الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرفة الكلاب مشهد روائي

سمير دربالي

2016 / 5 / 9
الادب والفن


..هناك غير بعيد - حيث هامت كروم التين الشوكي بغيمة خلّب واستحلبتْ ماء .. ونزّت نبتة الحلفاء من ظمإ حتى صارت كساء ..- ولدتُ. كزّتْ قدماي على الأرض فتعلمتُ المشي .. أصغيتُ الى كلّ دبيب الأرض وسواها ..ووعيتُ لغة الطير من رجع خيال ظل يرقب ان تزهر ريشةٌغضّةٌ على كتفي صغير مقعد ..
.. في تلك البقعة المنسية من الأرض أرهفت السمع لأبعد خيال ممكن.. تسلقت ذاكرة زهرة الصبار العالية ..قطفت نجوما كانت تسقط عن ظهر السماء بلا عدد .. واستقدحت النار من الحجر الصوان .
وهناك ازحت بيدي العتمة عن وجه التاريخ الكالح ..وتعلمت الصبر على الجرح . ..نركض انا واترابي نجمع حجارة بالالوان نصنفها ..هذا كبد ه ..هذا قلبه ..وهذه رئتاه ...وهذا دمه اذ سال ...يا سيدي.. يا علي ..يا قاطع رأس الغول ...
يقول فرج ولد صالح ..متحديا - كمن يمسك سرا عظيما من اسرار الكون ..-: دعكم من سخرية الحمقى . هل تعرفون لماذا سميت تلك البقعة بغرفة الكلاب .. ؟؟
[وفرج ولد صالح بوليس متقاعد عاد حديثا الى الدوار ..بعد ان امضى عقودا كثيرة في العاصمة ..لم يستطع التخلص من نزعته الامنية في النظر الى الاشياء ..ظل يبحث في الانساب والالقاب ويرتبها على نحو يرضيه ..ليعلن في كل مرة توصله الى اكتشاف امر ما .]
اهمس :
كنا نعيش على سجيتنا ..نعيش بلا اسئلة ..ولم نكن ننصب الافخاخ لنمسك هودج المعنى ..كنا نرتق المعنى كما نرتق نعالنا النيلون بحد السكين الساخن .كانت الاشياء تسير جنبا الى جنب بلا بلا حد فاصل ..بلا ظل ..في معنى واحد . .. ولا سبب لوجود الشعراء ..لم يترك الطير اذ يعلو و اذ يسقط من الاعلى مجازا يمكن ان يتكئوا عليه ليرتبوا فوضى الكلمات التى تصدح في القلب ....كانت الارض مكشوفة اكثر مما يكون ..وكانت السماء بلا اسقف ..ووراء ..
... وكنا صغارا متحدين بالارض الوعرة .
فما كان عجبا عندنا ان يكون لكلابنا غرفة ... نحن الذين لم نكن نعرف غير طعم الفقر والبيوت المصنوعة من التربة والقش لم نكن نهتم لأمر الجوع وللدغات البرد ووقع الشمس على الرأس ....
وهناك - في غيابك - سرحت بأغنام ابي وتتبعت الابقار ككل اندادي من ابناء الدوار.. نعود من المدرسة ..نترك جرابنا المحشوة بحروف مهدودة لكثرة المشي ..عند عتبة باب الحوش .. نقضم بعض الكسرة على عجل ونركض نحو غرفة الكلاب هازئين بالتعب وبالاقدار ....
ول ”فْرَجْ“ رؤية اخرى للاشياء وبعد اخر ..يقول :في ذلك الحوض العائم بلا ماء .. عاش جدنا الاول فْرجْ الذي انحدر منه عرش الفريجات ..وكان صاحب غنم كثيرة وخير وكانت أرضه تمتد على طول هذا الحوض .. وكان وحيدا بلا رجال وعُزوة يردون عنه لصوص الليل ..فاحتاج الى عون اخر .. فاستولد الجرو وراء الجرو حتى صارت قطيعا ..وخاف الاعداء ..
حين سألت ابي عن سر الاسم ..رجّح انه قد ماتت في تلك البقعة بضعة كلاب في احدى المرات حين الم بهم ”وهْفٌ“ .
اذكر حين كنت صغيرا ان ابي ايضا قد حمل في مشهد من الناس كلبنا الابيض الى تلك البقعة واطلق عليه النار- ببندقية الصيد التي جلبه معه من فرنسا - ..لأنه عض احد الجيران ...
اذكر انني فقدت غير بعيد عن تلك الغرفة كلبا اخر كان يسبح معنا في فسقية يتجمع فيها الماء بعد نزول الامطار ..فصدمته بلا رأفة سيارة وغد عابر ..
..اذكر ..كم يجب ان اذكر ..في تلك البقعة الان يتنادى كل السكارجية من اقصى اطراف البلدة ..يشعلون كوانين النار ..وتتصادح اقداحهم في الظلمة ..وحين تطول بهم القعدة تتعالى اصواتهم و يعوون ككلاب الغرفة ..و لا احد منهم يسأل عن سر الاسم ..فللاسماء كتب ٌمقدسة تحفظها من الضياع في مجرى التاريخ ....ولهم شوق كبير للنسيان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد