الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين بغداد وعمّان: الزرقاوي كان هنا!

فايز شاهين

2005 / 12 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


تفجيرات عمّان التي طالت ثلاثة فنادق راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ كانوا في حفل زفاف؛ لكن قائد "الفرقة الناجية" وبطل "المقاومة في العراق"، يقول بأن هذه الفنادق هي مركز استخبارات إسرائيلية، مع أن أحد هذه الفنادق لا يبعد أكثر من ميل عن السفارة الإسرائيلية.
هدأت زوبعة تلك الانفجارات، وما صاحبها من "استنكار" أردني شعبي كبير، ليس لأن الجريمة في قتل الأبرياء وتدمير الممتلكات، وليس لأن الجريمة قتلت عرباً مسلمين وغيرهم من المسالمين، وليس لأن المجرم هو أبو مصعب الزرقاوي الأردني، بل لأن الجريمة حدثت في الأردن، وهذا هو بيت القصيد.
الأردنيون من جماعة الإخوان، وأتباعهم أصحاب شيكات النفط مقابل الغذاء الذين اقتاتوا على موائد صدام ونهبوا أموال الشعب العراقي لم يخفوا ولا زالوا فرحين بتفجيرات العراق التي يروح ضحيتها العشرات والمئات من الأبرياء، جُلّهم من الشيعة، الكثير منهم من النساء والأطفال. وليس بعيداً عنّا ما حدث قبل حوالي العام حين فجّر أردني نفسه في عدد كبير من الشيعة وتم عمل حفل تهنئة لأهله على أنّه شهيد ونشرت صحيفة أردنية ذلك الخبر.
حتى بعد تفجيرات الأردن في 9 نوفمبر 2005 م، لا زال الكثير من الأردنيين وبوقاحة كبيرة يستثنون "المقاومة الشريفة" من هذه العملية الإرهابية، وأن خلفها "عملاء أمريكان". البعض الآخر اعتبرها جريمة كبرى لأنها قتلت أردنيين ولم تقتل "عملاء أمريكا" العراقيين، ولهذا فهي غير مقبولة، خاصةً وأنّ هذه الجريمة أثّرت على سمعة الأردن وربما يتأثر الأردن اقتصادياً على تبعات هذه التفجيرات. أي بمعنى آخر، فإن هؤلاء "الإسلاميين" من جماعة الإخوان وأتباعهم ضدّ تخريب وتفجير منشآت أردنية لأن لهم مصالح فيها، أمّا في العراق، فأهلاً وسهلاً بذلك، وهو من الجهاد.
قلنا قبل ذلك بأن شرارة الإرهاب في العراق لن تظل في العراق إلى الأبد، وأن جميع دول المنطقة مهدّدة بهذه الشرارة وستصبح ناراً إذا لم يتم العمل الجاد على إيقافها، وهذا يعني العمل بحزم ضد دعاة الإرهاب والذين يبرّرونه في العراق أو غير العراق، لكن لا يبدو أنّ هذا ما حصل ويحصل. فلا زالت الصحف العربية، الأردنية خاصةً وكبار جماعة الإخوان المسلمين هم من يبرر للأعمال الإرهابية، ولا زالت الأردن أكثر البلاد العربية احتضاناً للبعثيين وجماعاتهم.
ما يحصل في الأردن من وجهين، أحدها يدعم الحكومة العراقية في العلن، وآخر يسرح ويمرح في المساجد والصحف ويدعو "لجهاد المحتلين" وقتل عملائهم من العراقيين وقوى الأمن العراقي، ويمجّد العلميات الإرهابية ضد الأبرياء كل يوم، ما يحصل في الأردن هو نفسه ما يحصل في مصر، وفي السعودية، وفي العديد من الدول الأخرى العربية. ولا زالت الحكومات العربية تلعب على حبلين، أحدها داخلي بترك الحبل على الغارب إرضاءً للمتطرفين وجماعات التكفير والتضليل والتطرف والداعين لقتال الكفّار وأعوانهم من "العملاء" في العراق، والآخر خارجي يتحرك بشكل سلحفائي يتحدث عن رغبته في استقرار العراق.
ما حصل بعد تحرير أفغانستان وعودة "المجاهدين" العرب من هناك، والذي عُرِف فيما بعد بقضية الأفغان العرب الذين أصبحوا مصدر إرهاب في كل الدول العربية، بعد ما كانوا من المجاهدين، يحدث الآن بشكل مشابه وبدعم حكومي عربي يكاد يكون كلّي، وهذه ربما أول مرة يتفق عدد كبير من الدول العربية على شيء. اتفقت العديد من الدول العربية على تخريب العملية الديمقراطية في العراق، من ناحية لأن ذلك يجعل الشيعة في العراق وهم الأكثرية، ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث، يجعل الشيعة في قمة الهرم السياسي، والسبب الآخر وهو أيضاً مهم وهو للحيلولة دون دخول الديمقراطية منطقة "الحرام" وهي الدول العربية.
إن جميع الدول العربية بلا استثناء، وربما جميع الدول الإسلامية أيضاً ترزح تحت أنظمة غير شرعية، أو بالعبارة الصحيحة "حكومات ديكتاتورية"، أتت بطرق أبعد ما تكون عن الديمقراطية وتوارث عدد قليل من الأشخاص حكم دول؛ هذه الدول لا زالت تعيش في ظل الفساد وغياب مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات وغياب الحريات الدينية ليس فقط للأقليات المسلمة، ولكن أيضاً للأجانب من مسيحيين وبوذيين وغيرهم. هذه الحكومات مازالت "تتمسح" طالبةً البركة من "مشايخ الفرقة الناجية" في الوقت الذي تضيق الخناق على جميع الناشطين في مجالات حقوق الإنسان والمجتمع المدني. هذا المنهج المقلوب هو شرارة النار التي باتت تتطاير خارج العراق، وما حدث قبل يومين في سوريا من مطاردة خلية "إسلامية إرهابية" إلاّ دليلاً آخر يصب في المنهج نفسه.
ما حصل في عمّان هو في واقع الأمر طريق تتناثر فيه جثث الأبرياء وسيستمر لمدن وعواصم عربية أخرى، ولكن لن يكون المشهد القادم أقل إيلاماً، بل العكس من ذلك هو الصحيح. إذا ما استمرّت الحكومات العربية في غض الطرف عن دعاة الإرهاب وتمويله، وغض الطرف عن جرائم "المقاومة الشريفة" وعدم إدانتها علناً والعمل على نشر ثقافة التسامح فإن القادم سيكون عمّان أخرى. إذا ما استمرّت حكومات الدول العربية في نهجها الديكتاتوري من انتهاكات لحقوق الإنسان وغياب النهج الديمقراطي والمساواة والشفافية، وترك العنان لتيار التكفير ليستمر في دعواته القاتلة وخططه الطموحة لاسترجاع "أمجاد السلف"، فإن هذه الدولة سترى نفسها في نفق إرهاب داخلي لن يجدي معه الكلام المنمق الذي نسمعه الآن وكل يوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب أوكرانيا.. معركة خاركيف وتقهقر الجيش الأوكراني |#غرفة_ال


.. حماس تفتح جبهة جباليا مع توسيع الجيش الإسرائيلي لعمليته في ر




.. قوات فاغنر على الحدود المالية الموريتانية . |#غرفة_الأخبار


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - القسام: قصفنا 8 دبابات ميركافا في




.. غزة.. ماذا بعد؟| خلافات بين المستويين العسكري والسياسي واتها