الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليماماتُ مذعورةٌ في بلادي!

فاطمة ناعوت

2016 / 5 / 9
بوابة التمدن


عند شُرفة المنزل الذي أسكنه الآن في مدينة "أبو ظبي" الوادعة، ثمة يماماتٌ، تُحوِّم ثم تحُطُّ لتلتقطَ حبوب البُرغل التي أنثرُها مع نسائم الفجر الأولى. في شرفة بيتي بالقاهرة، ورغم أنها تُطِلُّ على حديقة شاسعة مترامية الأطراف، قلّما تأتي اليماماتُ، رغم حبوب القمح والشعير التي أنثرها كلَّ نهار، ورغم أن قلبي الذي يعشقُ الطيرَ والنَّغمَ، هو هو الذي ينثرُ الحَّبَّ والحُّبَّ هنا، وبالقاهرة!
طالما حيّرتني تلك الظاهرة! مشهدٌ لا نراه إلا في ميادين الغرب، وعند الحرم المكيّ، وفي بلاد “الإنسان”. يماماتٌ تسيرُ على الأرض تلتقط القمح من بين أقدام المارّة، دون خوفٍ من دهسِ قدمٍ باطشة، أو ترقُّب نبالٍ مُصوّبة نحو القلبِ الصغير الواجف، ولا فزعٍ من نَصلِ سكينٍ غاشمة تجزُّ العنقَ النحيل لتعرفَ من أين يتدفق الدمُ. لماذا لا نشاهد هذا المشهد "المثقف" في بلادنا؟ لماذا لا يُحوِّم حول رؤوسنا الطيرُ ويحطُّ فوق أكتافنا، فإن بسطنا أمام عيونه الطيبة أكفَّنا الطيبة تحمل الحبوب وكسرات الخبز، حطَّ عليها، والتقطَ رزقَه المقدور، ثم دعا لنا في سِرِّه، قبل أن يبتسم ويعاود التحليق، لماذا؟! لأن ذاكرة اليمامات دوّنت على مدى السنوات والعقود، بطشَنا بكل ما هو صغير ونحيل، وقسوتَنا مع كل ما، ومَن، لا حول له ولا قوّة. في أبجديات الجمال والفضيلة والتحضّر، يحمي القويُّ الضعيفَ. لكن في ثقافة حَيِّنا: يستقوي القويُّ بقوته ويظلم، ثم يجد ما يفخر به، وهو لو تعلمون مدعاةٌ للخجل والتواري عن مرصاد الإنسانية النبيلة! خسارة يا أولاد حارتنا! لم تتقنوا بعد درسَ الإنسانية الذي سبقنا إليه الغربُ والبلاد العربية التي تنتهج الحضارة والترقّي! ننادي بالرحمة والتحضُّر مع مخلوقات الله، فتدعوننا: "كفّارًا"!! وما الكفرُ إلا القسوة والفظاظة التي تملأ قلوبَنا ومدوناتِنا وأفكارَنا؟! التحضّر والإنسانية والسموّ ليست في احترام "الآخر"؛ لأن القانون يحميه أو لأنه قويّ يحمي نفسَه بنفسه، بل يبدأ التحضر من رحمة مَن لا يملك ذراعين مفتولتين يدفع بهما الأذى عن نفسه، واحترام ما لا يحميه القانونُ الأعور، الذي لا يحمي ما لا يشكو مثل الطير والحيوان والنبات، والآثار والممتلكات العامة. كَم نحن بعيدون عن التحضّر والإنسانية والسموّ.
أُذكّركم بمقالي هنا بالمصري اليوم بعنوان "أولاد الوزّة"، بتاريخ الاثنين 18 أبريل 2016، وفي المقابل يُحكى عن إحدى العائلات المصريه المهاجرة إلى أمريكا، وقد فوجئت باستدعاء المحكمة، بتهمة اصطياد بط البحيرة، وذبحه. مَن الذي أبلغ؟ عمال النظافة إذ وجدوا الريش فى قمامتهم. جامعُ القمامة ليس بحاجة إلى قراءة وصايا المصري القديم عن رحمة الطير والحيوان ليترقّى، ولم يقرأ فلسفات النباتيين ليتحضّر، إنما تعلّم في طفولته أن للحيوان حقّ الحياة بكرامة، مادام لا يتقاطع مع جوعنا، ونحن في الأصل نباتيون، لأننا لا نمتلك أنيابًا معقوفة كالضواري.
“انظرْ إلى النافذة يا حبيبي!/ من أين جاءَ ذاك العصفورُ/ وتلك الشجرةُ/ وذاكَ المرجُ الأخضرُ/ واليماماتُ التي تُغطي أرضَ الميدانِ/ دون خوفٍ من أحذية العابرين!/ حيثُ اليماماتُ تجولُ في الطرقاتْ/ دون خوفٍ من دهْسِ المارّة/ ولا حصواتِ النِّبالْ.” من قصيدة "حفنة أرز" | ديوان "اسمي ليس صعبًا" دار الدار 2009.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة