الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقراء يتضامون ... ويتبرعون أيضاً

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2016 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لم يغادرني أو يجافيني الأمل والثقة للحظة بعامة الناس أصحاب المصلحة الحقيقية في القضاء على القتل والفساد والقمع والكراهية وغيرها من المثالب المؤلمة والمخجلة والمثيرة للسخط، هذا على الرغم من إطلاعي على دقائق محيرة تعكس تدهور حالتنا الوطنية وعياً وسلوكاً على أكثر من صعيد، وفي أكثر من طرف وحالة.

وقد لا يصدق كثيرون ـ طبعاً ليس بسوء نية ـ بسبب المأسي الطافية الأن على سطح الحياة العامة، أن في أعماق المجتمع العراقي المغمورة عميقاً توجد حالات من التضامن النبيل المكبوت العابر للطائفية والعرقية وغيرهما من العصبيات المشوهة، ولكن ضوءها قد يغيب أمام قباحات أعمال وسلوك الجهات المتقابلة في معركتها الأنانية للغاية.

إن أجمل الأفعال الإنسانية يكون دورها أعمق وأكثر جمالاً حين تصل الى أنظار ومسامع الناس، فمثلاً حين وقع التفجير المشؤوم الأخير في السماوة وشعرت به الحويجة، وحين جاعت عائلة في الفلوجة وحزنت عليها عائلة أخرى في المشخاب، حين تكون دهوك وجهة محببة لأهل العمارة، وحين يشعر جميع العراقيين أن بغداد عاصمتهم بحق يدخلونها آمنين ودون كفيل، عند ذاك نكون جميعاً في بداية طرق الخير والخلاص. وهنا الحديث في هذه المرحلة يتعلق بشعور المواطن الفرد قبل أن يتشكل الموقف إجتماعياً. إن أعداء العراق في الداخل والخرج حوّلوه الى وطن لا تتوفر فيه فرص للمحبة والتآزر، أو على الأقل سعوا في ذلك الإتجاه، وإن العمل الأكثر وفرة هو للبنادق المؤجرة ضد الآخر.

ليس الحديث هنا وعظاً، وإنما يتوقف عند محركات ملموسة في حياتنا اليومية، ولكنها فعالة نحو الأهداف الكبرى، لا أتحدث عن الحلول الجذرية الآن، حيث لا توجد قوة واحدة حالياً تحمل تلك الصفة، والأسباب ذلك غير خافية. أما الشروط الأخرى للتحولات الجذرية فهي قائمة، ومنها: تشتت قوى الطغمة المتنفذة، وتعمق عزلتها شعبياً، وإرتخاء قبضتها على السلطة، وتراجع مواردها المالية والإقتصادية ... الخ.

خذوا الإعلام السائد أنه مجرد بوق تأليب على الطرف الوطني الآخر، أعني على سبيل المثال، التأليب على الشعب الكردي، وليس توجيه الخطاب الى القوى القومية الكردية المعنية في قضية محددة وملموسة، أو إتهام الشيعة وليس المليشيات الطائفية، أو إتهام السنة وليس داعش وأخواتها، وهذا يشمل كل الفئات الإجتماعية الأخرى في العراق.

وخذوا أيضاً حوادث التفجيرات الإجرامية في الأحياء البغدادية الفقيرة، لا نجد إلا عبارة واحدة وبائسة فقدت معناها والثقة بها خلال سنوات عجاف مرت علينا جميعاً، وبعد كل تفجير إجرامي، يقولون: تم إكتشاف مفخخة أخرى وأبطل مفعولها. هذا الى جانب ذكر عدد الضحايا كرقم مجرد. هل رأيتم يوماً تفاصيل عن الضحايا؟ هل نُشرت أحاديث ومقابلات مع عوائل الضحايا؟ لتعميق الإحساس بالجرح الوطني عند كل وطني يملك أحساساً إنسانياً، وعدم التعامل مع الدم العراقي المسفوك كأرخص ما يكون. وكذا الحال عن إنتهاكات المليشيات المدعومة حكومياً أو من جهات ذات نفوذ، لا يجوز إتهام أية تشكيلة أجتماعية عراقية بجرائم عناصر منها دون تسمية الطرف المعني على وجه الدقة، لأن ذلك يعني وضع المزيد من الوقود في الآلة العتية لمبدأ فرق تسد.

لنتذكر من تجاربنا الخاصة، حين رفع العراقيون شعار السلم في كردستان أدى ذلك الى تعميق الوحدة الوطنية على الرغم من القصف الحكومي، واليوم كل مدينة عراقية تشعر بالحاجة الملحة لتضامن المدن العراقية الأخرى معها، وبذلك نصون الوطن على الرغم من وجود حكومات فاسدة، وربما هذا الموقف يفتح أبواباً جديدة للأمل بما هو أعمق.

قرأ المناضل العمالي المعروف آرا خاجادور نداءً عاجلاً صادراً عن رابطة المرأة العراقية/ فرع هولندا، جاء في نص النداء ما يدعو الى لفت: "الإنتباه الى العوائل النازحة من هيت، هرباً من شدة القصف، فهي تعيش في ظل ظروف غاية في الصعوبة وهم اليوم بأمس الحاجة الى الاغاثة العاجلة، وتوفير أماكن آمنة لهم بدلاً من الصحراء التي لجأ إليها العديد من العوائل، إن أوضاع النازحين المأساوية ـ يقول البيان ـ تفرض علينا تحركاً عاجلاً من أجل تقديم العون من خلال جمع التبرعات، وذلك للمساهمة في التخفيف ولو جزئياً عن معاناتهم، ومساعدة المنظمات الإنسانية في المنطقة وتمكينها من القيام بعملها من توزيع الغذاء والدواء ومستلزمات العيش الأخرى ولو جزئياً لحين عودة العوائل النازحة الى بيوتها بعد إكتمال التحرير، وعودة الأمن والإستقرار اليها. للتبرع رجاءً على رقم الحساب البنكي للرابطة في هولندا.": NL19 INGB 0004444315.

وجدت في تلك الدعوة مبادرة تستحق التقدير بمضمونها الوطني والإنساني، وكذلك في إستجابة الصديق آرا خاجادو عليها، حيث صمم هذا المناضل التاريخي، الذي لا يملك من حطام هذه الدنيا شيئاً، على أن يساهم في حملة فرع رابطة المرأة العراقية، تلك الحملة التي لم نشهد الكثير من نوعها في العقود الأخيرة من تاريخ البلاد. وطلب من أخيه أغوان الذي يساعده بين فترة وأخرى بما يتيسر لديه، وهو أي أغوان ليس أوفر حظاً من أخيه بكثير، بأن يحوّل المساعدة البسيطة التي يرسلها إليه هذه المرة الى الرابطة في هولندا.

إنها إلتفاتة نبيلة من منظمة إجتماعية عراقية عريقة في ديار الغربة، ومن مناضل تجاور التسعين من عمره، قضى أكثر سبعة عقود منها في النضال الوطني من أجل خدمة الفقراء والكادحين وبناء مستقبل كريم لهم، رافعاً علم وطن حر وشعب سعيد. إنها إلتفاتة غنية بمضمونها، تقول: إن كل بيت عراقي هو بيتي، وكل جائع عراقي هو أنا، وحين نعجز عن الإنقاذ المادي الملموس، ويكون لنا في ذلك عذر حقيقي لضيق ذات اليد على سبيل المثال، فلا عذر في حالة عدم الإحساس بألم شريكي في الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتدي ضربا على مسيرة مؤيدة لفلسطين في فلوريدا


.. كيف تحايل ترمب على قرار حظر النشر في قضية شراء الصمت ؟




.. حركة نزوح عكسية للغزيين من رفح.. 30 ألفا يغادرون يوميا منذ ا


.. جذب الناخبين -غير المهتمين-.. مهمة يسعى لها كل من ترمب وبايد




.. العملات المشفرة.. سلاح جديد لترمب لجذب الناخبين -غير المهتمي