الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكمة

أكرم حبيب الماجد

2016 / 5 / 11
الادب والفن


تحري الحكمة والعمل بها من أشرف أنواع السعي لتحصيل الكمال والسعادة في الدارين ، وهي فوق المعقول والمتخيل والمحسوس .
وقد قيل في تعريفها : الحِكْمَةُ : معرفةُ أفضل الأشياء بأَفضل العلوم .
وليس الأمر كما ذكروا ، إذ من الحكمة معرفة أخس الأشياء ، فالحكمة معرفة جامعة للأفضل والأخس .
وعرفت أيضاً : بأنها وضع الشيء في موضعه . وليس هذا التعريف محدد لمفهوم الحكمة ، بل هو معنى عام ينطبق على العاقل والعادل وغير ذلك . ثم أن التعريف المذكور يتناول الحكمة العملية دون النظرية .
وأيضاً : أطلقوا على الفيلسوف حكيم ، وليس كذلك ، فالفلسفة بحث عقلي قد تتفق مع الحكمة وقد تختلف .
وخلط أخرون بين المعارف والحكمة ، فأطلقوا تلك على هذه ، وأطلقوا لفظ الحكيم على من ليس هو حكيم . وهكذا تختل الموازين عند الباحثين فتؤخذ الكلمة على أنها حكمة من حكيم .
وفي ذلك تضيع الحقيقة المعقودة بها ، وتجزء الكلية المخصوصة بها ، وتذوب الزُّبدة الموسومة بها ، وتفقد الضابطة القائمة بها ، وتنزل الشرفية الموسومة بها. .
ولما كان موضوع الفقيه أحكام الحلال والحرام بمقتضى النص فهو تخصص غير حكمي ، وإن كان منشأ الأحكام حكمي . وكان موضوع الفيلسوف الوجود بما هو وجود ، بمقتضى العقل ، فهو بحث عقلي يصيب ويخطأ ، قد يتفق مع الحكمة وقد يختلف . وهكذا موضوع المتكلم أصول الدين ، بمقتضى النص والعقل مستفيدا من معطيات البحث الفلسفي كثيرا ما . وأيضا : موضوع العرفان : الله والأنسان والعالم عموما يبحثه بحثا باطنيا بغية تحصيل الكمال ، وليس هو حكمة وإن أتفق معها .
وعليه : يتضح المائز إذا عرفنا خصوصيات العلوم المذكورة ومواضعها، وعرفنا خصوصيات الحكمة وموضعها . فأما الخصوصيات فقد تقدمت إشارة منها ، وأما الموضع الأول للحكمة فهو القلب ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ) .
وليس بحث الفقيه والفيلسوف والمتكلم بحثا قلبيا فهو ليس حكمة بمعناها ولو أفاد ذلك ، وأما العارف فهو وإن كان بحثه قلبيا إلا أنه يتميز عن الحكمة بما يأتي . .
يبحث العارف بحثا نظريا في نفسه والله واسمائه والعالم بغية تحصيل الحقيقة ، ومن ثم العمل بها لتحصيل الكمال والمقام المحمود . وهكذا تتجلى لديه الدقائق والرقائق فيعقلها قلبا وقالبا ، فهو بحث في عالم الباطن والتأويل برد الأشياء الى مآلها ونبعها ، وقد يلتبس عليه الأمر وان قل أو ندر كما يكثر عند الفقيه والمتكلم والفيلسوف . وأما الحكمة فهي كلمة جامعة تلم شتات المتفرق وتجمع ما هو كائن ويكون بضابط عدل وقول فصل ، بميزان الحق ومن عين الحقيقة . ولذا يمكن أن يقال : كل حكيم عارف ، وليس كل عارف حكيم . .
ولما كانت عين الحكمة عالية ، ومنبعها رفيع ، ومطلبها جامع ، ومصاديقها كثير ، صعب على العقول غير النيرة ، والنفوس غير المهذبة إدراكها والعمل بها ولو كانوا علماء ، فضلا عمن هم دون ذلك ، ولذا قيل : لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم . والحِكَم مراتب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل