الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجمل من إله.

مختار سعد شحاته

2016 / 5 / 10
الادب والفن


-1-
يُحكي أني كنتُ فيما مضى،
من ألف عام..
حرًا..
فلما صرتُ عبدًا في أسر يومٍ اشتراني من سوق التواريخ المحفورة في الروح؛
وهبني للريح،
وللغيّم..
وطالبني أن أجالس موجةً حتى الصباح أحكي لها قصتي القديمة،
وأن أغزل طول النهار ما ينقضُه الليلُ من نسيج الحكاية..
وأحمل الرسائل في المغيب إلى الشمس التي قررت الإفطار مبكرًا جدًا مع شعاعها الأول الذي استفاق للتو، ويستعد أن يغادر نحو طرف الأرض الغارق في أفق البحر...
ألفُ عامٍ وعام أسيرُ نحو بلدتي البعيدة التي بدّلت ملامحها حين نحتوا أول تمثال لوجه أمي التي ماتت بعد ولادتي مباشرة، ووضعوه في متحف البلدة، حين رفض كاهن البلدة أن تكون أمي إلهًا للناس يعبدون...
يا بلدتي؛
أفٌ لكم، ولما تعبدون غير أمي...
أمي الإله ولو كانت بشر.

-2-
في ليلتين قبل ألفٍ مضافةٍ إلى السنين التي ماتت، سألتني الشمسُ:
- يا رجل، أتؤمن مثل الناس أنّ للكون إلهًإ ووجهه النور؟
فابتسمت،
كيف يا شمسُ تنسين وجه أمي؟
وهل من إلهٍ يوازيها نورًا حين تفرش ابتسامتها الطيبة في ساحة بيتنا في الصباح؟
راحت الشمس تصفرُّ،
وتحمرُّ،
الحقيقة أنها اجتهدت في إقناع قلبي أن للكون إلهًا غير أمي..
حكت الشمس، وقالت:
كان فيما مضى، من ألف ألف عامٍ عبدًا في جوار أميرةٍ يغني لها عن الحب،
والعشق،
وعن حكايات المجون التي يبدو في بطولتها ساذجًا للغاية،
ويبدو محبًا للحياة بحجم بحرٍ يحب سفينة القرصان الذي يجوب البحر مغتاظًا أن تقاليد مهنته تفرض عليه أن يرفع علمًا أسود اللون مدببًا في وسطه صورة جمجمةٍ لوجهٍ كان قبيحًا إلى حدٍ بغيضٍ...
سألته الأميرة:
- يا عبدي، أتؤمن مثل العبيد أنّ للجمال إلهًا يُشابهني؟
فابتسمت،
يا أيتها الأميرة، هل من جمال يشبه وجه أمي حين كانت تحكي لنا عن ليلتها الأولى كإله للجمال، ثم استوت على عرشها فوق ماء عيني؟

-3-
حين دخل الليل على عادته الرجيمة وغافلني كما يليق بأسير كان مثلي من آلاف السنين حرًا،
أراني امرأة تعرت عن شواغلها،
وراحت تصلي...
وتدعو في جوف حكايتها للغائبين بأن يعودوا،
وألا يأكلهم دود الأرض،
راحت تبكي وتشكو إلى نول النسيج، وتخبره عن طزاجة القلب الذي دفنته، وعن الأحلام التي نبتت فيه، ولم يمهلها الوقت أن تثمر البرتقال الصيفي...
أدارت في السكون قرصًا مدمجًا يحمل صورة القلب وصوته حين كانت تتمنى له عامًا جديدًا سعيدًا، وتعدُ الثواني ليبدأ عامها الخامس عشر بعد ألف أمنيةٍ وقبلة...
طالعتها صورتها تطوّق عامها الجديد، حين انساب الليل قريبًا من خصلة شعر تغازل وجهها القمحيّ حين كان يطفيء شمعةً للبدايات البريئة في وسط كيكتها ومشروبها الغازي يراقص فقعاته الجريئة التي طارت نحو جبهتها التي يمر بها الربيع كل عام...
وحين انتهت من صلاتها، سألتني:
- يا أنت، أتؤمن مثل كل الناس أن هناك إلهًا يحمي أحبتنا من الدود الشره؟
فابتسمت،
ورحت أنقش في شاشتها قلب أمي، وكيف يحمي المؤمنين بها من دود القبور، ويبقي على طزاجة القلوب...
فتثمر أشجار البرتقال الصيفي،
وتبقى الابتسامات؛ فلا نموتُ.

مختار سعد شحاته.
bo mima
روائي وباحث أدبي.
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف