الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قضايا الهجرة و الاندماج العربيين بكندا, حوار مع الباحث و الكاتب الصحفي المغربي المقيم بكندا محمد نبيل

محمد فاضل رضوان

2005 / 12 / 8
مقابلات و حوارات


أعادت أحداث الضواحي الفرنسية في الآونة الأخيرة التيمات المرتبطة بالهجرة و الاندماج إلى واجهة الأحاديث و النقاشات العامة و الخاصة, فقد كانت هذه الأحداث التي تطلبت من بلد الأنوار تدابير قاسية أثارت التساؤلات عما بقي من تراث الثورة الفرنسية إعلانا عن إفلاس النموذج الفرنسي و الأوروبي عموما في الإحاطة بتداعيات البلقنة الاجتماعية و الثقافية و الإثنية التي تفرضها موجة استقبال مهاجرين أجانب, هذا عن فرنسا و أوروبا فكيف تسير الأحوال بأمريكا الشمالية و خصوصا كندا التي تعتبر ظاهرة كمية في استقبال المهاجرين و تجنيسهم؟ و هل تطرح إشكالية الاندماج بكندا بشكل مختلف عما هو الأمر بأوروبا؟ و ما مدى جدوائية التراكم المنهجي الذي حققه دارسوا النماذج الأوروبية في قراءة وضعية المهاجر المغربي و العربي بكندا؟ لمحاولة الإحاطة بهذه الإشكالات كان لنا هذا الحوار مع الباحث والكاتب الصحفي المغربي المقيم بكندا محمد نبيل.
ـ تعيد الأحداث التي شهدتها فرنسا و بعض الدول الأوروبية طرح إشكالية اندماج المهاجرين في هذه البلدان, ما هي قراءتكم لهذه الأحداث من موقعكم كباحث و صحافي مهاجر ؟
أولا، يجب وضع مفهوم الاندماج أمام المساءلة و إبعاده عن كل توظيف إيديولوجي. فيجب التفريق بين مفاهيم: التذويب، الانصهار assimilation و الاندماج intégration. ،فسياسة الاندماج تظل مجرد خطاب سياسي و إيديولوجي بعيدا عن الممارسة اليومية التي تكشف عن الصراع والمقاومة بين مخططات التذويب و الانصهار من جهة و المقاومة التي يمارسها المهاجر بأشكال مختلفة ضد هذا التوجه من جهة أخرى ، مما يحول العلاقة بين المهاجر و البلد المحتضن إلى صدام ينتج عنه أزمات تتمظهر في أشكال و أعراض مختلفة. وكمثال على ذلك: تضخم الخطاب حول سؤال الهوية. إن ما تقوم به الدول المستقبلة للمهاجرين ـ و لو بأشكال وسيناريوهات مختلفة ـ هو التوجه نحو جر المهاجر لحمل ثقافة البلد المحتضن ولو جزئيا، هذا الأخير يقوم بردود فعل مضادة قد تأخذ أحيانا صور عنف مادي أو رمزي عوضا عن ممارسة الفعل مادام أن المهاجر في وضعية المقاوم اجتماعيا.
2ـ من المعروف أن الظروف و الشروط المحيطة بالهجرة إلى أمريكا الشمالية و خصوصا كندا مختلفة عما هو متداول في أوروبا هل يساهم هذا الأمر في طرح إشكالية اندماج المهاجرين في هذه البلدان بشكل مختلف؟
الهجرة بكندا و أمريكا لا تختلف عن مثيلاتها بأوروبا إلا في السيناريو السياسي التي تحبكه الدول و صناع القرار للتعامل مع المهاجر. و بالمناسبة سأحكي لكم حكاية تبين وضوح واقع المهاجر بالديار الكندية و قد وقعت بإحدى اللقاءات العلمية حول الهجرة بكيبيك والتي خاطبت فيها وزيرة الهجرة الحاضرين وخاصة المهاجرين منهم قائلة:
ـ يجب علينا اتخاذ تدابير عملية من أجل إدماج المهاجر و على الذين هم من أصول كيبيكيةـ نسبة إلى مقاطعة كيبيك الفرنكوفونية ـ أن يتفهموا الأمر....الخ هذا الخطاب أزعج أحد الأفارقة الذين تجنسوا بعدما قضى أكثر من 15 سنة بكندا و رد على الوزيرة بانفعال شديد: متى ستتوقفون عن تكرار هذا الخطاب الذي يعتبر دائما المهاجر مهاجرا و يميزه عن بقية السكان بالرغم من تجنسه و يعيش بالبلد أكثر من عقد من الزمن؟
هذه الحكاية تلخص نوعا ما وضعية المهاجر الذي يظل غريبا عن البلد المضيف و السياسة الممارسة فيه بالرغم من العيش فيه طيلة زمن طويل. السياسة الرسمية، في عمقها ، تهدف إلى ترك المهاجر وحيدا بالرغم من الوصول إلى هدف تحويله وتذويبه مثله مثل بقية السكان الذين يطلقون على تسميتهم ب ـ السكان الأصليين ـ .
بكندا، الوضعية جد خاصة. فتاريخيا، كل السكان هم من المهاجرين بإستثناء الهنود و غيرهم من الذين همشوا بوسائل وبطرق عديدة وعزلوا في مواقع محجوزة لهم لا يؤدون فيها مجموعة من الواجبات كالضرائب و غيرها، والرغبة الرسمية في ذلك هي إقصائهم و اللعب على قضيتهم بل وتوظيفها في الحملات الانتخابية. إن سياسة كندا في مجال الهجرة ـ التي بالرغم من أنها تختلف حسب كل مقاطعات ـ تتوخى عزل المهاجر و تمييزه كي يحتضر شيئا فشيئا في إطار ما أسميه بالعنصرية الهادئة أو المقنعة .
3ـ ساهمات تراكمات إشكالية اندماج المهاجرين العرب و المغاربيين بالدول الأوروبية في صياغة آليات معينة في مقاربتها و تحليلها, هل تصلح في نظركم نفس هذه الآليات لقراءة هذه الإشكالية بكندا؟
قد تختلف المناهج والمقاربات في التعاطي مع إشكالية وضعية المهاجر في بقاع مختلفة من العالم، لكن التصور العام يظل ثابتا، وهو البحث عن أسباب عدم الإندماج سواء في الشق الذاتي المتعلق بالمهاجر أو الشق الموضوعي المرتبط بفشل الحكومات الغربية ـ و أعني بها الدول المستقبلة للمهاجرـ في اعتباره مواطن مثله باقي المواطنين دون تمييز لغوي، اجتماعي، سياسي و غيره. المتغير السوسيولوجي يظل هو ظاهرة الهجرة على الطريقة الكندية التي تختلف عن مواسم الهجرات إلى الشمال الأوروبي لكن الثابت يظل هو معاناة المهاجر، تهميشه بلياقة عالية وحمله على تبني ثقافة البلد المضيف مما يجعل سؤال الهوية بالنسبة للمهاجر أكبر و أخطر عليه و على البلد الذي يقيم فيه. انغلاق المهاجر و عدم تفاعله مع الوسط عامل لا ينبغي أن ننساه خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار المستويات الثقافية و مستوى وعي المهاجرين و غيرها من العوامل.
عموما، أوافق رأي من يقول بأن كل سياسات الاندماج في ارويا و أمريكا تعد فاشلة وأسبابها ذاتية و موضوعية ترتبط بالبلدان المضيفة و بالمهاجرين أنفسهم.
4ـ تساهم الشروط التنظيمية لملف الهجرة نحو كندا في كون أغلب هؤلاء المهاجرين المغاربة و العرب هم ذوو مستوى تعليمي عالي, هل يساهم هذا خلق حياة ثقافية عربية بكندا؟
الحركة الثقافية بكندا لا تنسجم مع الكم الهائل للمهاجرين العرب الذين بدأ جزء مهم منهم يمثل الجيل الثالث و هذا يوضح بجلاء أن الكيف أفضل بكثير من الكم. الأسباب متعددة وترتبط بطبيعة البلد و وتيرة حركته الاجتماعية المطبوعة بالسرعة و الروح الاستهلاكية التي تريد تنميط كل شيء حتى إنسانية الإنسان مما حول الذات إلى آلة لا تفكر و إن فكرت فستظل على هامش الفعل الحقيقي، هذا دون نسيان غياب المبادرة من لدن المهاجرين الذين لا يشكلون ضغطا على أصحاب القرار السياسي لان العمل السياسي لا يمارس بالأحزاب فقط بل بمنطق اللوبيات الضاغطة و المصالح الاقتصادية و هلم جرا. لا أشك في كون لعنة الدولار، انسداد الأفق أما المهاجر و نظام البلد العام، كلها أسباب تؤدي إلى الفشل و الانهيار في صفوف المهاجرين.و نسجل بهذا الخصوص العديد من حالات الانهيارات النفسية في صفوف العديد منهم. فكيف يمكن لمهاجر أن ينتج و هو مازال يفكر في عمل قار و استقرار و اندماج ؟ كيف يمكن للمهاجر أن يرتاح و يندمج و هو طبيب في بلده و سائق طاكسي في كندا لان قوانين البلد تحرمه من مزاولة مهنته ؟
5ـ ما الحل في نظركم ؟
أولا يجب ممارسة النقد المزدوج كي نوضح بجلاء الحقائق وننفض الغبار عن أشياء عديدة،أي نقد سياسيات التذويب الغربية و التي تحاول قولبة المهاجر في شكل أنماط جاهزة على شاكلة مرغوبة ومصنوعة سلفا، ثانيا، يجب على المهاجر أن يمارس النقد الذاتي حتى يستطيع مراجعة حساباته و طرق تعاطيه مع البلد الذي يقيم فيه مع خلق مسافة بينه و بين ثقافته و تراكماتها التي فيها الغث و السمين حتى يصل إلى جروحه الوجودية و الاجتماعية. فهناك هوامش من الحرية بأوروبا و أمريكا فرضتها سياقات تاريخية معينة يجب توظيفها للتفاعل مع هذه المجتمعات التي يعيش بين أحضانها المهاجر. فالهوة بين الشعوب و السياسيات موجودة حتى في أعرق الديموقراطيات. لذلك، فالتغيير الحقيقي يبدأ من داخل هذه المجتمعات المحتضنة ـ بكسر الضاد ـ، وهذا لا يتحقق بالانعزال و الانغلاق داخل غيتوهات سكنية و ثقافية يحلم فيها المهاجر بالتجانس و الاطمئنان النفسي والروحي و يهدف من وراءها إلى الإحساس بالهدوء جنبا إلى جنب من يشاركه الملة أو الدين أو الثقافة أوما شابه ذلك. إن اختراق المجتمعات المضيفة والتفاعل الإيجابي معها يتأتى عن طريق ممارسة تواصل ثقافي متبادل في كل أشكاله و خلق فضاءات للممارسة و للتحاور اليوميين. الهجرة ليست هي الحصول على دبلوم وعمل قار و ثابت. إن ما يحتاجه المهاجر هو رؤية جديدة و مخططات واضحة ومغايرة لمناقشة الفاعلين الاجتماعيين والتفاوض معهم بعيدا عن الانفعال و تبادل الأحكام القبلية البعيدة كليا عن الحقيقة الموضوعية.
6ـ إذا كانت الهجرة إلى كندا سببا في استنزاف الأدمغة العربية فهل من سبيل ليساهم هؤلاء في تطوير البنى الفكرية و الثقافية و الاقتصادية من موقعهم بأرض المهجر؟
هجرة الكفاءات و الأدمغة إلى كندا يساهم في تطوير البلد المضيف و يعطيه شحنات إضافية للتطور، أما بلداننا العربية ما زالت تئن تحت وطأة التخلف و الأمية و الاستبداد. الأنظمة غير ديموقراطية، تمتص عرق الشعوب وتستغل سذاجتهم من أجل الاغتناء الفاحش أما النخبة السياسية العربية، جزء كبير منها باع القضية. الديموقراطية ثقافة،قيم و سلوك. حقيقة هجرة الكفاءات و الأدمغة يعد نتاج فشل المجتمعات العربية في التطور و تأسيس فعل ديموقراطي يتحمل فيها الكل المسؤولية. فكيف يتحقق ذلك و نصف العرب أميون. المجتمعات العربية لا تنتج من الكتب سنويا مثل ما تنتجه فقط دولة مثل أسبانيا في مجالات عديدة. الحقيقة مرة لكن يجب مواجهتها بممارسة نقذ ذاتي يمارسه المواطن داخل أسرته، داخل الحزب النقابة و المنظمة الأهلية. يجب خلق ثقافة للإنصات و نبتعد عن اللغو. فللنظر إلى المجتمعات الشرقية و لنأخذ مثال الصينيين الذين يعملون في صمت غريب و يهددون الاقتصاد العالمي. فالعديد من الترقبات الإقتصادية تؤكد قوتهم المطلقة سنة 2040. ويكفي أن نقول أن الصين استورد نصف الاسمنت العالمي من أجل بناء البنية التحتية التي تشكو من العجز. هذا مؤشر على انطلاق الآلة الصينية من داخل البلد هذه المرة. تفكيك الدات و نعرية هفواتها بعيدا عن الأنانية و تكرار الخطاب حول التاريخ الذهبي، يعد مدخلا أفضل لبناء المستقبل. فليس بتقمص شخصية الضحية يتحقق حلم المهاجر، لكن بتشريح الأمراض بفضيلة عالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|