الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفاوضات الأخيرة لحكومة الجمهورية الريفية من أجل الاستقلال

القجيري محمد

2016 / 5 / 11
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


حيثيات مفاوضات وجدة التي جمعت في آن واحد وفد الاستعمار الفرنسي بوفد الاستعمار الاسباني في مواجهة الوفد الوطني الريفي جاءت بعد التحركات المكثفة للدبلوماسية الوطنية الريفية على مستوى المنتظم الدولي بما كان التأييد السياسي العالمي قائما لحكومة الريف؛ كحكومة شرعية وحيدة ممثلة عن الشعب الريفي. وفي الوقت بالذات الذي كان فيه أصدقاء الريف يقومون بتنظيم دعاية كبرى في عدد من البلدان الأوربية تدعو لاستقلال الريف والاعتراف العالمي بالسلطة الريفية القائمة بما سعوا كذلك من داخل عصبة الأمم لمحاولة الحصول على اعتراف المنتظم الدولي بالحكومة الريفية وانتزاع هذا الاعتراف الدولي بدولة الجمهورية الريفية كدولة قائمة بذاتها كما تثبتها عشرات المراسلات التي بعثت من طرف عدة أطراف داعمة لقضية استقلال الريف إلى عصبة الأمم. والحال كذلك مع الدعاية التي كانت تقوم بها "لجنة الريف" الأوربية التي كان لها مقر بلندن لصالح القضية الريفية، هذا دون أن ننسى كذلك دور الهيئات والتنظيمات الشيوعية التي نظمت عدة مهرجانات تضامنية من أجل نيل الريف حريته واستقلاله المهضوم كما قامت بالدعاية لصالح حركة المقاومة الريفية المسلحة التي تطالب بحريتها واستقلالها بمختلف بلدان العالم بل وطالبت بمعية مجموع من الجماعات والإطارات السياسية والشبيبية اليسارية التقدمية والنسائية الكفاحية والقوى العمالية المناضلة بالاعتراف بالدولة الريفية، وكانت شعارات من قبيل "لتحيا الجمهورية الريفية" مدوية في عدد من المهرجانات الخطابية والتجمعات الجماهيرية، حيث وصل هذا التضامن الدولي إلى غاية الهند وأمريكا اللاتينية مرورا بعدد من البلدان. والحال أيضا مع حركات التحرر العالمي بمختلف القارات التي نظمت حملات دولية حاشدة من أجل الاستقلال الوطني للريف وإثارة القضية الوطنية الريفية أمام الرأي العام العالمي كما فضح جرائم الامبريالية الأوروبية التي كانت تباشر بارتكابها وبدم بارد داخل بلاد الريف عبر الصحف الدولية والبيانات الصادرة آنذاك وهو ما جعل كثير من مراسلي الصحف ووكالات الأنباء ومختلف البعثات الإعلامية يقومون بزيارة بلاد الريف لمعاينة الوضع عن قرب وعلى أرض الواقع والتحقق بما كان يدور آنذاك من المعارك الشرسة بين المقاومة الريفية وجيوش الاحتلال كما تفنيد الدعايات والأكاذيب التي كانت تنشرها صحف الاستعمار والمنابر الاعلامية المنضوية تحتها. كما شهد كذلك السياق الدولي الذي جاءت به مفاوضات وجدة اتصالات واسعة النطاق قامت بها البعثات الريفية لإثارة قضية الاستقلال الوطني للريف أمام العالم المتحضر والمتمدن. والحال كذلك، مع الاستقبالات الرسمية للوفود الأجنبية التي كانت تتوافد، بين حين وحين، إلى العاصمة الريفية أجدير وإلى مختلف مراكز الحكومة الريفية للتباحث حول القضية الريفية كما هو الحال عندما زار القنصلين الأمريكي والإيطالي رئيس الدولة الريفية، ولقد علمت بعض القصاصات وقتذاك "أن حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وايطاليا أخبرت الحكومة الريفية أنها مستعدة للاعتراف باستقلال الريف إذا كانت فرنسا لا تعارض ذلك" (أنظر محمد العلمي، زعيم الريف: محمد عبد الكريم الخطابي، ص: 44).
وفي الوقت بالذات، كان فيه الجيش الوطني الجمهوري الريفي أكثر تنظيما وانضباطا وقوة وانتشارا على مستوى الأرض وبالأخص لما استطاع أن يطرد قوات الجيوش الاسبانية المدعومة بالقوات السلطانية والخليفية المغربية عن معظم الأراضي الريفية. ولم يكن لوجود الاحتلال الاسباني العسكري إذاك إلا في بعض المناطق الساحلية للريف بكل من مريتش وسبتا وبعض المواقع العسكرية الأخرى الهامشية التي أصبحت بدورها مهددة بانسحاب القوات الاسبانية منها أمام الضربات العسكرية المتتالية التي كانت تتلقها على يد المقاومة الريفية المسلحة علاوة على الحصار العسكري المضروب وبقوة على تلك المناطق الريفية المحتلة وخاصة جهة الريف الغربي، وهو الشيء الذي أدى بالقوات الاسبانية إلى إخلاء "أكثر من مائة وثمانين مركزا بجبالة وغمارة، وخاصة مدينة أشاون في شهر دجنبر من سنة 1924، أصبح شريط عريض من الأراضي شمال ورغة بدون أي حماية، ولم تتأخر المنطقة في تسجيل أحداث متسارعة، فبتاريخ 12 أبريل 1925 شرع عبد الكريم في اكتساح أراضي بني زروال" (ماريا روسا ذي مادارياغا، محمد بن عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال، ص 283). وبطبيعة الحال، فإن دخول القوات الريفية لتحرير منطقة بني زروال المحاذية لمنطقة الاقامة العامة الفرنسية بالمغرب وغير الخاضعة لسيطرتها العسكرية كانت السبب الرئيسي والمباشر لاندلاع المواجهة الريفية الفرنسية في أبريل 1925 والمولدة لتشكل التحالف الفرنسي الاسباني بما كانت تشكله تلك القبيلة من منطقة استراتيجية لفرنسا الاستعمارية وخصوصا وأن الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب كانت تتوفر في القبيلة المذكورة على حليف هام تمثل في شخص المدعو الشريف عبد الرحمان الدرقاوي، الموالي للسلطة العلوية.
وكانت الحكومة الريفية المقاومة وقبل اندلاع المشكل الحدودي بين منطقة النفوذ الفرنسية والاسبانية في إشارة إلى ما يسمى في الأدبيات الكولونيالية بـ "مشكلة بني زروال" قد اقترحت على الحكومة الاسبانية الاستعمارية مخابرات في شأن الصلح ووقف القتال شرط الاعتراف بالدولة الريفية مقابل امتيازات اقتصادية وسياسية ستستفيد منها الحكومة الاسبانية، وهي تلك المخابرة التي سبقت مفاوضات وجدة، وأهم نقاطها كانت على الشكل التالي:
- الانسحاب من تطاوين ومن جميع المناطق التي تحتلها الجيوش الاسبانية
- الاستقلال التام والمطلق للريف والاعتراف باستقلاله من طرف اسبانيا
وفعلا لبت الحكومة الاسبانية بعض هذه النقاط وانسحبت الجيوش الاسبانية من بعض المواقع التي كانت تحتلها غير أن النقطة المتعلقة بالاستقلال التام للدولة الريفية قوبلت بالرفض من داخل الحزب الاستعماري الاسباني. وطبعا، فإن قضية الاستقلال السياسي الكامل للريف كشرط مسبق قبل أي مفاوضة هي قضية مصيرية لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال. يلخص محمد أزرقان، وزير الخارجية للجمهورية الريفية موقف وخطة الحكومة الريفية في أي مفاوضة مفاوضة وأي مخابرة مخابرة، بالقول: "لا يسعني إلا أن أصرح لكم تصريحاً نهائياً أن الريف لا يبدل ولا يغير خطته التي صار عليها الوفد، وهو أنه لا يفتح أي مخابرة في شأن الصلح إلا على أساس اعتراف اسبانيا باستقلال الريف" (أنظرمحمد محمد عمر القاضي، أسد الريف: محمد عبد الكريم الخطابي، ص. 150).
وعلى خط التماس الفرنسي – الريفي وفي سياق النزاع الحدودي المولد للحرب الريفية – الفرنسية، وقبل أن يتشكل عنه هذا التحالف الدولي بين اسبانيا وفرنسا وتطوراته اللاحقة بالإعلان عن مفاوضات وجدة الأخيرة للدولة الريفية، تعمدت القوات الفرنسية الاستعمارية المختلطة بالقوات المغربية بالتوغل المشبوه وعلى حين غرة داخل الأراضي الريفية وغير المرحب به حتى من داخل بلدان أوروبية حليفة لها، واحتلت بعض الأجزاء الترابية من الأراضي الجنوبية للجمهورية الريفية؛ وهي تلك الأراضي المتنازع عليها في الجنوب على الحدود مع منطقة الحماية الفرنسية للسلطنة العلوية، حيث كانت هذه القوات الاستعمارية الفرنسية-المغربية مهددة بدورها بالزوال والانسحاب القسري من الأراضي الجنوبية للجمهورية الريفية إبان المعارك الطاحنة التي اندلعت على إثر هذا النزاع المفتعل من قبل الفرنسيين والذي أخذ صبغة دولية (اسبانيا، فرنسا، المغرب، الريف والمنظم الدولي) عندما أثيرت نقاشات حادة على المستوى الدولي ومن داخل أروقة عصبة الأمم (الأمم المتحدة حاليا) بسبب تطورات نزاع الحدود بين الجمهورية الريفية المنتصرة في حربها على الاحتلال الاسباني ومنطقة الحماية الفرنسية. وهي تلك الحرب التي خاضتها قوات الجمهورية الريفية ضد القوات الاستعمارية الفرنسية والمغربية على الأراضي الجنوبية للريف والمشهورة بحرب الأشهر الثلاثة التي اندلعت في غضون الأسبوع الثاني من شهر أبريل سنة 1925. وكانت الجيوش الاستعمارية الفرنسية على وشك الانسحاب والخروج الاضطراري من بعض المواقع التي احتلتها في جنوب الجمهورية أمام الزحف الريفي القوي والإنزال العسكرية الضخم على مشارف تازة. ولقد خسر الفرنسيون على إثر الهجوم الذي قاده الريفيون من أبريل إلى غاية يوليوز 1925 "أربعين مركزا من أصل أكثر من ستين، وقد تم الاستلاء على بعضها عَنوةً، في حين تم تسليم أو إخلاء مراكز أخرى من طرف الفرنسيين. بل ومنها من تعرضت حتى للنسف. وكانت الخسائر مرتفعة جداً سواء في صفوف القوات الفرنسية أو المحاربين الريفيين، وحتى بين السكان المحليين، علما بأن خسائر الجانب الأول، أي القوات الفرنسية، شملت وحدات اللفيف الأجنبي، والرماة المنتمين إلى شمال إفريقيا أو السينغال، بالإضافة إلى الإسباهية الجزائريين" (ماريا روسا ذي مادارياكا، نفس المصدر السابق، ص 300). وبطبيعة الحال، فإن كل هذه التطورات المتسارعة والحاسمة جعلت الإقامة الفرنسية بالمغرب الموشكة على الانهزام، وفي اللحظات الأخيرة إلى إبرام اتفاق تحالفي امبريالي وقذر مع الحكومة الاسبانية بعدما تم طرد معظم قواتها عن المواقع التي كانت تحتلها من داخل الأراضي الجنوبية للجمهورية الريفية بفضل ذخيرة المدافع الريفية القوية بما كانت تتساقط على معسكراتها مثلما كانت القوات الاسبانية بدورها على وشك السقوط التام عن أجزاء المنطقة الريفية بالشمال الغربي والمسماة في الأدبيات الاستعمارية بـ "المنطقة الخليفية" أمام الهجمات المتتالية لوحدات الجيش الوطني الريفي الجمهوري، لتدخل بعدئذ الحكومة الفرنسية في مفاوضات دبلوماسية مع الحكومة الاسبانية بعدما باتتا الحكومتين الاستعماريتين على وشك السقوط التام والانسحاب الكامل عن الأراضي الريفية أمام دوي المدافع الريفية والطلقات النارية الكثيفة لمقاتلي الجيش الوطني الجمهوري وفدائيي المقاومة الشعبية. وكانت القيادة الوطنية الريفية قد سبقت أن اقترحت خلال أوائل العام 1924 لأجل تجنب حرب الحدود على الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب عبر مبعوث الحكومة الريفية السيد علي بن حدو بن علي الملقب بـ علوش، عم رقايذ حدو بن حمو، تأسيس لجنة مشتركة فرنسية ريفية لتحديد خط الحدود بين الريف والمغرب الخاضع لفرنسا، لكن لم تصل المبادرة الريفية إلى أي نتيجة.
كما قامت الحكومة الريفية فيما بعده وقبل انعقاد ما اصطلح على تسميته بـ "مؤتمر وجدة" بمراسلة مجلس الشعب الفرنسي ورجاله الأحرار الذين كانوا يتعاطفون مع القضية الريفية بصدد هذا النزاع المفتعل على الحدود الريفية مع المغرب الفرنسي، حيث كان رد الحكومة الريفية في شخص السيد أمحمذ الخطابي في رسالة مطولة بعثها إلى مجلس النواب الفرنسي يطالب فيها بصريح العبارة بالاعتراف باستقلال الدولة الريفية "والاعتراف بحقوقنا الطبيعية التي لا يمكن لنا أن نعيش بدونها –يضيف ويقول حول توغل عساكر المارشال ليوطي داخل أراضي الريف الجنوبية، قائلا- لأن من مطامعه (يقصد ليوطي) بعد ما تبين عجز الاسبان الاستيلاء علينا إلحاق بلادنا لحكومة مراكش كي يتسنى له أن يستعبدنا كما استعبد المغرب لسلطته بالقهر والقوة ودعاوى أوهن من بيت العنكوبت فصرنا مكلفين بإيقاع الحرب مع جنوده ورد هذا التيار الجارف ليقف عند حده –يسترسل في الرسالة المطولة ويعرج على زيارته السابقة لباريس ويقول بأن ما يممنا باريس إلا ظنا منا في الشعب الفرنسي النبيل ورجاله الأحرار- أن يسمعوا نداءانا ويعترفوا بحق الشعب الريفي الذي لا يقاتل إلا عن واجب ولا يدافع إلا عن حق ولا يبتغي من كل ذلك إلا أن يعيش كالأمم حرية واستقلالا ومع مجاوريه بالمسالمة والوئام لأن مبدأنا التي أسسنا عليها نهضتنا القومية لا ترمي إلا إلى غاية واحدة وهي الوصول إلى السلم الذي هو ضالتنا المنشودة إذ لا تستقيم حياتنا الأدبية على الوجه الأكمل إلا به –يضيف في فقرات أخرى، قائلا- أليس من العار أن تتخذ دولتان عظيمتان من دول أوربا أولاة القوة والبأس وتتعاونا على شعب صغير لا يملك إلا روحاً حساسة وقلباً حياً يود أن يستميث في سبيل الحق" (أنظرمحمد محمد عمر القاضي، أسد الريف: محمد عبد الكريم الخطابي، صفحات: 195-196-197-198).
وهكذا بعدما تم تشكيل هذا التحالف الامبريالي القذر الذي شمل اسبانيا وفرنسا والبيدق المغربي (مراكش سابقا)، اتفقت هذه الأنظمة الاستعمارية على التعاون العسكري فيما بينها للقضاء على ثورة الجمهورية الريفية، فسافر لويس مالفي (Louis Malvy)، وزير الحرب الفرنسي إلى مدريد في شهر مايو من سنة 1925 لتعلن بعدها الدولتين الاستعماريتين عن عقد مؤتمر فرنسي اسباني بمدريد لبحث سبل التعاون العسكري بين الحكومتين ضد الثورة الريفية. فتوصل الطرفان إلى اتفاق شامل يقضي بالقيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد الريف، ثم تلاه الاتفاق الأخر بتاريخ 5 يوليوز 1925 الذي نص على فتح مفاوضات مع الحكومة الريفية وأن الحكومتان الفرنسية والاسبانية لن تتفاوض مع الحكومة الريفية إذا ما أصر الوفد الريفي على الاعتراف باستقلال الريف مقابل السلام. وفي 9 يوليوز من العام 1925 تم توقيع اتفاق خطير يتضمن طبيعة التعاون والتنسيق العسكري بين سلطات الاحتلال الاسبانية والفرنسية والمغربية لتطبيق سياسة الحصار البري والبحري على منطقة الجمهورية الريفية كتمهيد للعمليات العسكرية المشتركة والمكثفة.
فقام بعدئذ مبعوث الحكومة الفرنسية " ليون كابرييلي" (Léon Gabrielli) الذي هو المراقب المدني بتاوريرت، بالاتصال بممثل الحكومة الاسبانية "فرانسيسكو ماران" بمليلية، فاتفقت الحكومتين الفرنسية والاسبانية بتاريخ 18 يوليوز 1925 على مخابرة الحكومة الريفية في النقط الآتية ذكرها: (أنظر محمد العلمي، زعيم الريف: محمد عبد الكريم الخطابي، صص: 44-45)
- إن الحكومتين الفرنسية والاسبانية متفقتان لمنح قبائل بلاد الريف المعنية بالأمر الاستقلال الاداري الموافق للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمملكة الشريفة.
- إن الحكومتين متفقتان لفتح مفاوضات في أقرب وقت مع المسؤولين في الريف للوصول إلى اقرار السلام وتطبيق النظام الجديد.
وكانت النقط المفصلة للتفاوض مع الحكومة الريفية، كالآتي:
- تبادل الأسرى.
- وقف القتال.
- تحديد نظام الاستقلال الاداري.
- الاتفاق حول الأراضي التي ستخضع لهذا النظام.
- تحديد عدد قوات الأمن التي ستسهر على النظام والأمن في هذه الأراضي.
- الاعتراف بحرية التجارة وضمانها في الريف وذلك وفقا للمعاهدات الدولية والنصوص القانونية الخاصة بالجمارك.
- حضر استيراد الأسلحة إلى الريف.
- الاتفاق على منطقة من الشاطئ لتكون محتلة احتلالا سلميا من طرف اسبانيا ابتداء من يوم وقف القتال.
لم يكن باستطاعة الحكومة الريفية الشابة أن تتفاوض حول هذه النقط المذلة بدون شرط الاستقلال السياسي للريف، وكان وزير خارجية الريف محمد أزرقان قد سبق أن أعرب في لقاء مع المبعوث الفرنسي "كابرييلي" عن "استعداد الحكومة الريفية للدخول في حوار مع الحكومة الفرنسية لحل جميع المشاكل، شريطة اعترافها باستقلال الريف" (محمد العلمي، نفسه، ص. 44). ومع فشل هذه المحادثة ورفض طلب حكومة الجمهورية الدستورية الريفية لشرط الاستقلال من أجل انهاء الحرب وتحقيق السلام الدائم، اشتدت الحرب من جديد وهذه المرة اضطر الريفيون لفتح عدة جبهات قتالية في آن واحد ضد كل من اسبانيا وفرنسا خصوصا مع توغل القوات الفرنسية والمغربية داخل الأراضي الريفية الجنوبية وما ارتبط ذلك بانضمام بعض زعماء القبائل الجنوبية إلى المعسكر الفرنسي وإعلانهم الولاء للإقامة العامة الفرنسية بالمغرب وللسلطان العلوي، فحشد هذا الأخير المدعو يوسف العلوي في معسكر نظم بفاس مزيدا من فيالق الكومات وقواد القبائل الريفية الخائنة كما القبائل المغربية المتحالفة مع القبيلة العلوية بقيادة فرنسيين نحو جبهات القتال على الحدود الريفية-المغربية.
وخلال تفاصيل هذا الحشد التحالفي الدولي ضد الريف، واشتداد المعارك الطاحنة ضد الشعب الريفي، حاول الرئيس الوطني للريف، محمد عبد الكريم الخطابي الاتصال برئيس الحكومة الاسبانية "بريمو ذي ريفييرا" لإجراء مفاوضات بدون وجود الفرنسيين، لكن طلبه قوبل بالرفض. ونفس الشيء عندما اتصل بالحكومة الفرنسية يوم 23 فبراير 1926 بشأن الهدنة ووقف القتال من أجل فتح مفاوضات أحادية معها، لكن رد الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب كان بالرفض المبرر بمقتضيات المعاهدة الاستعمارية مع اسبانيا عبر شخص "تيودور سطيك"، المقيم العام الثاني بالمغرب بعد المارشال ليوطي، حيث قال: "إن حكومته لا تستطيع أن تتفق في شيء مع محمد عبد الكريم دون موافقة الحكومة الاسبانية وحضورها خلال المفاوضات، وانها مستعدة أن تجد الحلول في هذا الإطار" (محمد العلمي، نفسه، ص. 46).
وفي شهر أبريل من العام 1926، انطلقت الاتصالات الأولى والمباحثات التمهيدية لعقد آخر المفاوضات من أجل السلام التي تمخضت عنها الإعلان عن مفاوضات وجدة بطلب من الريفيين في ظل الحشد الدولي الامبريالي المشكل ضد قيام دولة الجمهورية الريفية بالرغم من معارضة عناصر اللوبي العسكري الاسباني/الفرنسي/المغربي للتفاوض مع الحكومة الريفية بصفتها حكومة قائمة بذاتها، حيثما كانوا يخشون من تنازلات الحكومتان الفرنسية والاسبانية بشأن مستقبل الحكومة الريفية وبما يربط بمتاهات التسوية النهائية للقضية الريفية بما قد تكون في غير صالحهم وفق شروط وضمانات سرية تستفيد منها الحكومتين الاستعماريتين. والحال، بدا كذلك خلال المخابرات السابقة المنظمة بين الحكومة الريفية والحكومة الاسبانية حيث كانت تزعج هذا اللوبي القذر وعلى الأخص اللوبي الفرنسي/المغربي، خشية أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن شروط استقلال الدولة الريفية.
وبانعقاد مؤتمر وجدة رغماً عن أنف المعارضين، انتدبت الحكومة الريفية لجنة للتفاوض مكونة من ثلاث أعضاء معبرين عن تطلعات الشعب الريفي، ولعل من المفيد أن تستضيف هنا فقرة عن مؤلف ماريا روسا ذي مادارياغا، بصدد المحاورين في مؤتمر وجدة أمام كم المعطيات المتناثرة هنا وهناك بين عدد من المراجع والمصادر، حيث كتبت قائلة: "كانت اللجنة الريفية التي ترأسها محمد أزرقان تتضمن أيضا حدو بن حمو وأحمد شيدّي. أما الفرنسية التي ترأسها الجنرال سيمون (Simon) فكان من أعضائها بونصو (Ponsot) الذي كان يشغل منصب نائب مدير الشؤون الإفريقية بوزارة الشؤون الخارجية ودوكلو (Duclos) المدير العام لقسم شؤون الأهالي بالرباط. في حين ترأس اللجنة الإسبانية خوليو لوبيث أوليبان (Julio Ló-;---;-----;-------;----pez Olivá-;---;-----;-------;----n) وهو موظف تابع لوزارة الدولة الإسبانية، وكان من أعضائها أيضا القائد أكيلار (Aguilar) من إدارة المراقبة بأجذير والنقيب ذي ميكيل قائد الطابور في الشرطة الإسبانية في طنجة" (ماريا روسا ذي مادارياغا، مصدر سابق، ص 331). هذا، وقد عرفت الجلسات المستمرة، المرتبطة بمفاوضات وجدة نقاشات حادة ابتداءا من يوم 18 أبريل 1926 التي تمت في معسكر بيرتو (Camp Berteaux) بعد الجلسة التمهيدية ليوم 17 أبريل، كما تم تعليقها لبضعة أيام أمام احتدام النقاش والاختلافات الجذرية والمتعارضة بصدد مجموع النقط بين موفد الحكومة الريفية وممثلي حكومات الاستعمار وعلى الأخص خلال جلسة 21 أبريل بموقع لعيون سيدي ملوك لتستأنف يوم 27 أبريل إلى غاية انتهائها بتاريخ 7 مايو كآخر أجل لتقديم الحكومة الريفية لجواب نهائي حول نقاط التفاوض وإن كانت المفاوضات قد توقفت عندما غادر الوفد الريفي مدينة وجدة في اتجاه العاصمة الريفية أجذير، بتاريخ 6 مايو 1926.
وطبعا لا الحكومة الفرنسية ولا الحكومة الاسبانية ولا السلطنة العلوية كانت ستقبل التفاوض مع الحكومة الريفية بشأن شروط السلام مقابل الاعتراف بالدولة الريفية. يقول في هذا الصدد جورج أوفيد، المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة المغربية بين سنوات 1956 و 1961 بأنه لم يكن باستطاعة الحكومتان الفرنسية والاسبانية "احتمال وجود ريف موحد تعتبرانه تهديداً كامنا لإقامتها في إفريقيا الشمالية. فرق تسد لقد كان تفكيك الكتلة الريفية هو الهدف الذي يقصده العسكريون السياسيون . لقد احترس القادة الفرنسيون من الكشف عن نواياهم إلى حين انعقاد مؤتمر وجدة" (جورج أوفيد، اليسار الفرنسي والحركة الوطنية المغربية 1905-1955، ص 118 و 119). وبالفعل هذا ما حدث مع تضمين الاقتراحات الجديدة، التعجيزية المضافة لاحقا على قائمة نقاط الاستفزاز المزمع التداول فيها خلال الجلسات المصيرية من محادثات مدينة وجدة؛ تلك المدينة التي كانت تحت الانتداب الفرنسي وذلك بعدما تأكد لهذا التحالف الاستعماري الدولي الغاشم من انتصاره في حرب الريف والمشكل من أعتى الدول الإمبريالية القائمة آنذاك، بدعم حاشد من القوات المغربية السلطانية والخليفية والجيوش الإفريقية المرتزقة والمشكلة من مرتزقة السنغال والجزائر وتونس. وفيما يلي أخطر الاقتراحات الاستعمارية لإفشال آخر جلسات مؤتمر وجدة المنعقد خلال فصل الربيع من سنة 1925 والذي لم يكن في حقيقة الأمر إلا مناورة استعمارية للاستهلاك السياسي والإعلامي أمام الرأي العام العالمي.
- ابعاد الزعيم الوطني محمد عبد الكريم الخطابي
- خضوع بلاد الريف لسلطان المملكة العلوية المغربية
- نزع السلاح من القبائل الريفية وفق ضمانات تحدد خلال محدثات وجدة
- اطلاق سراح الأسرى الاسبان والفرنسيين والمغاربة
بهذه الاقتراحات والشروط الاستعمارية التعجيزية، المتضمنة بين عدد من المراجع والمصادر بما قيل للغالب إنها طرحت خلال مفاوضات وجدة الأخيرة للجمهورية الريفية والتي دامت أكثر من أسبوعين، هي في حقيقة الأمر مفاوضات طبول الحرب من جديد بعدما أصرت هاتان الدولتان المارقتان اسبانيا وفرنسا على عدم الاعتراف باستقلال الدولة الريفية بل وطالبت بإبعاد الرئيس محمد عبد الكريم الخطابي وإخضاع بلاد الريف لدولة الاستعمار المحمية. فبالبت المطلق، تم رفض هذه الاقتراحات من طرف الوفد الريفي المفاوض المشكل من وزير الخارجية محمد أزرقان بصحبة كل من رفاقه حدو لكحل ومحمد شيدي، كما رفضها رئيس الجمهورية الريفية، السيد محمد عبد الكريم الخطابي باعتبارها شروط المذلة والعار والعبودية للسلطنة العلوية المغربية بما كانت تعني تفكيك الدولة الريفية واعتراف الريفيين بالسلطة المخزنية المغربية تحت الحماية الفرنسية-الاسبانية.
بهذا التراجيدية الريفية إذن، انتهت آخر المفاوضات المصيرية للحكومة الريفية من أجل السلام المهضوم بحيث تعمد فيها التحالف الاستعماري القذر على افشالها وخصوصا من طرف اللوبي الفرنسي العسكري، المتطرف في شخص مجرم الحرب المارشال "فيليب بيتان" والذي تلذذ غليلا عندما قاد العمليات العسكرية ضد المقاومة الريفية والمعادي لكل تعامل مع الحكومة الريفية، حيث كان يعارض بشدة مفاوضات وجدة ويدعو في المقابل إلى التدخل العسكري المشترك بين فرنسا واسبانيا والمغرب لسحق الجيش الوطني الجمهوري وإسقاط الدولة الريفية بغية إخضاع جميع الأراضي الريفية للدولة العلوية المغربية تحت نظام الحماية الفرنسية والاسبانية، ولاسيما مع بروز تيارات مناهضة للحل العسكري التي كانت ترى ضرورة البحث عن حل سلمي لقضية استقلال الريف عبر اللجوء إلى المفاوضات لحل القضية الريفية نهائيا كما هو الشأن على سبيل المثال مع بعض نواب المجلس الفرنسي الذين كانوا يمتنعون عن التصويت على القرارات الحكومية بشأن التدخل العسكري في حق الشعب الريفي، حيث كانت نداءاتهم المتكررة تدعو للجوء إلى المفاوضات؛ تلك المفاوضات التي كان يأمل فيها الوفد الريفي ويسعى جاهدا مقابل امتيازات وضمانات تمنح لشركات الدول المفاوضة والمراقبة إلى الاعتراف باستقلال بلاد الريف من خط الحدود مع المغرب حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن خط الحدود مع الجزائر حتى المحيط.
إذن، بعد عملية إفشال المفاوضات المجرات بوجدة ما بين 18 أبريل و 6 مايو من سنة 1926 والتي كان الريفيون يأملون من ورائها تحقيق السلام الدائم. تجددت بعدها المعارك الدموية العنيفة في الثامن من شهر مايو؛ أي قبل أسابيع قليلة من استسلام الرئيس الشرعي للريف محمد عبد الكريم الخطابي في يوم 26 مايو واستمرت العمليات العسكرية الدولية والمشتركة بين اسبانيا وفرنسا والمغرب ضد قيام الدولة الريفية والتي كانت بمثابة العدوان الدولي الاستعماري الغاشم والقذر على دولة الجمهورية الريفية غير المعترف بها من طرف أنظمة الاستعمار القائمة آنذاك.

---

للاطلاع على النسخة الفرنسية من هذا المقال أعلاه الذي تفضل بترجمته الناشط الريفي المقيم بفرنسا ومدير موقع تابرات أنفو، رشيد أوفقير، المرفقة بأزيد من 50 صورة نادرة بين وثيقة مخطوط ومراسلة ووثائق صحفية بروابط التحميل كما الصور بالأبيض والأسود لمفاوضات وجدة علاوة على فيديوهات نادرة عن معارك الحرب الريفية الفرنسية المولدة للتحالف الدولي الامبريالي ضد الجمهورية الريفية بما تمخض عنها أيضا هذا المؤتمر المنعقد بمدينة وجدة ضد قيام الدولة الريفية، فيمكن متابعة رابط "تابرات" الآتي:

http://www.tabrat.info/?p=5404








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت