الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في -وحيد القرن- الحب يخلص الإنسان من حيوانيته

سماح عادل

2016 / 5 / 10
الادب والفن


كتبت: سماح عادل
رواية "وحيد القرن" للكاتب أحمد عادل القضابي تصور مأساة البطل في واقع يدفعه منذ ولادته إلى أن يتماهي مع حيوانيته ويحبها، ويبحث عن إنسانيته ليجدها في الحب.
البطل:
البطل مهزوم ومغترب يشعر طوال الرواية بالوحدة والملل واللاجدوي، أسماه المؤلف "وحيد" ليكون الاسم رمزا مباشرا على أزمة البطل، والبطل متماهي نفسيا مع حيوان "وحيد القرن" لأنه يراه حيوانا معزولا رغم أنه يعيش في قطيع، وربما يكون المؤلف قد اختاره ليكون مناسبا مع اسم البطل، لكنه يقدم مبررات عدة لتماهي البطل مع هذا الحيوان.
السرد:
السرد متنوع ما بين يوميات قصيرة يكتبها البطل ليصف حاله بشكل يومي، وهذه اليوميات إما ترقب للأحداث أو تعبير عن تقلبات حالة البطل المزاجية، أو جمل مبهمة يقصد بها البطل معاني ما مثل انزعاجه من أن ساعته تقدم في الوقت عن باقي الساعات، واعتبر ذلك استباقا للأحداث من جانبه ولو بشكل لا واعي، يعنون الكاتب هذا الجزء من السرد بتاريخ اليوم، وهناك سرد لراوي يتكلم عن البطل"وحيد" بصيغة الغائب ويصف دوما مشاعره الداخلية تجاه الأحداث، ويهمش باقي الأبطال لصالح البطل الرئيسي وينقل دوما وجهة نظر البطل عن باقي الشخصيات ولا يترك لها حرية الحركة والتعبير عن نفسها ويعنون هذا الجزء من السرد بحسب الفكرة السائدة عليه مثل " الخصوصية- الوحدة...".
كما أن هناك سرد يتخلل سرد الراوي واليوميات يحكي عن حيوان وحيد القرن، يصور معاناة قائد القطيع مع تفاصيل حياته الرتيبة وعلاقاته بباقي أفراد القطيع، وهزيمته لذكر آخر قرر ألا يكتفي بأنثى واحدة وأن يسطو على أنثى أخرى، والتي هي من نصيب القائد الذي يحتفظ بنفسه لباقي الإناث اللاتي ليس لهن ذكر، لينتهي الصراع بخذلان هذا الذكر من قبل قائد القطيع الذي هزمه، واستسلامه للاصطياد ليعيش في حديقة الحيوان بالجيزة أيام حبس كئيبة، ثم ينتهي هذا الجزء من السرد بعودة وحيد القرن المهزوم دون أن يوضح الراوي كيف حدث ذلك، وبموت قائد القطيع على يد تمساح وسط عزوف باقي القطيع عنه والتفافهم حول وحيد القرن المهزوم، طال السرد في هذا الجزء من دون مبرر منطقي سوى اعتراف البطل في نهاية الرواية أنه يشعر أنه حيوان وحيد القرن لكن لم نفهم أيهم البطل أم المهزوم ، ولم يكن المؤلف واضحا في ربط الأحداث الخاصة بوحيدي القرن وبين الأحداث الخاصة بالبطل، وربما اعتمد على اجتهاد القارئ في الربط بين الأحداث .
وهناك رواية يحاول البطل طوال الوقت كتابتها عن شخصية نسائية ينشغل بها، يضيف إليها ويعدل، ثم يكتبها بشكل مختلف مرة أخرى ثم يعود للشكل القديم، حاول البطل فيها تخيل حياة الفتاة التي تدعى نجلاء، والتي كانت لغزا يشغله طوال الرواية، مرة يتخيلها عاهرة في شكل أسطوري يصور فيه الجنس ممارسة مقدسة في معبد متخيل لإلهة اسمها "زندا"، ثم يتراجع عن هذا التصور ليتصورها فتاة وحيدة مهزومة محبطة مثله، وتخبطها يتجلى في تنقلها بين الرجال في علاقات سطحية ومشوهة لا تشبعها ولا ترضيها، كما جعلها تتماهي مثله مع حيوان، وكان حيوانها هذه المرة هو الحصان الذي تحلم به في أحلامها، وفي الحياة الواقعية تشعر بأحاسيس فرحة عندما تمتطيه.
كان البطل قاصرا في تصور مشاعر البطلة "سعاد" في روايته المتخيلة والتي كانت هي "نجلاء" بطلته في حياته، لم يستطع تصور أحداث حياتها ولا تخيل مشاعرها الحقيقية تجاه الحياة، واعترف بذلك كما أنه لم يستطع أن يصارحها بأمر الرواية أو يجرؤ على سؤالها عن أحداث حياتها التي كان مولعا بها، والتي كانت في معظمها تدور حول علاقاتها بالرجال، وكأن حياة المرأة بالنسبة له تكمن فقط في علاقاتها بالرجل، وفي النهاية رأي أن سعاد لن تستطع أن تكون سعيدة إلا عندما تجد الحب الحقيقي، كما اقر بذلك في نهاية روايته وهو أن مخرج وحيد من أزمته الوجودية تكمن في حصوله على حب حقيقي يخرجه من كيانه الحيواني الذي يتماهي معه ليصبح إنسانا.
كما أن هناك مسرحية كتبها وحيد البطل الرئيسي مع نجلاء الشخصية الثانية التي لا ترقي لتكون بطلة لأنها دوما يتم الحكي عنها من خلال عيون البطل وتلصصه عليها، أو مكالمته الهاتفية معاها وانطباعاته عنها، ولم يترك لها الراوي مساحة خاصة لتعبر عن نفسها، في المسرحية قرر وحيد أن يشارك نجلاء فيها ويتركها تعبر عن نفسها،و مع ذلك فرض وجهة نظره عليها، والتي في رأيي لا تخلو من عنصرية ضد المرأة والتي في الواقع تمتلئ بها الرواية، فالمسرحية تدور بين بطلين "هو وهي" ينتظران السيد لكي يساعدهما في اكتشاف أنفسهما لكنه لا يأتي أبدا ، ويقترب "هو وهي" من بعضهما ويحاولان مساعدة واحدهما الآخر في إيجاد نفسه، ويرى "هو" أن "هي" لا تصلح أن تكون سيدا لأنها امرأة كما أنها لا تصلح أن تدله على ذاته لأنها في النهاية امرأة وهي كائن جبان، ويكمن تميزها في جبنها لا في رقتها أو أنوثتها، ويجعل الراوي "هو" ينتصر في وجهة نظره على "هي" حين يوهمها أنه يموت وتنهار "هي" وتبكي، ويعتبر أن ذلك مساعدة منه لها في اكتشاف ذاتها الضعيفة والجبانة وتوافق "هي" على ذلك، وتمتن له على أنه كشف لها ذاتها، ولا تجرؤ على أن تدعي أنها تستطيع مساعدته على كشف ذاته وإنما تساعده بان تنتظره حتى يكتشف نفسه ويكون هذا هو الفعل الايجابي الذي ستقوم بهم كشريكة له وكامرأة يتمناها.
زمن الرواية:
بدأ السرد بطيئا ودار منذ بداية هذا القرن في يناير 2000 واستمر حوالي ستة أشهر كان الراوي يحكي فيه بشكل شبه يومي عن البطل ومعاناته وأزماته الوجودية وفقدان إحساسه بذاته، وعن تفاعلاته مع باقي الشخصيات، وفي رأيي طال التمهيد وتكررت الأحداث كأنها تدور في دوائر، ولم يحدث تصاعد للأحداث إلا في نهاية الرواية وفي عدد قليل من الصفحات رغم أن الرواية طويلة نسبيا فهي تتكون من 317 صفحة من القطع الصغير.
بدأ وحيد يتكلم عن حصول سعاد - بطلة رواية البطل الرئيسي وحيد- في الصفحة 284 على الحب والذي هو المخرج لأزمتها وأزمته هو أيضا وفقا لمعتقداته.. بينما هو البطل لم تحل أزمته إلا في الصفحة 316 حيث تعانق مع نجلاء وقبلها، وكنت أتمنى كقارئ أن يوضح أكثر كيف أن الحب أخرجه من أزمته وساعده في أن يجد ذاته التائهة بمزيد من التفاصيل.
الشخصيات:
تمحورت الرواية حول بطل رئيسي هو "وحيد" طالب في إحدى الجامعات في الفرقة الثالثة، أي ووفقا للتخمين هو بطل في بداية العشرينات، وباقي الشخصيات كانت ثانوية ومقدمة من خلال وجهة نظر البطل بدءا من نجلاء التي أحبها البطل في النهاية وكانت مخرجه، مرورا بإلهام وسها وعطوة والذي اعتبرهم البطل قطيعه، الذي يمارس بينهم حيوانيته، فيوهم سها بأنه يحبها ويستهزئ في داخله برغبتها في الزواج ويعتبر الزواج وسيلة منها لاصطياده وإدخاله قفص عبوديته، ويتعالي على غيرة إلهام من صديقتها المقربة سها لكنه لا يتورع عن معاشرتها جنسيا وإفقادها عذريتها، رغم أنه لا يحبها ويحتقر تلونها وتعددية علاقتها بالذكور، ولا يدين نفسه في مناجاته الداخلية وإنما يرجع تصرفاته لتخبطه في تصوراته عن المرأة، لكنه يتهمها هي بالشر، رغم انه هو أيضا يخفي أمر علاقته بإلهام عن عطوة صديقها.
كما يتعالي عن هذا القطيع ويتندر على فقدان الخصوصية الذي يعيشون فيه ويعتبر أن فقدان الخصوصية راجع إلي أسباب سياسية، حيت رأي وحيد أن الجيل الذي ولد أواخر السبعينات وبداية الثمانيات جيل ضائع، حمل في جيناته الوراثية خطايا الانفتاح والتطبيع مع إسرائيل وفقدان البلد خصوصيتها، وأصبح جيلا ملعونا ،لكنه مع ذلك لم يتعمق كثيرا في هذه الفكرة، وإنما عرضها بشكل سطحي ومن باب عرض معلومات تاريخية لا أكثر.
وهناك أبطال آخرون تتناقص مساحاتهم كآمال وحمدي وكيرلوس ومصطفي وهادي ومحمد وعم البطل واخته وزوجها، لم تتبلور شخصياتهم وإنما كانت اقرب إلى الأفكار في ذهن البطل أو كمحركين لأزمته الوجودية،كما اقحم الكاتب عرض تاريخي لجماعة الإخوان المسلمين من دون مبرر درامي لذلك.
الرواية صادرة مؤخرا عن دار ابن رشد، للكاتب المصري أحمد عادل القضابي، وله عدة مؤلفات منها" سيرة العارف الأبله" مجموعة قصصية و" لن تدرك ســري" روايــــة و" قفص لكل الطيور" مسرحية و "الدرامي مؤلف الحكايات" رواية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح