الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر علاء احمد ، تتجلى معانيه بصور المفارقة

وجدان عبدالعزيز

2016 / 5 / 10
الادب والفن


الشعر يقوم وينهض بمهماته الباحثة عن الحقيقة من خلال الانحرافات اللغوية التي تتجاوز ماهو متواضع عليه والمفارقات كجوهر في الأدب، فالمفارقة وظيفتها النهائية تقوم على الصراع بين الذات والموضوع، الخارج والداخل، الحياة والموت، المتصور والمألوف، الفاني والأزلي، كل هذه المفارقات يقدمها الشعر والادب على طبق من الانحرافات اللغوية ، وتعتبر المفارقة ضرورة من ضروريات البناء، وليس ترفاً أو تضليلاً للقارئ، ذلك أن طبيعة الحياة التي نعيشها تستلزم مثل هذه الأنماط التعبيرية، والمقصود بطبيعة الحياة تعدد الاحتمالات وكثرة المتناقضات، وتصالح الأضداد، وصراع المتشابهات، وفقدان خيط السببية .. (لقد وظف الشعراء الكبار من الغربيين المفارقة في شعرهم، أمثال شكسبير، واليوت، وبايرن وتوماس مان وبوب وكري وشيلى وفيليب سدني وغيرهم بالمئات، حتى لم تسلم قصيدة من قصائدهم إلا وضربت بطرف من أطراف المفارقة. كما وجدنا أن الشعر العربي قديمه وحديثه، اعتمد في بناء نسيجه على عنصر المفارقة وأن أغلب القصائد الشهيرة في الشعر العربي تعتمد في شعريتها وبنائها اللساني على المفارقة وعمودها الفقري التضاد. سواء أكانت مفارقتها لفظية أوسياقية. بل أكثر من ذلك أننا نجد أن الشعراء الغربيين الذين اتصف شعرهم بالهجوم المباشر والبساطة في التركيب، وهما مظهران لا يصبان مباشرة في جوهر المفارقة، بنيت قصائدهم المشهورة على عنصر المفارقة، وخاصة المفارقة السياقية، كما هوالحال مع الشاعر الإنكليزي وردز ورث.)، وامامي ديوان (سلة الدود الوطني) للشاعر علاء احمد اتخذ من المفارقة مطية له في محاولة ايجاد دالة تتخفى بين اسطر قصائد الديوان ، وتحتاج لذهنية متدربة في اكتشافها ، بسبب استخدام تقانات في التشكيل مأخوذة من الفنون الاخرى ، لتغطية متطلبات المواصلة لما هو يومي في الحياة ، واصبح لامناص منه في استخدامه شعريا وقراءته من خلال الصور الشعرية .. ومن هذه التقانات الترقيم والفراغات التي عج بها الديوان .. وكما حدث في قصيدة (جامع العصافير) ، حيث يقول الشاعر علاء احمد :

(قبل يوم

اشتريت ساعة من سوق التعاسة

موقوتة بالحزن )
وهنا اصبحنا امام لوحة ، حاول الشاعر رسم مفارقاته عليها ، بحيث اصبحت تثير الدهشة والحيرة في آن معا ، كون المعنى تنقل بين هذه المقاطع وراح يتصاعدة ، ويتكور في صور مختلفة .. (قبل يوم /كتاب اليقظة كان معي /فاين كتاب اليأس ؟) وهكذا دواليك ، وهذا التشظي بالصور يعكس حالات نفسية كثيرة تعتري الشاعر ، وتجعله غير قار ، تتصاعد في داخله الانفعالات ، وهكذا سيبقى الشعر تتعدد رؤاه بتعدد رؤى شعراؤه والواقع المحيط بافرازاته التي تحاول محاصرة الشعراء، لكن في دواخل الشعراء طاقات تحاول التفوق على سطوة هذا الواقع، ليكون المبدع أي الشاعر بمثابة التفاعل الوسطي بين العمل المنجز والعمل الخام بكل مواده والمستمدة اكثرها من اثار الواقع . التي قد تتداخل فيها نصوص سابقة وتجارب مختلفة لذوات أخرى ، لأن الرسالة الشعرية موجهة الى أكثر من مرسل اليه، لهذا فالشاعر مجبر لاختيار لغة مغايرة بكلمات انشطارية لتصيب اكثر من معنى، وتحمل اكثر من تأويل، ولهذا فـ (ان القصيدة الجديدة تحررت على صعيد تشكيل خطابها المستقبلي من احتلال وسطوة اللاوعي المجرد القائم على الانفعال البدائي، واصبحت خاضعة في مرحلة مهمة من مراحل انجازها الى الوعي بشكله المعتمد على الحرية والمتفاعل جدليا مع اللاوعي، تلك الحرية القصوى التي تخضع للجهد والتنظيم الخفي، الذي لايحصل بمنأى عن رؤيا الذات الشاعرة وحداثة مختبر المخيلة فيها)ص10 تمظهرات، فاختلاط الوعي باللاوعي يعطي للشاعر حرية اضافية لحضور القصدية في طرح الرؤى والافكار .. ويبقى الشاعر علاء في بحث مستمر عن صور شعرية ايصالية تترافق مع معنى يتخفى بين اسطره ، كقوله :

(قبل يوم فقط
أسست لحظة
وشيئا من كتب الإضطرابْ ..
قبل يوم
كان في يد القتيل زهرة ..
وفي يدي
ينتحب الحزن
بالاغترابْ .)

هذا القلق الانفعالي الذي يجمع بين الزهرة والقتيل وبين الحزن والاغتراب ووجع العصافير فـ(الغابة فارغة/ والعصافير غادرتْ/ مزهرية الحلم ..) ، الا ان كل هذا يستفزه الشاعر بقوله :
(عندما داهمني الحنين في لمحة انتظار ...
كانت اللحظة محض بيان ثوري
وعلى باب المطار المطلّ على زوبعتي ...
ساحليّ أنا
لا أجيد إلاّ السباحة والقبلات الحارّة ...
غير أنّ البداية
كانت تعرّفني عند لحظتي
وأنا أتوسّلُ الحقائب
بإسعافي ...)

وهو اعجاب من ثلاثة اعجابات كونت قصيدة لاتبتعد كثيرا عن اجواء الديوان والمزدحمة بالمفارقات والقلق والانفعالات ، فـ(السواعد السمراء ،/تسافر نحو ابجدية الأوطان ،/والسعي للمظلوم ،/والبحث عن مدينة ...) ، اذن البحث الموضوعة الرئيسية التي تنسجم مع اجواء ديوان (سلة الدود الوطني) ، وتبقى الصورة هي التي تتحكم في مسارات المعنى ، فالصورة تستعمل(للدلالة على كل ما له صله بالتعبيرالحسي وتطلق أحيانا مرادفه للاستعمال الاستعاري للكلمات… يقول د.رجاء عيد : (الصورة الشعرية هي التي تتخطى حدود الاشياء ، وتكمن في عصب النفس محاولة القبض الشعري على حقائق الاشياء المستترة في اعماق النفس) ، ويقول روستريفور هاملتون : (هي تشكل اهمية كبرى في التجربة ذاتها) ، اذن الصورة تقرب الممكن واللاممكن وايجاد مسوغات لادراك الحلم .. ومثالنا كل مساحات الديوان الشعرية وصولا الى قصيدة (علاقات معكوسة) المتناصة مع فلسفة ارسطو ، حيث يقول الشاعر :

(اتجوّل بين حروفها تارة
وتارة أعلن للمرآة وجودي ..
المرآة
خير دليل على حضور وجهي
وبين الجميع ...)

ثم يصل الشاعر الى القصدية من عنونة ديوانه (سلة الدود الوطني) في قصيدته (مصافحة) ....

(أنا وأنتِ ،
وهذا الفضاء بيننا ،
يحتوينا ...
للقميص ألف شهيد ،
نرتدي واحة الحزن ..
جائني نبيٌّ ،
يصافحني ليلا ..
يخبرني عن أهل العراق ..
للعراق ألف هاوية للحزن ،
وألف زقورة لقياس بدلات الموت عند الوفاة ...
.
للعراق :

منافذ فقدناها بساحات المعارك الفاشلة ..
أكواخ الأحباب ،
منخورة السقوف ، وجدرانها الباردة ...)

ويبقى الشاعر علاء احمد باحث بين حقائق ممكنة واخرى لاممكنة تتخفى بين الاسطر كما اسلفنا سابقا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو