الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية إيمان

طوني سماحة

2016 / 5 / 14
الادب والفن


كنت في السابعة عشرة من عمري أتابع دراستي الثانوية. كان لي الكثير من الاحلام آنذاك على الصعيد الثقافي والمهني وكنت أعرف أن وضعنا الاقتصادي قد لا يساعدني في الوصول الى حيث كنت أريد. كانت المنطقة التي أعيش فيها تزدهر بزراعة العنب الذي كان يصدّر في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي الى دول الخليج. كانت العطلة الصيفية فرصة لي لربح القليل من المال مما يسمح لي برفع العبء عن والدي الذي كان يعيل عائلة من ستة أولاد (كلمة أولاد في اللهجة اللبنانية تنطبق على الصبيان والبنات) إضافة الى الوالدة. كان عمي يضمن كروم العنب ويستأجر عمالا لقطافها وتوضيبها ومن ثم تصديرها لدول الخليج. عملت مع عمي شأني شأن الكثير من أبناء قريتنا. كان الشباب الذين يعملون في هذا المجال ينتمون الى الطبقة المتوسطة وما دون أما الفتيات فكن ينتمين بغالبيتهن الى الطبقة الفقيرة. كنت ذات يوم أعمل الى جانب إيمان التي كانت هي أيضا طالبة في المرحلة الثانوية. كنا قد أتممنا امتحانات المرحلة الثانوية وكنا ننتظر النتائج على أحر من الجمر. لكن بدا لي أن تلك النتائج لم تكن محور اهتمام إيمان الفعلي. قطفت عنقودا من العنب ووضعته في الصندوق الخشبي ثم نظرت الى ايمان وقلت لها "كيف تستطيعين الحفاظ على برودة أعصابك فيما النار تكويني لمعرفة النتائج؟" تبسمت إيمان، قطفت عنقود عنب، وضعته في الصندوق وقالت لي باللهجة اللبنانية دون ان تنظر إليّ "وليش إهتم؟ ما البنت أولتها وآخرتها للمطبخ."

تم إعلان النتائج ولم تكن إيمان على لائحة الناجحين. أعادت السنة الدراسية ليست رغبة منها في النجاح، إنما لتمضية الوقت كيما تتغير الظروف. بدأ شاب بالتردد على عائلة إيمان، وكما توقع الجميع، لم يمض زمن طويل حتى ارتبطت إيمان به. لم يسأل أحد عن خلفية الشاب الثقافية والأخلاقية، بل كل ما يهم أن البنت همّ وهو آت ليحمل الهمّ عن صاحبه. تزوجت إيمان وانتقلت لتحيا مع زوجها في بيت والديه في قرية مجاورة. كان زوج إيمان "قليل الدبار" أي لا يعرف كيف يتدبر أموره جيدا. فهو على قلة عمله كان يحب الكأس أي الكحول. لم يمض زمن طويل حتى وجدت إيمان نفسها وكما تنبأت قبل سنة أو سنتين سجينة المطبخ. فكان كل عملها يقتصر على خدمة أطفالها الخمسة إضافة الى حماها وحماتها. لا تذكر إيمان المرة الأولى التي امتدت يد زوجها عليها بالضرب. لكن العنف أصبح تقليدا عاديا في حياتها. لم تثر إيمان أو تعترض على طبيعة حياتها الجديدة. فمن الطبيعي لديها أن يضرب الزوج زوجته. هكذا تجري الأمور في نظرها. توفي الحما تاركا لزوجته القليل من الماء ومعاش التقاعد. أصبحت حماة إيمان الآمر الناهي في البيت كونها تمتلك القدرة الاقتصادية القائمة على معاش زوجها الضئيل. كانت الحماة تحدد لإيمان ماذا عليها ان تعمل ومن تستقبل في البيت وكيفية تربية الأولاد وما يجب طبخه، فيما الزوج القليل الدبار والحيلة يرى في الوالدة أينشتاين أو بل غيتز عصرها ( Bill Gates). قبل ان يبلغ الأولاد سن المراهقة توفي زوج إيمان تاركا إياها وأولادها تحت رحمة الوالدة.

توفيت حماة إيمان السنة الماضية. كبرت العائلة وهاجر أحد الأولاد الى الخليج وآخر الى اميركا. التقيت إيمان مؤخرا في حفل زفاف. خلال العشاء، صادف جلوسنا حول ذات الطاولة. سألتها عن وضعها وعن عائلتها. بدت لي شديدة السعادة. لم يبد عليها أي آثار الإحباط أو الفشل. فيما نحن نتبادل الحديث، اقتربت سيدة من إيمان وصافحتها. سألتها إيمان عن عائلتها. أخبرتها السيدة أن لديها شابين وفتاة وأن الفتاة بصدد إنهاء دراستها الثانوية وهي تصمم على متابعة دراستها الجامعية. نظرت اليها ايمان بنوع من الاستغراب وقالت "ولشو الجامعة؟ ما البنت أولها وآخرها بالمطبخ."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟