الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتخاب علاوي مخالف لروح الدستور

صائب خليل

2005 / 12 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يفخر العلماني بأنه حريص على المعنى وليس النص الحرفي في قراءته لمختلف النصوص, على العكس من المتدين الأصولي. ويحاجج العلمانيون ومعهم البعض من الفقهاء الإسلاميين أيضاً, بأن مسألة "سبب النزول" للاية القرآنية يجب ان يعتبر مصدراً اساسياً لفهمها وفهم القصد منها وليس النص الحرفي وحده.

الفكرة من مراجعة اسباب النزول للنصوص القرآنية والحادثة المعينة المتعلقة بحديث شريف, هي اننا يجب ان لانكتفي بالنص, فالحروف ليست مقدسة, وانما المعنى الذي تنقله, ولا يمكن دائماً الوصول الى ذلك المعنى من خلال قراءة الحروف لوحدها, بل لابد لنا من ان نسمح لعقلنا ان يتدخل في قراءته وتفسيره.

لنترك النص الديني جانباً, ونلق نظرة على نص اخر في ضوء هذا المبدأ العلماني. النص الاخر هو موضوع الساعة, على الاقل بالنسبة الى العراقيين المقبلين على الإنتخابات, وهو نص الدستور العراقي, وبالتحديد ما جاء فيه حول مبدأ فصل السلطات.
والحقيقة ان هذا المبدأ من الاهمية بمكان بحيث يعتبر احد اعمدة الديمقراطية في العالم, ليس في الغرب فقط بل ولم يشذ عنه حتى الدستور العراقي الأول, حيث اخذ دستور 1925 بمبدأ فصل السلطات التنفيذية، والتشريعية والقضائية.

و في الدستور العراقي الحالي نص صريح :
الباب الثالث: السلطات الاتحادية المادة (46): تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات.

وما يشجعنا في تسليط الضوء التفكيري الباحث عن المعنى على هذا المبدأ هو انه (المبدأ) لايتجسد في أي نص لاية مادة في اهم الدساتير العالمية الحالية المطبقة له, الدستور الامريكي, لكنه متضمن بشكل واضح في تركيبة مواد الدستور الذي اعطى السلطات التشريعية للكونغرس, والتنفيذية للرئيس والقضائية للمحكمة العليا والمحاكم الاخرى الأدنى.

على تلك القراءة لمعنى هذا النص
ولكي ننظر الى هذا النص على ضوء قراءة معنى النص وليس حروفه فقط, نحتاج الى مراجعة تأريخية تمثل بالنسبة لهذا المبدأ ما تمثله "اسباب النزول" بالنسبة للآيات القرآنية.

تعود فكرة المبدأ الى اليونان القديمة, في زمن ارسطو, ثم طورت الفكرة على يد الفلاسفة الانكليز والفرنسيين. ففي عصر التنوير اعتمد العديد من الفلاسفة مثل جون لوك وجيمس هارنكتون المبدأ في كتاباتهم, وكان الفيلسوف السياسي الفرنسي مونتسيكيو من اشهر المؤيدين للمبدأ, وهو الذي استوحت الثورة الامريكية منه مبادئ دستورها.
فكرة مبدأ فصل السلطات هي توزيع القوة في جهات مختلفة تؤمن مراقبة بعضها وتوازن سلطاتها.

يقول جيمس مادسون, احد مؤسسي الدستور الامريكي, ان تجميع القوى في نفس المكان هو تعريف التسلط بذاته, ويقول لورد اكتون: السلطة تنحو الى الفساد, وحيث تكون السلطة مطلقة, يكون الفساد مطلقاً.

من كل هذا نستنتج ان "المعنى" من مبدأ فصل السلطات الدستوري هو الحرص على عدم تجميع قوة كبيرة في ايدي جهة واحدة, لأن في ذلك فساداً وخطراً على الديمقراطية.

لقد فكر فلاسفة وسياسيي البلدان التي بنت الديمقراطية في الماضي, فكروا وحددوا القوى الأساسية التي ستكون لها قوة التأثير على الساحة بعد اعلان الديمقراطية والحصول على حكومة منتخبة, فوجدوا ان تلك هي القوى الثلاثة المشهورة : التشريعية والتنفيذية والقضائية, فحرصوا على ان لاتتجمع اية اثنتين منها في يد واحدة.

والان لنعد الى العراق ونحاول ان نقرأ ماهية القوى الموجودة على الساحة (بعد الانتخابات)؟ هناك بالطبع الحكومة بسلطاتها الثلاثة ولكن هناك أيضاً في العراق قوة إضافية أقوى من الحكومة وسلطاتها, هي قوة الاحتلال الامريكية!
فإذا وصلت حكومة متفاهمة تماماً مع الأحتلال, فأن هذا الفريق"المتفاهم" سيمتلك سلطة كبيرة للغاية, خطرة على الديمقراطية, مماثل لخطر تجمع السلطات الثلاثة لدى الحكومة ان لم يكن اشد.

موضوع سجن الجادرية يقدم لنا مثلاً واقعياً. فلو ان "الاكتشاف" الامريكي تم في زمن حكومة رئيس وزراء صديق تريده اميركا, مثل علاوي أو الجلبي أو مثال الالوسي مثلاً, لما كان متوقعاً ان تكشف اميركا موضوع السجن. التفاهم بين السلطات سيغطي كل الفضائح!

لذا, فأن إحترام فكرة قراءة المعنى وليس النص الحرفي وتطبيقها على الدستور ومبدأ فصل السلطات يشير الى وجوب منع وضع كل تلك السلطات الكبيرة في يد فريق واحد يتكون من القوات الامريكية وحكومتها المفضلة, لخطورة ذلك على الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي تداعيات إبطال محكمة العدل الأوروبية اتفاقيين تجاريين م


.. إسرائيل تستعد لشن هجوم -قوي وكبير- على إيران.. هل تستهدف الم




.. واشنطن بوست: تساؤلات بشأن مدى تضرر القواعد العسكرية الإسرائي


.. مسيرات تجوب مدنا يابانية تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة




.. رقعة | كيف أبدل إعصار هيلين ملامح بلدات نورث كارولينا في أمر