الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة2)

منذر خدام

2016 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الإسلامي
منذر خدام
(2)
(الديمقراطية في فكر الإسلام السياسي المعاصر.)
لقد شهدت الساحة السياسية والفكرية العربية حضورا متميزا وفاعلا للقوى الإسلامية على امتداد الوطن العربي، وارتبط ذلك بانهيار المشروع القومي كما قدمه الخطاب السياسي والأيديولوجي العربي خلال الخمسينات والستينات، وكذلك انهيار المشروع الاشتراكي بصورته السوفيتية، هذا بالإضافة إلى عمق الأزمة التي تعصف بالكيان المجتمعي العربي وتكلس الأنظمة العربية الحاكمة، والتحدي إلى حد الإذلال الذي تمارسه إسرائيل وأمريكا على العرب خصوصا بعد حرب الخليج الثانية. وفي جملة الموقف من الواقع العربي والتحديات التي تواجهه ، انشغل العديد من المفكرين الإسلاميين وكذلك الحركات السياسية الإسلامية بقضية الديمقراطية، فمنهم من رفضها بشكل مطلق واعتبرها مخالفة للإسلام نصاً وروحاً. السيد حافظ صالح على سبيل المثال يرى أن الديمقراطية تقول بفصل الدين عن الحياة وتجعل من الحرية مبدأ في الحياة الاجتماعية وهذا يخالف الشرع وتعاليم الإسلام المستقرة. أما السيد محمود الخالدي فإنه يعتبر النظام الديمقراطي سمة العقل الناقص للإنسان، ويتطرف كثيرا بحيث يصل إلى حد تكفير من لا يقر بحكم الإسلام.
من جانب أخر هناك من يتفاعل بشكل إيجابي مع الديمقراطية ويرى أن لا خلاف حول ضرورة الديمقراطية، بل الخلاف يدور حول ما تعنيه في دلالتها الاجتماعية والسياسية.الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ،على سبيل المثال ، يرى أنه لا يجوز نقل الديمقراطية الغربية كما هي بل لا بد من أن نضفي عليها قيمنا وفكرنا بحيث لا تبدو دخيلة على نظامنا، بل جزءاً مكوناً له. وهو يثمن كثيراً ما حققته الديمقراطية في الغرب ويعتبرها قريبة جداً مما جاء به الإسلام من مبادئ وأصول سياسية مثل الشورى والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..الخ.
ويتطور الموقف كثيرا من قضية الديمقراطية لدى العديدين ممن يعملون في الحركات السياسية الإسلامية المعاصرة، ومن أبرز هؤلاء يمكن الإشارة إلى السيد راشد الغنوشي في تونس والسيد عدنان سعد الدين في سورية والسيد حسن الترابي في السودان.
يدعو السيد راشد الغنوشي إلى بناء نظام ديمقراطي كمدخل لتحقيق الإصلاح الشامل وينتقد بشدة سهولة تكفير المخالف والطعن بدينه لدى الحركات الإسلامية بسبب انغلاقها وتوجسها من كل جديد.
لكن بطبيعة الحال لدى السيد الغنوشي تصوره الخاص للنظام الديمقراطي، وهو ينتقد من يطالب بالأخذ بالديمقراطية الغربية كما هي، رغم انه يقر بأنها أفضل الأنظمة التي تمخض عنها تطور الحياة المجتمعية ، واهتدى إليها الفكر الإنساني ما عدا النظام الإسلامي. ولكي تصلح الديمقراطية للواقع الإسلامي لا بد من إعادة استنباتها في الأرض الإسلامية وتبيئتها وتخليصها من شوائب العلمانية. ولا يجد السيد الغنوشي حرجا في أن ينظر إلى الديمقراطية من داخل المنظومة الفكرية الليبرالية فتبدو له تعددية سياسية واحترام حقوق الإنسان بما فيها احترام حرية التعبير والمشاركة السياسية والتداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع ورفض العنف كأداة لحل الخلافات السياسية والفكرية.
ومع أن الغنوشي يعتبر متميزا إلى حد كبير في تفكيره وفي تعاطيه مع الشأن السياسي بالمقارنة مع غيره من المشتغلين في الحقل الفكري والسياسي بمرجعية إسلامية، إلا أن السيد عدنان سعد الدين المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية لا يقف بعيدا عنه في موضوع الخيار الديمقراطي ، وكذلك يفعل السيد علي صدر الدين البيانوني.
يدعو السيد عدنان سعد الدين إلى الحرية في التفكير والتعبير والتنظيم والمشاركة في الحكم من خلال مؤسسات دستورية يختارها الشعب . ومع أن مفهوم الأغلبية لدى السيد عدنان سعد الدين يتحدد بالأغلبية الدينية، مع ذلك تعتبر أطروحاته متقدمة على أطروحات أغلبية قادة الإخوان المسلمين في سورية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين. الشورى تعني حسب رأيه ،مشاركة أفراد الشعب في اتخاذ قرارات ملزمة وقطعية لمختلف مستويات السلطة. وهو يرى أن النظام الديمقراطي يجب أن يقوم على ثلاث ركائز:
أ-حكم الأكثرية وما يلازم ذلك من حرية التعبير والتنظيم.
ب-المشاركة في الحكم عبر المؤسسات والصيغ المشروعة.
ت- حرية الاختيار للشعب.
ومن اللافت أن السيد عدنان سعد الدين الذي كان يتزعم الجناح الراديكالي في حركة الأخوان المسلمين في سورية، في مواجهة جناح المعتدلين بزعامة عبد الفتاح أبو غدة ، كان قد تحول من وضعية الحزب التضامني إلى وضعية الحزب التمثيلي بعد الهزائم التي تعرض لها الأخوان المسلمون في سورية ، وخصوصا بعد التحولات التي جرت على الصعيد العالمي . فخلال المفاوضات التي جرت بين الأخوان المسلمين والقيادة السورية في كانون الأول عام 1984 طالب ممثلو الأخوان بضرورة التحول الديمقراطي الشامل، ولخصوا مطالبهم في بيان 3 شباط عام 1985 بإلغاء حالة الطوارئ ، والأحكام العرفية ، وإطلاق الحريات العامة، وضمان حرية التعبير، والتفكير، والحقوق السياسية لجميع المواطنين ،وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس دستور جديد تضعه هيئة تأسيسية.
بدوره السيد حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية في السودان يرى في الحركة الإسلامية حركة شعبية وجماهيرية وديمقراطية، ويعتقد أنه لا بد من فك الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية ليسهل تسويقها إسلاميا . لقد مالت الحركة الإسلامية في السودان إلى قبول الديمقراطية والتعدد والاختلاف تحت ضغط التجارب الديمقراطية في السودان، ولم تصل إلى حد تبنيها كخيار استراتيجي، لذلك بقيت نظرتها إليها كوسيلة للانتشار وحرية العمل.
باختصار ثمة اتجاه إسلامي آخذ في التبلور يدعو إلى التعامل الإيجابي مع قضية الديمقراطية كخيار لا يجوز رفضه طالما أنه يشرع وجوده ويتيح له فرصة العمل والممارسة السياسية والفكرية والمنافسة على السلطة خصوصا بعد أن تحول في العديد من البلدان العربية إلى حركات جماهيرية.
ففي مصر حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تعيد النظر بمضمونها وأن تقترب من نمط الحزب التمثيلي فأصدرت وثيقتين هامتين : اعترفت في الوثيقة الأولى بحق المرأة في العمل والمشاركة في الحياة العامة وأن تحتل مختلف المناصب ما عدى منصب رئيس الدولة.
أما الوثيقة الثانية فكرستها للمطابقة بين الشورى والديمقراطية الحديثة حيث أكدت فيها على أن الأمة هي مصدر السلطات وأنه لا بد من دستور مكتوب يؤخذ من النصوص الشرعية ومن مراميها وقواعدها الكلية.تؤكد الوثيقة على حفظ الحريات العامة والخاصة وتحديد مسؤولية الحكام ومحاسبتهم أمام مجلس نيابي منتخب بشكل حر يتمتع بسلطات تشريعية وتكون قراراته ملزمة. ويجب أن يقوم النظام الديمقراطي المنشود على التعددية الحزبية دون قيود وقبول تداول السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية عن طريق انتخابات ديمقراطية. تكمن أهمية الوثيقتين المشار إليهما في أنهما تعبران عن الرأي الرسمي للجماعة.
وينطبق ذلك بدرجات مختلفة على التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وعلى الأخوان المسلمين في الأردن وفي غيرها من البلدان العربية.
يبقى السؤال مطروحاً حول مدى جدية تمسك الحركات الإسلامية بالخيار الديمقراطي؟
هذا السؤال مجاب عنه جزئيا في أطروحتها حول الدول الإسلامية ،ومقولة الحاكمية لله الشهيرة لأبي الأعلى المودودي ، التي أخذت طابعا جهاديا على يد سيد قطب، وكذلك أجابت عنه ممارسة بعضها عندما كانت تهيمن على السلطة كما هو الحال بالنسبة للجبهة القومية الإسلامية في السودان، فكانت كغيرها من الحركات القومية أو الشيوعية ذات طابع تفردي استبدالي، وبالتالي استبدادي.
التيار السائد في الإسلام السياسي يرى الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان ،وهو بذلك يصيره قيمة متعالية ما فوق تاريخية. وبدلا من أن يعمل تحت ضغط الواقع لتكييف النص مع مقتضياته، على العكس يحاول تكييف الواقع مع النص.يتجاهل أصحاب هذا التيار أن القرآن نزل في مناسبات ، وله أسباب نزول جاء جوابا عنها. الديمقراطية لدى هذا التيار تكتيك للوصول إلى السلطة سرعان ما يرتد عنه بعد بلوغها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلجيكا ترفع دعوى قضائية ضد شركة طيران إسرائيلية لنقلها أسلحة


.. المغرب يُعلن عن إقامة منطقتين صناعيتين للصناعة العسكرية




.. تصاعد الضغوط على إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب| #غرفة_الأخبار


.. دمار واسع طال البلدات الحدودية اللبنانية مع تواصل المعارك بي




.. عمليات حزب الله ضد إسرائيل تجاوزت 2000 عملية منذ السابع من أ