الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماهير التيار الصدري : الفتات المبعثَر على موائد أثرياء الشيعة

حسين كركوش

2016 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


نشرت هنا قبل أيام قليلة مقالا عن ( لي سان كيلوت) الفرنسيين في القرن السابع عشر وموقفهم الحماسي المؤيد للثورة الفرنسية عام 1789. وختمت المقال بالسؤال التالي : هل أن القرامطة والزنج و العيارين وجماهير التيار الصدري يلتقون أم يتقاطعون مع ( لي سان كيلوت) الفرنسيين ؟
ولأن الكتابة عن هذه الحركات والثورات التاريخية تتطلب مساحة واسعة ، فسأقصر الأمر على حركة معاصرة هي ، جماهير التيار الصدري. وأسأل : هل هم يتقاطعون أم يلتقون مع ( لي سان كيلوت ) الفرنسيين في القرن التاسع عشر ؟
أظن أن هناك تشابه بين ( لي سان كيلوت ) وبين جماهير التيار الصدري ، شرط أن نضع جانبا العامل المذهبي الديني.
الآن أفترض أن سائلا سيسأل : وماذا سيتبقى إذا نَّحينا الجانب المذهبي الديني من الصراع الدائر في العراق حاليا ؟ و بأي حق ننحي هذا الجانب ؟ أقول : سيبقى الكثير ، بل لم يتغير أي شيء.

الصراع القائم الآن في العراق ليس دينيا ولا مذهبيا ؛ ليس بسبب : نحن مسلمون وأنتم كفار، نحن نصلي ونصوم ونتعبد وأنتم لا ، وإنما أنتم سرقتم أموال الشعب ونحن ضحايا سرقاتكم . أنتم حولتم الدين إلى تجارة ومضاربات وأسهم في البورصة ، ونحن ضحايا تجارتكم ، أنتم تصرون على الاستئثار بالحكم ونحن نريد مستقلين من التكنوقراط ( لاحظ: ما علاقة التكنوقراط لو أن الصراع ديني مذهبي ؟ ).
الدين والمذهب كانا ورقة توت أسقطتها نهائيا الوقائع التي حدثت بعد تظاهرات الصدريين الأخيرة. فالجماعات المسلحة التي ظهرت في شوارع العاصمة ردا على تظاهرات الصدريين ، وتدافع عن معارضي الإصلاحات ، تنتمي لنفس الدين ولنفس المذهب.
وإذا ركزنا فقط على جماهير التيار الصدري ، لأنهم موضوع هذه السطور ، فهم يُعتبَرون (الفُتات) الشيعي الذي ظل دائما وأبدا ( يُبعثر ) على المائدة ويسقط على الأرض ويدوسه بأرجلهم أثرياء الشيعة عندما ينهضون من المائدة ويذهبون لغسل أياديهم ، ثم يرفعون رؤوسهم حمدا وشكرا لله على ما حباهم.
و هنا أكرر مرة أخرى : عندما أقول الفتات الشيعي فأنا لا أعني جماهير التيار الصدري كما ظهروا وعرفناهم بعد 2003 ، ككيان سياسي محدد ، وإنما أعني عموم فقراء الشيعة ، و جماهير التيار الصدري منهم.

هذا الفتات بالأمس كان ارستقراطيو الشيعية (بما في ذلك البيوتات الشيعية العريقة في النجف) ، وأثريائهم يسمونهم ( شراكوة ، معدان). والآن يسميهم الارستقراطيون الشيعة (الجدد) أو( نيو neo شيعة ) الذين استوطنوا الخضراء: عَّلاسة ، حواسم ، نَكَرَيّة ، خريجو شارع مريدي ، دايحين. و سموهم أخيرا غُدد سامة وطالبوا بإبعادهم عن العملية السياسية و استئصالهم ، كما ورد في الخطابات الأخيرة لكتلة دولة القانون و للسيد نوري المالكي.
وكما قلت فأن التمايز بين الفتات الشيعي وبين أثرياء الشيعة لم يُخلق الآن ، بعد 2003.
الفتات الشيعي هم الفلاحون المعدمون في أرياف العمارة والناصرية والكوت والديوانية ، الذين ما كانوا متساويين قط مع (أشقائهم) الشيعة من كبار مُلاك الأراضي في تلك المناطق طوال العهد الملكي.
الفتات الشيعي هم فلاحو سوق الشيوخ المعدمون الذين ثاروا عام 1935 ضد الحكومة ، والذين ما كانوا متساويين مع (أشقائهم) الشيعة من كبار ملاك الأراضي وبعض رجال الدين الذين وقفوا وقتذاك مع الحكومة ضدهم.
الفتات الشيعي هم سكنة مدينة الثورة ، الذين دافعوا صباح 8 شباط 1963 بالعصي عن عبد الكريم قاسم وهم لا يعرفون لأي مذهب ينتمي ولا أن كان يصلي أو لا ، والذين كانوا يختلفون حد كسر العظم مع (أشقائهم) الشيعة في قيادة مجلس الثورة والقيادة القطرية الذين نفذوا ذاك الانقلاب.
الفتات الشيعي هم الذين جاء بهم العريف حسن سريع من زرائب خلف السدة و أكواخ (العاصمة والميزرة ) إلى معسكر الرشيد في 3 تموز 1963 لكي يسقطوا حكم البعث و يملأوا الأرض عدلا ، والذين اندفع (أشقائهم) الشيعة الذين كانوا يقودون الحكم للمعسكر لقطع رؤوسهم ، وقد قطعوها.
الفتات الشيعي هم الذين ماتوا تحت التعذيب في أقبية الأمن العامة ، ضحايا (شقيقهم) الشيعي ناظم كزار.
وكانت جميع تلك المعارك الدامية خيبات تجرعها الفتات الشيعي.
وظل الفتات الشيعي دائما وأبدا بانتظار (المنقذ) المخّلص. وعلى أمل أن يجدوا المنقذ الذي يقلب أوضاعهم رأسا على عقب ويجعلهم يتصدرون (المائدة) ، فأنهم جربوا جميع الأحزاب ، المدنية العلمانية ، و الأحزاب الدينية التي ظهرت في العراق ، وانتموا إليها وخاضوا معها كل الاضرابات والثورات وحركات التمرد طوال القرن الماضي. وظلت هذه الكتل البشرية المليونية من الفقراء والمعدمين مستعدة للتضحية وجاهزة ، تصيح : يا منقذين خذوني.

لكن المنقذ لم يأت.

وعندما سقط نظام صدام حسين تيقن الفتات الشيعي أنهم ، هذه المرة ، سيتصدرون المائدة بدون أي شك. لكنهم أُصيبوا بخيبة أكثر من كل خيباتهم الماضية عندما وجدوا أن من تصدر المائدة هم أبناء الارستقراطية الشيعية نفسهم الذين كانوا على الدوام ( زارك الرمح سالم الخسارة).
وجدوا أن خريجي ( كلية بغداد ) ، أبناء الوزراء والأثرياء الشيعة في العهد الملكي هم من تصدروا الواجهة ، وربحوا كل شيء. و معهم تصدر الواجهة أبناء أثرياء الشيعة الذين تخرجوا ، بفضل ظروفهم المادية الجيدة ، من أرقى الجامعات العراقية ، و وضع العمامة بعضهم لاحقا ، فأصبحوا (شيوخ) يفتوون بالحلال والحرام ويمارسون النشاط السياسي ، واستولى بعضهم على نفط البصرة.
والأكثر إهانة لجماهير التيار الصدري والأكثر إيلاما ، بل الأكثر هلعا هو ، أن شيعة المنطقة الخضراء بدأوا يسمونهم (غدد سامة ) ويريدون استئصالهم من الجسد الشيعي.
و الأشد وطأة عليهم أنهم يعرفون جيدا بأنه لولا معاركهم الشرسة التي خاضوها ضد تنظيم القاعدة و جميع الجماعات الإرهابية المجرمة لما استطاعت بغداد أن تصمد ، وأن يظل (النيو) شيعة في المنطقة الخضراء في أماكنهم يتنعمون بهذا البذخ الأسطوري.

الآن بدأت هذه (الغدد) الشيعية تستفيق شيئا فشيئا بعد أن نجح شيعة المنطقة الخضراء في تخديرهم وزجهم في معارك طائفية زائفة وعقيمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
الآن ، و قد تبددت نهائيا كل أمالهم في تحسين ظروفهم المعاشية ، بعد تراجع أسعار النفط و نضوب مليارات الدولارات دون أن يحصلوا هم على أي شيء منها ، تيقنوا أنهم كانوا مغفلين و ضحايا ل(لأشقائهم) في المذهب الذين استولوا على المليارات. تيقنوا أن (المنقذ) الذي رحبوا به ومنحوه ثقتهم ليس سوى اوليغارشية يدير أفرادها الأمور فيما بينهم ويتقاسمون الأرباح فيما بينهم ، بعد أن ورطوهم في خوض صراعات طائفية زائفة.

هجومهم الذي حدث أخيرا على المنطقة الخضراء ، وعلى البرلمان والعبث بأثاثه ، وهتافاتهم التوحيدية (أخوان سنة وشيعة ) ، وهتافاتهم العنيفة ضد النظام الإسلامي في إيران الذي يتهمونه بالدفاع عن الارستقراطيين الشيعة الجدد ، وانتزاعهم لصور بعض القادة السياسيين المعلقة على الجدران والتبول عليها علنا ، كما حدث في أحدى المحافظات ، ومحاصرتهم لمن وقع بين أيديهم من البرلمانيين ، هذه الأمور كلها ، سواء وافقنا عليها أو لم نوافق ، هي رفض للواقع القائم و بداية لإعادة ترتيب الأوليات وتصحيح الأمور.

لكن تعبير ( تصحيح الأمور ) يستحق التوقف عنده كثيرا. فنحن سنكون مجانين لو توقعنا أن جماهير التيار الصدري سيكتبون غدا على قمصانهم ( مارس الحب لا الحرب) كما فعل شباب الهيبز في الغرب أيام الثورة الفيتنامية ، أو أن يرفعوا شعار ( يجب منع الممنوعات) كما ردد طلاب فرنسا في ثورتهم عام 1968.

و سنحلق عاليا في عالم الخيال حتى إذا توقعنا أن جماهير التيار الصدري سيفكرون ويفعلون مثل (لي سان كيلوت ) الفرنسيين أيام الثورة الفرنسية عام 1789.
فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر كانت (ترقص) على إيقاع متغيرات ( تقدمية ) عاصفة وعميقة وشاملة ، وكانت تقطف ثمار عصر التنوير ، ليس في الميدان السياسي وحده ، وإنما في كل ميادين الحياة ، بما في ذلك الموقف إزاء الكنيسة ، كمؤسسة متواطئة مع الطغاة. أما المجتمع العراقي حاليا فيعيش ظروفا مختلفة جذريا ، ومضادة تماما.

هذا على الصعيد الموضوعي. أما على الصعيد الذاتي فأن (لي سان كيلوت) كانوا يمتازون بانسيابية الحركة وحرية وعفوية التحرك ، لأنهم لا يملكون قائدا لا يتحركون إلا بأوامر منه ، ولا يضمهم تنظيم ، مهما كان ، يتقيدون بتعليماته . وهذه نقطة قوتهم.
وهذا عكس ما نجده عند جماهير التيار الصدري. فهم ، رغم الاختلافات والتمايزات فيما بينهم ، وصعوبة اعتبارهم جسدا سياسيا منسجما ، إلا أنهم يتلقون أوامرهم وينفذونها بانضباطية عالية وبطاعة مطلقة ، من قائد وحيد أوحد ، وليس حتى من هيئة قيادية ، رغم وجودها بالأسم. إنهم ، عكس ( لي سان كيلوت) ، يفتقدون المبادرة وفقا لما يقتضيه تسارع الأحداث.
وهذه نقطة ضعفهم.

بالإضافة لذلك ، واستنادا لتجربة الفترة منذ 2003 بالإمكان الاستنتاج أن قائدهم ، السيد مقتدى الصدر ، ينشط ويتصرف وفقا لاجتهاداته الخاصة ، وهي ليست ثابتة ، و مزاجية و متغيرة على الدوام وفيها الكثير من الغموض. زد على ذلك أن قائدهم السيد الصدر يخضع ، بسبب تشابك الأوضاع العراقية وتعقيداتها ، إلى ضغوطات داخلية وخارجية ، يأخذها بالحسبان. وبفعل هذه الضغوط فأنه يقول (نعم) اليوم لكنه قد يغيرها إلى (لا) غدا.

هل سيواصل الصدريون نشاطهم ؟ هل سيذهبون أبعد في مطالبهم ؟ أم سيتراجعون عن كل شيء فعلوه ؟
جميع هذه الاحتمالات واردة.

وعندما تتساوى جميع الاحتمالات وتصبح كلها واردة ، فأن من حق الذين يشكون في قدرة ورغبة التيار الصدري على إحداث نقلة جديدة في الحياة السياسية ، أن يّشكوا وأن يشعروا بالقلق وليس بالأطمئنان وبالتفاؤل.
من حقهم تماما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التقليد في الحكم والحرية لا يتفقان!!
فهد العنزي ـ السعودية ( 2016 / 5 / 10 - 05:26 )
المسلمون عامة والشيعة الاثناعشرية خاصة الذين يؤمنون بالتقليد في كل شيء لا يعول عليهم لانهم بساقون كـ القطيع بيد الراعي والراعي هنا هو المجتهد واذا كان المجنهد يخضع لاوامر مجتهد او للنآئب الاوحد للامام الغآئب وهو الولي الفقيه ـ الايراتي ـ الذي يحكم من منظور مذهبي فلا امل يرتجى لسعادة العرآق. لماذا التركيز على الشيعة؟. التركيز على الشيعة لانهم الاغلبية وهذا لا يعني تبرئة السنة والذي هم بدوهم يخضعون لاوآمر دول اجنبية باسم المذهب ايضا وهذا هو سر الفوضى التي لا امل في خلاص الشعب العراقي منها. ان تدخل ايران من جانب وتدخل السعودية من جانب آخر جعل الشعب العراقي ضحية مطامع الدولتين والحل الامثل هو ابعاد الدين عن السياسة ـ وهذا شبه مستحيل ـ في المدى المنظور.من هو الجاني؟؟. الجناة هم الشيعة انفسهم حيث انهم لم يعوا بماذا يخطط لهم عندما سمح النظام الجديد باطلاق اقامة الشعائر بحرية فائقة هدفها حرفهم عن حقوقهم الحياتية ظنا انهم بهذا انتصروا بعد سقوط الطاغية ومما ساعد على هذا التهجين هم بعض رجال الدين الذين افتوا بانتخاب الشبعي وان كان فاسقا نصرة للمذهب وكان المذهي يريد نصرا بخواء البطون فحلت الكارثة

اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا