الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح الفاشية العربية ..أنظمة ومنظمات

رياض حسن محرم

2016 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


مثلت بعض أنظمة الحكم العربية نموذجاً لفاشية ضيقة من حيث العصبية، واحتفظت بالدلالة الرمزية للزعيم الملهم كلي القدرة الذى لا يأتيه الباطل، وتحول مرجعاً للسلوك والانتماء للوطن، فمعيار الانتماء هنا وقف على الخضوع للقائد الرمز، سيد الوطن الزعيم الأوحد والخالد الأول في كل شيء، الذي قوله الفصل، والذي يفتدى بالروح وبالدم، وفى الجانب الآخر بعيدا عن نظم الحكم تظهر الفاشية العربية الآن في صورة الحركات العنفية التي تستند الى مرجعية أصولية دينية، لأفرادها لباس موحد، يظهر القوة والعنف، رافعة الرايات السوداء عليها لفظ الشهادة، وأصوات الرجال بالحداء تعزز العصبية وتسندها، والخليفة يرمز الى المركزيه المطلقة، عشّاق دم لا يشبعون، القتال بالنسبة لهم ليس كرها كما يقول القرآن ولكنه غاية سادية للقتل والسبى والتدمير.
معظم الأيديولجيات الشمولية "التوتاليرية" نشأت فى أوروبا وأبرزها الفاشية بتنوع أشكالها، ظهرت الى العلن فى ثلاثينيات القرن الماضى من فرانكو فى أسبانيا الى موسيلينى فى إيطاليا والنازى فى ألمانيا وسلازر بالبرتغال، وتمثلت تلك الظاهرة خارج القارة بالنظام الإمبراطورى اليابانى، وتميزت كل تلك التجارب بخصائص أساسية الأولى الإيمان المطلق بالنظام الرأسمالى "رغم أن بعضها كان يحمل كلمة الإشتراكية على رأس حزبه" بما فى ذلك الرأسمالية الإحتكارية ذات الطابع الإمبريالى، والثانية هى العداء المطلق للديموقراطية بوصفها تقف حائلا أمام تعارض الخضوع لمتطلبات الانضباط الجماعي وسلطة القائد الأعلى، والعداء المطلق والعنيف للشيوعية و اليسار بوجه عام يضاف الى ذلك بالطبع الموقف الإستعلائى المذدرى لبقية الشعوب والأجناس، كما تحمل ذلك الخطاب الديماجوجى الغوغائى ذو الطابع القومى المتطرف عن الأمة المتفوقة ذات العنصر والعرق الخاص النقى المتميزة عن غيرها من الأمم والشعوب وإعلاء عبادة القائد والطاعة العمياء فى المنشط والمكره، والاقتناع البالغ بالأفكار الأسطورية الزائفة ـ العرقية أو الدينيةـ التي تنشر التعصب، وتجنيد الميليشيات "الشعب المقاتل" والبلطجية لأعمال العنف مع المبالغة فى الإهتمام بالقوة العسكرية وتجييش الشعب وإفتعال أعداء خارجيين وهميين مع إفتعال تعرض الدولة لمؤامرات مستمرة من الداخل والخارج وإستدعاء مجد غابر وحضارة مندثرة تحقق نبوءات الأنبياء والفلاسفة .
إن الحديث عن أنظمة فاشية عربية لا يعنى بالضرورة العودة الى نفس الشكل القديم الذى نشأ فى أوروبا بين الحربين ولكن المقصود هنا وجود نظم إستبدادية قمعية معادية للديموقراطية والحريات رغم عدم اكتمال باقي العناصر التي يمكن بها وصف نظام سياسي ما بالفاشية، كما أن وجود تيجان الأعمدة الرومانية في الكنائس والمساجد لا يعني أنها تنتمى الى ذلك العصر، أن الفاشية والأصولية وبالتالي التوتاليتارية ليست شيئًا واحدًا وإنما رغم انبعاثها من جذور متقاربة فإن العناصر الأساسية المنتجة للأصولية تختلف عن تلك المنتجة للفاشية وقد تنجح الفاشية مع تفكيكها للمجتمع في شراء الجماهير، حتى ليبدو أنها ديكتاتورية في خدمة الشعب ، إنها محاولة خلق تطابق في الدولة الشمولية بين القومية والدولة والفرد والمجتمع فتُنتج عنصر العرق وتفوقه والشعب المختار وسمو الفرد السوبرمان وصولا إلى تمجيد الجماعة والأمة، وقد تزامن نشاط الجمعيات والقوى السياسية المتطرفة فى ثلاثينات القرن الماضى فى الدول العربية مع صعود الفاشية والنازية فى أوربا وإتخذت لنفسها مسميات وألوان مختلفة فتكونت القمصان الخضر والزرق والسوداء ذات الطابع الدينى والوطنى وخططت لإغتيالات مسؤولين حكوميين وزعماء معارضة وتسمت فى أغلبها بتسميات راديكالية كمصر الفتاة "تشبها بتركيا الفتاة" وغيرها، حتى القصر دخل الى اللعبة وأسس الملك فاروق منظمة الحرس الحديدى برئاسة طبيبه الخاص "يوسف رشاد" التى خططت لمجموعة من الإغتيالات من بينها محاولة إغتيال النحاس والسردار وأمين عثمان "تلك القضية التى أتهم فيها أنور السادات الذى كان عضوا فى الحرس الحديدى وقتها"، وبلغ الحماس الشعبى المعادى للإنجليز "عدو عدوى صديقى" أن خرجت المظاهرات بالقاهرة تستحث روميل على التقدم.
فى الجانب المقابل إستطاعت بعض الأيدلوجيات والتنظيمات ذات البعد القومى المتجذر أن تصل الى السلطة عن طريق الإنقلابات "فى الأغلب"، لذا يمكن أعتبار الأنظمة العربية القومية ذات الطابع الراديكالى أن لها ملامح فاشية سواء إستندت الى أحزاب كالنظامين البعثيين فى دمشق وبغداد أو إعتمدت على القائد الفرد كنظام القذافى فى ليبيا، كما يمكن إعتبار النظام الناصرى فى كثير من تجلياته وإعتماده على الديموجاجية الشعبوية شكلا رديفا للفاشية محاطا بكثير من الإعلاميين والفنانين الذين ضلعوا فى صنع تلك الصورة " قول ما بدالك إحنا رجالك"، كما يمكن إعتبار الوضع السياسى الراهن ممهدا لتلك الصيغة فى الحكم، ساعد على ذلك غياب القيادة الثورية أو الحزب الطليعى الجماهيرى وغياب الرمز الجماهيرى القوى الذى يتمتع بشعبية واسعة ما سمح لسرعة إنقياد تلك الجماهير لشخص وعدهم بتحفيق الأمن ومواجهة الإرهاب وإعادة مجد مصر القديم لتصبح قد الدنيا، يذكرنى ذلك بما كتبه كارل ماركس فى كتيبه "الثامن عشر من برومير" متحدثا عن لويس بوتابرت "حفيد نابليون" (بعد أن عاد النظام الإمبراطورى الى الحكم فى فرنسا فى أعقاب ثورتها العظمى فى 1798) حيث يقول عنه "رجل متوسط الذكاء متوسط الموهبة، سقطت على كتفيه عباءة فرنسا".
للأسف فقد كرّست تلك الأنظمة للشمولية والاستبداد والفساد، على حساب قيم الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة. بالإضافة لعدم كفاءة وفاعلية أجهزة ومؤسسات الدولة بها سوى الأجهزة الأمنية فى تجسسها على المواطن وتسجيل المكالمات وتلفيق التهم ناهيك عن التعذيب والغياب القسرى وجميع وسائل القهر والتهميش، وفوق كل ذلك كانت جميعها تختبئ خلف شعار إستعادة فلسطين وتحرير بيت المقدس لتنتهى القصة بتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة