ أن التعدّي على الحريات ليس حكرا على الأنظمة الدكتاتورية، وإنما هو ممكن ووارد حتى في "أعرق" الديمقراطيات، وأن الحريات في ظل النظام الرأسمالي تبقى محدودة وقابلة للتراجع عليها إذا لم تتجند الطبقة العاملة وباقي الفئات الشعبية للدفاع عنها في كل لحظة وآن.
أمّا في تركيا، فإنّ منع التظاهر في غرّة ماي أمر معتاد ورثه نظام أردوغان عن فترة الدكتاتورية العسكرية وبرع في ممارسته. ومنذ نصف القرن أي تحديدا منذ سنة 1977، يتجدد ليّ الذراع بين الحكومات القائمة، على اختلافها من جهة، والعمّال والنقابات والقوى الديمقراطية من جهة أخرى حول الاحتفال بعيد العمال في ميدان تقسيم ، في قلب مدينة إسطنبول، لما له من رمزية. فإصرار العمّال على هذا الحق نابع من رغبتهم في تكريم رفاقهم الذين سقطوا بيد الغدر في ميدان تقسيم بالذات في غرّة ماي 1977 عندما دفع إليهم النظام العسكري بميليشيات مسلحة من أحزاب أقصى اليمين تُعرف باسم "مجموعات الذئاب الرمادية" لإفساد الاحتفال ممّا أدّى إلى موت 36 من العمّال الحاضرين. وقد استغلت السلطات الحاكمة تلك الجريمة لغلق ميدان تقسيم نهائيا أمام أيّ نوع من أنواع الحركات الاحتجاجية. وترسّخت هذه الممارسة لديها بعد انتفاضة الشباب في "حديقة الغازي" المحاذية لميدان تقسيم في صيف 2013. لذلك أعلن حاكم مدينة اسطنبول هذه السنة عشية غرّة ماي أنه جنّد ما لا يقل عن 24.500 رجل شرطة لمنع الاقتراب من ميدان تقسيم ذي الرمزية التاريخية، زيادة على إجراءات أخرى مثل إغلاق محطات المترو القريبة من الميدان. إلا أن ذلك لم يمنع العمّال من التوجه نحوه فحصل المحظور، إذ أدّت اشتباكاتهم مع أجهزة القمع إلى موت عامل وجرح الكثيرين واعتقال أعداد كبيرة من المتظاهرين.
وقد أصدرت نقابة "الديسك" العمّالية التقدمية بيانا عشية غرة ماي دعت فيه العمّال للنزول بكثافة إلى الشوارع والمشاركة في المسيرات التي تنتظم في عديد الساحات والميادين بإسطنبول وغيرها من المدن التركية، وأوضحت المغزى العميق من الاحتفال بعيد العمّال العالمي في تركيا بالذات حيث يُجرّم الحراك الاجتماعي، وحيث مازال مجرّد الانخراط في النقابات يُنظر إليه بعين الريبة من النظام الدكتاتوري الرجعي. وأوضحت أن يوم الفاتح من ماي هو يوم للنضال العمّالي في كنف الوحدة والتضامن الطبقي. وأضاف البيان أن العمّال ينزلون إلى الشوارع في مثل هذه المناسبة للتعبير عن رفضهم لشتى أساليب الاستغلال الذي يتعرّضون إليه والتي تتخذ مظاهر لا تحسدها عنها العبودية، عن طريق شركات المناولة ووكالات بيع قوة العمل، وينزلون للشارع أيضا للمطالبة بظروف عمل تليق بالكائن البشري بما فيه من شغل قارّ وضمانات اجتماعية تحفظ كرامة العامل. وهكذا يبدو أن المعركة مازالت طويلة في تركيا حتى يفرض العمّال إرادتهم واحترام حقوقهم وأوّلها الحريات النقابية.
وفي برلين كان لاحتفالات هذه السنة طعم خاص، إذ تمت إقامتها في ميدان "بوتسدام" أي نفس الميدان الذي احتضن منذ قرن أي سنة 1916 المظاهرة التي قادها كارل ليبنخت وروزا لوكسمبورغ ضدّ الحرب الامبريالية الدائرة رحاها آنذاك والتي تشارك فيها ألمانيا. وقد تمّ بالمناسبة توزيع نفس البيان الذي أصدره حزب سبارتاكيس آنذاك والذي جاء في خاتمته: " أيها العمال، أيها الرفاق، أيتها النساء، لا تدعوا غرة ماي الذي يحلّ للمرّة الثانية منذ اندلاع الحرب يمرّ هكذا دون تحويله إلى مناسبة للتنديد بالمجزرة الامبريالية التي نحن بصددها. ففي هذا اليوم، نحن نمدّ أيدينا من فوق الحواجز والحدود لرفاقنا في فرنسا وبلجيكا وروسيا وانقلترا وصربيا وفي كل بلدان العالم، ونرفع معهم أصواتنا عاليا لنقول: لا للجرائم الوحشية في حق الشعوب، وليسقط المسؤولون عن الحرب والمتسببون فيها. إنّ أعداءنا ليسو الشعب الفرنسي والانكليزي والروسي وغيرهم من الشعوب، إن أعداءنا الحقيقيين هم الرأسماليين الألمان ورأس حربتهم الحكومة الألمانية. فلنوحّد صفوفنا إذن ضد هؤلاء، ضد أعداء الحرية ولنناضل من أجل غد أفضل للطبقة العاملة والشعب الألماني والإنسانية قاطبة."
وكانت الفرصة إذن سانحة للتنديد بالسياسة الامبريالية التي تنتهجها الحكومة الألمانية الحالية والتي أصبحت لا تترك فرصة تمرّ إلا وزجت بالبلاد في عديد مناطق التوتر التي يعرفها العالم. كما كانت مناسبة للرفع من سقف المطالب الاجتماعية خاصة وقد تزامن هذا الاحتفال مع إعلان نقابات المعادن والتي تضمّ 110 آلاف عامل عن استعدادها للدخول في سلسلة من الإضرابات في الأيام القليلة القادمة.
أمّا في بقية البلدان، فزيادة على البُعد الأممي والشعور العميق بالتضامن الطبقي الحقيقي، فقد رفعت مسيرات غرّة ماي شعارات خصوصية تستجيب للظرف الخاص بكل بلد. وقد حرصت النقابات العمّالية على تشريك كل عمّال البلد الواحد مهما كانت جنسياتهم في هذه الاحتفالات، من ذلك ما حصل في ستوكهولم حيث فسح المجال للعمال من أصل إيراني للتنديد بما يتعرّض له النقابيون والديمقراطيون عموما من قمع في بلادهم، ورفعت صور المعتقلين منهم في سجون الدكتاتورية الإيرانية. كما اختار عمّال المنطقة الحدودية بين فرنسا وسويسرا الاحتفال بصفة مشتركة بعيد العمال إبرازا لوحدة المصير أمام ما تأتيه البورجوازية من تكتيل لقواها من أجل ضمان مصالحها.
تلك هي إذن لمحة سريعة عن احتفالات غرة ماي في بعض مناطق من العالم إذ لا يتسع المجال هنا لاستعراض كل ما جرى في هذا اليوم المشهود الذي تقيّم فيه الطبقة العاملة العالمية منجزاتها وتخطّط لمستقبل نضالاتها التي وتعبّر عن استعدادها الدائم لخوضها من أجل حقوقها رغم كل التنظيرات البورجوازية القائلة بانتهاء الدور الريادي للطبقة العاملة في قيادة الشعوب نحو مجمعات أكثر حرية ورخاء وعدالة اجتماعية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي
.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24
.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو
.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس
.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت