الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمتعة المُخرِج

علي شايع

2005 / 12 / 7
الادب والفن


بعد أحداث 11 سبتمبر المفجعة،لجأت المخابرات الأمريكية إلى كتـّاب السيناريو والمخرجين في هوليوود للمشورة؛تفادياً لقادم ما هددت به قوى الإرهاب الطالبانية أيامها،من "خطط لا تخطر على بال أحد"، زمان استخدمتِ الطائرات المدنية شر استخدام.
وحين دخلت أمريكا معركتها ضد الإرهاب في أفغانستان اشترت مئة ألف نسخة من فلم (الرسالة) لتوزّعها على القوات الأمريكية المنتشرة هناك من أجل تعريف جنودها على الدين الإسلامي بصورة خالية من مغالطات الإرهاب والتطرّف،فكان هذا دعاية مضافة لتسويق الفلم مجدداً،ولتحقـّق سعادة كبيرة لمخرجه مصطفى العقاد الذي صار أحد الضحايا العابرين في مسلسل الدم اليومي للإرهاب مع الأسف..
والأسف أعلاه موصول لمرتين؛ الأولى؛ في فقدان مخرج عربي،والثانية؛ لكونه لم يقلّ كلمته التي ننتظر أن يقولها أمثاله في سوء الإرهاب وأسبابه،وجهاته، بشكلّ واضح وجليّ.
رحل العقاد بشكل فجائعي غير إن فجيعة أشدّ أسرُّها في نفسي إثر حديث كنت قرأته قبل أشهر في لقاء صحفي معه يردُّ خلاله على أسئلة الصحفية:
"الأستاذ مصطفى العقاد حيث أننا نعيش في الوقت الحالي أزمة العراق فما هو رأيك في الرئيس المخلوع صدام حسين؟ وهل تربطكم علاقة بالقيادات العربية في مجال عملك ؟".
"ربما تصدمين لو قلت لك أن ثمة علاقة شخصية كانت تربطني بـ (صدام حسين)ولقد رأيت منه خيراَ، ففي يوم من الأيام أراد أن يتولى تمويل فيلم (صلاح الدين) لكن ظروف حرب الخليج آلت دون تحقيق هذا المشروع ...وأيضاَ تربطني علاقة شخصية بالرئيس الليبي معمّر القذافي...فالقذافي عرف حاجة الإعلام و قال لي:السينما سلاح أقوى من الدبابات"..
ولم تكن صدمة للصحفية وحدها، بلّ لكلّ عربي كان يتمنى على مخرج مشهور أن يرقى بإنسانيته في التعاطف مع ملايين الضحايا إلى مصاف إبداعه،وإلا ما جدوى مليون فلم لشخص لم يستوقفه بياض عظام للمعلن من بطش النظام العراقي وأهواله التي كان أقلّها مأساة المقابر الجماعية؟!.
وكيف سنطمئن بعد هذا لمُنجز رجل يقيم اعتباراً لصداقة منفعة مع ديكتاتورين؟..

لا نملك إزاء مثل هذا التاريخ سوى الأسئلة التي تكشف عمق الكارثة في تناقض المثقف والمبدع العربي،ساعة يراد لنا أن نستمع، بثقة وأمان، إلى وجهة نظر أي مبدع عربي في القول والتثقيف،واستنباط الحكمة من تاريخ يراه وفق محدوديات حالته وهواه الميال إلى الديكتاتورية؛فالقول بصداقة الطاغية تمجيد له ولأيامه،وفيه أمنية مستترة ببقاء مجده،والاستئناس بصحبته،وفيه إنكار أكيد لكلّ ضحاياه،فهل يصحّ الإبداع بعد هذا،ولو بدوافع فنية ستكون بالقطع احتفالاتها على أديم أرض لضحايا كان من الأجدر تناولهم كثيمة وموضوع لعمل فني بدلا من أن يكون العمل الفني إصغاءً لهذه الصداقة التي أنجزت فلم (الرسالة) في علاقة مع القذافي،وكانت ستنجز فلم صلاح الدين بأموال عراقية؟..
بالطبع سأنتظر من يتهجم على وجهة نظري تلك،و لكن لا يهم ،ف"نظري بدء علتي"..ولن يهم مادامت قافلة التغيير الفكري الأجمل تسير،رغم حاجتها الكبيرة أحياناً لدفع الرأي باتجاهها والتثقيف بها،فحديث صلاح الدين الأيوبي مثلاً أصبح مرتجلاً في تفخيخ سياسي صار الإعلام العربي أحد أدواته،بل شرّه المستطير وليس أداةً للطامح في التغيير..
فهل كان المخرج الكبير بحاجة إلى نصح طاغية ليعرف حاجته للإعلام؟..وأي إعلام كان الديكتاتور سيعنيه في حديثه؟..

للشعر درّ زهير بن أبي سلمى:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
وللأسف لن يستثني الإرهاب في عماه وبطشه أي أحد ما دام فكرهم التكفيري الانتحاري مستشرٍ ومحيق..فلا وقت الآن إلا لفضح مخطط الإرهاب والإشارة إلى أسرار تفشيه..وليس وقتاً لصلاح الدين،والبحث عن المقدّس في شخصه حتى يسقطه من يشاء على واقع زائف في صورة أشخاص،أو حال أمة!،فلا يدل حينها إلا على قصر نظر وسوء طوية تضمر الشرّ،وتحاول إيجاد مبررات تاريخية،ومساند عقائدية مبثوثة بهيأة رموز. هنا سنحتاج علم النفس التحليلي لكشف المستور الأممي العروبي فيه.وليس أشدّ منه خواء وهو يأتي مطابقاً لشكل العلاقة بين مبدع وديكتاتور،فما الذي ينتظره المتلقي العربي من منجز أبداعي لمخرج سيحاكي في قرارة نفسه أسطورة بطل منقذ يشبه إلى حدّ بعيد صورة أي ديكتاتور عربي وزّع الدولة في أهله وأقاربه مثلما يروي لنا التاريخ عن عائلة صلاح الدين الأيوبي،ناهيك عن تجاوز المخرج الضمني لكلّ السيئات بالضرورة ما دام لا يبصرها في صورة الديكتاتور الحالي.فهل قدّم لنا العقاد كمبدع ملامح الضحايا وهل مرّ على حكاية المتصوف الحكيم السهروردي (صاحب مدرسة الإشراق الأولى) الذي قتله صلاح الدين الأيوبي؟.
وإذا كان "التطرف بكافة صوره هو عين الجهل" مثلما يرد على لسان العقاد في ذلك اللقاء،فكيف لم يبصر ما فعله أصدقائه القتلة من تطرّف سياسي جاهل سيهدم عروشهم ومجد كلّ من سار في ركبهم قريبا؟..
رحل العقاد إذن ..لكنه باقٍ كمبدع قدّم الكثير،ولعلّ في هذه التذكرة حزن عميق يوازي "نقص القادرين على التمام"،وهو عتب ورجاء بالاعتبار لكل مبدع عربي لم يدرك بعد مأساتنا،فمنهم من سينبري بالاتهام،إمعاناً في الغيّ، ونخاف عليه!؛ فشأن النائبات عجيب..وهي كلمة وتذكرة،ووقائع تاريخ حَرُصَ أكثرهم على محاكاته،لذا لسنا ممن يلقي المكيال في متاع الغافلين،ولا ندسّ المكيال في أمتعة المُخرِج الراحل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-