الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الإسلاميون يفوزون في الإنتخابات المصرية ...

حازم العظمة

2005 / 12 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ثمة شعار بسيط في دعايتهم الإنتخابية يعتمده الإسلاميون : " الإسلام هو الحل " ، و هذا الشعار بسيط و يذهب إلى الهدف مباشرة ، يصل إلى "الآذان و القلوب" دفعة واحدة ، كما يقال ، العاطل عن العمل سيصدق أن مشكلته ستحل هكذا ، الذي لا يجد قوت عياله سيعتقد أنه بمجرد أن " يحكم الإسلام " ستتورد وجوه أطفاله من الشبع و الإيمان معاً ، الفلاح الذي ظلت الدولة تطارده حتى طردته من أرضه و طردت قوُته ، و في النهاية وجد نفسه بائعاً متجولاً في إحدى المدن الكبرى بعد أن خسر أرضه و " نجعه" و كرامته ... ، أو وجد نفسه بواباً أمام إحدى العمارات الموسرة حيث يتصدق عليه بالفتات الموظفون الفاسدون و كبار اللصوص ، و المهربون من الطبقة الجديدة التي يرعاها النظام ، طالبين منه أن يدعو لهم علّهم يزدادون " وجاهة" و ثراءً
هؤلاء من يصوّت للإسلاميين ، أعني الجهتين : البواب(الذي أصبح بوّاباً) المطرود من أرضه لصالح الرأسمالية الزراعية التي غدت أكبر بكثير من أن تدعى "ناشئة" ، و المهرّب ، صاحب الشقة الباذخة في العمارة ، الذي يتصدق عليه في شهر رمضان ، أو غيره، بالفتات لعل ذنوبه تُغفر ، و ثرائه الذي أتى من نهب الدولة الفاسدة و من النصب على الشعب أي " السذج" ، عله يزداد .. ، خاصة حين يعود من مكة " حاجاً" ، غاسلاً الذنوب كلها هكذا دفعة ً واحدة ْ .. أو علّه ، حين يصوّت للإسلاميين ، يكسب " ثواباً إضافياً "...
، هكذا يستمر نظام العبودية في مصر مطعماً منذ السادات بـ " الليبرالية" الأمريكية المستوردة مع دجاج " كنتكي " ( إعطاء ميزات تفضبلبة للدجاج الأمريكي المستورد ، و منذ عهد السادات ، أدى إلى تدمير إنتاج الدواجن المحلي المصري)
الإقتصاد المصري كله أصبح مرتهناً لـ " إهتمامات " التجارة الإمبراطورية الأمريكية تماماً حسب و صفات البنك الدولي و منظمة التجارة العالمية
بدأ ذلك و استمر بدون إنقطاع منذ نظام الإستبداد (إلى الأبد ) : السادات- مبارك و الذي يرسمون كي يستمر لسنين طويلة قادمة بفضل نجله الموهوب ...

الرياء هو ما يغلب على الحياة هنا و هناك ، الرياء يغدو نظاماً للحياة و "نمطاً" إجتماعياً بإتساع بلاد بأكملها ، الرياء هو المعادل الموضوعي لإستلاب حياة الناس و أرواحهم ،لقمعهم لا في قوتهم و كمِّ أفواههم و تهديدهم بالسجون و بالتجويع ، و بالإغتيال ( كما في حالة فرج فودة ) فحسب بل في " كمّ" عقولهم ، في إحتلالهم من أرواحهم إن صحّ القول

، نظام الإستبداد (إلى الأبد)،في مصر و غيرها، لم تكن تكفيه آلة الدولة البوليسية ،كان بحاجة إلى جهاز مواز أشد إجراماً و" خارج القانون الرسمي" فهو بذلك يغدو "طليق اليدين " ، نظام القمع الإضافي هذا أنشأه الأصوليون بتحريض و دعم ( لم يكن معلناً دائماً) من السادات ، و قد استخدمه السادات أوسع إستخدام (قبل أن يصير هو نفسه من ضحاياه )، من منع الكتب بفتاوى ، إلى تهديد الناشطين الديموقراطيين و ناشطي اليسار و مثقفيه و كتّابه بالقتل ، إلى تهديد كل من لا يتبع الإسلاميين و فتاواهم و أمرائهم و نصوصهم

، الرياء هو أن السادات في حينه أصدر مرسوماً يعفي العمارات من الضرائب العقارية إن خصصوا في العمارة " مصلّى" .. و هكذا أصحاب العمارات و بـ " ورع شديد " جميعهم إفتتحوا في عماراتهم مصلّى ..
، الرياء هو أن أحد هؤلاء يتعمد أن يضع شيئا ما – حصاةً مثلاً- في موضع يقابل منتصف جبهته أ ثناء السجود ،بحيث تبدو جليةً " دالّة الإيمان" هذه على جبهته – رقعة داكنة سمراء - و تفصح عن سجوده الخاشع الطويل .. و يحسَبُ ، و حسابه صحيح غالباً ، أن هذه تجارة ما مثلها تجارة أو كما يقال " لا تبور "

لماذا يفوز الإسلاميون في الإنتخابات المصرية ، لأن مصر شأنها شأن غيرها في المنطقة العربية لا تخرج إلا ببطىءٍ شديد من تراث موغل في السلفية ، شأنها شأن جميع الشعوب التي أُقصيت ، و أقصت نفسها ، بعيداً عن الحداثة و ظلت تجترّ تاريخاً جرت إعادة قصّه و حياكته حسب مقاسات استبداد " شرقي" لا يجد أحسن من الدين أداة لتغييب الناس عن العالم و عن الحياة و عن الحرية ، هذا "الغياب" الذي يجد أدوات لا عدّ لها تنجده في تكريس يكاد يبدو " لا زمنياً " ..

تقدّر أموال " الجهاد" ، فثمة الجهاد بالمال بالإضافة إلى القتل و الإغتيال و نسف الآمنين ، بعد تكفيرهم ، في الفنادق و المطاعم و حتى في المساجد ، أقول تقدّر هذه الأموال بآلاف المليارات من الدولارات "أنفقت" على نشر الإسلام – هذا النوع من الإسلام - في العقود الخمسن الماضية في المنطقة العربية و عامة في البلدان المسماة بـ "ديار الإسلام" ، و مصدر هذه الأموال بطبيعة الحال دول المشيخات النفطية و ممالك القرون الوسطى التي تجد في نشر الإسلام استثمارها الأهم لإدامة مشيخاتها و لتديمها لأولادها و أحفادها و لأنسبائها و من تحل عليهم بركاتها... ، و هذا الإنفاق كان دائماً بـ "رعاية" واشنطن ، بدون أن يعيق هذا بالطبع شراء أنظمة عسكرية و تجهيزات عسكرية ، من واشنطن دائماً ،بآلا ف المليارات الأخرى لن تستخدم في أي نزاع عسكري أبداً ... ، لحسن الحظ .. ، و بدون أن يعيق هذا أو "ينافس" إنفاق مثلها و ربما أكثر على موائد القمار و غير ذلك من السفاهات و السفالات في كل مكان من العالم تقريباً
سيكون خارجاً عن السياق و خارجاً عن المنطق إفتراض لو أُستخدمت آلاف المليارات هذه في التنمية ...في التعليم مثلاً في بلاد ما تزال شعوبها من أكثر شعوب الأرض أميّة
هل يحتفظون بالأميّة لأنها من تراثنا أيضاً ...

لماذا يفوز الإسلاميون في الإنتخابات .. ، لأن أدوات النشاط الدعائي و أقنية النشاط الدعائي متاحة و موفورة لهم برعاية كل الجهات التي ذكرتها .. ، في ما التيارات الأساسية الأخرى في المجتمع المصري ، المعارضة اليسارية و المعارضة العلمانية و المثقفين و المجتمع المدني بصورة عامة ملاحقة و ممنوعة و مضيق عليها و تجري ملاحقتها من الدولة و الإسلاميين معاً .

هذا الوضع ليس خاصاً بمصر وحدها ، الوضع في سورية يكاد يكون نسخة عنه فمنذ ما يزيد عن أربعين سنة ، تحديداً منذ الإنقلاب العسكري الذي جاء بـ " حزب البعث" ،كان ثمة ، هنا أيضاً ، إستبداد منهجي و عنيف يتناول الأطراف العلمانية و اليسارية و هيئات المجتمع المدني ، و يتناول في الواقع المجتمع كله

منذ أربعين سنة جرت " إقالة المجتمع " ، و ثمة من تولى عنه ، بدون أي تفويض ، أمور "الوطن" و "الوطنية" و جرى منع و إغلاق كافة المنابر إلا منابر و مواقع المتدينين و المتعصبين من كافة الأصناف بإستثناء صنف واحد : "إسلام" الإرهابيين ( أي الإخوان أساساً، و حزب التحرير " الإسلامي " ) و هي جهات طائفية بكل تأكيد ، و في السبعينات و الثمانينات هددت بالعنف سلطة الدولة القائمة أو على الأقل أشخاصها ( و إستخدمتها الدولة في إستقطاب طائفي بدورها وجدته حاسماً وحيوياً في إدامة نظامها )، بل أن التدين كان يلقى التأييد و الدعم من الدولة ، على أن يعلن تبعيته للتظام ..
في سورية أيضاً كيف لا يفوز الإسلاميون في أية إنتخابات "حرة "مقبلة ... ، في ما لم تغلق يوماً مؤسساتهم و منابرهم ،بعكس الجميع ، و فيما ظلوا يتمتعون برعاية متعددة و إمكانات تمويلية و دعائية غبر محدودة من أطراف عديدة محلية و إقليمية و عالمية ..
، العداء الشعبي للنظام في سورية تحول إلى الإسلام و التديّن .. فيما يمكن تفسيره بردة الفعل ، و ردة الفعل هذه إتجهت ، ارتدّت ، بطبيعة الحال إلى ماهو " جاهز" و " مؤسَّس" و " متجذر " في ثقافة الناس
ردة الفعل هذه تشبه ما جرى في بلدان عربية عديدة غير سورية و مصر ، الإرتكاس للإستبداد و العنف و السجون و تكميم الأفواه و الفساد كان التديّن
المضروبون ،منذالصغر ، و المجوّعون و المسلوبة كرامتهم لابد أن يلجأوا إلى أحد ما، لا بد أن يطلبوا الرحمة من أحد ما ... ، في السماء ..

إذن هكذا كان لا بدمن لافتة ديموقراطية في مصر لتزيين الإستبداد
هكذا "تدبـير اللعبة الديموقراطية" في مصر : على المصريين أن يختاروا بين إستبدادين ، الحزب الحاكم أو .. الإسلاميين ( الليبراليون .. " الجدد" جرى إقصائهم .. مؤقتاً ربما )
نظام : السادات -مبارك المستمر أو الإرهاب .. "الإسلامي"... ، على الأرجح الإثنين معاً في تناغم لا يدهش أحداً، و دائماً تحت رعاية الإمبراطورية
الإمبراطورية التي الآن تقترب من طورها الأخير ، الطور الذي يسبق مباشرة سقوطها المدوّي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-