الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المظاهر الثقافية للعنصرية

عاصم منادي إدريسي

2016 / 5 / 15
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


يمكن تعريف العنصرية بأنها الانتقاص من قيمة/كرامة الإنسان، بسبب اختلافه مع الذات في العرق واللون واللغة والدين والمذهب والطائفة. إنها إشاعة لفكرة اللامساواة للتفوق على الأفراد والأمم والشعوب والديانات واللغات. والعنصرية بهذا المعنى هي كل سلوك أو قول تتعصب فيه الذات/الجماعة لإرثها الحضاري أو الديني أو لأصلها العرقي وتمجده في مقابل تبخيسها لكل من لا يتقاسمون معها الخصائص نفسها.وقد ازدهرت هذه الأفكار على ثلاث مستويات أهمها العرق واللغة والدين.
-المذهب الديني/الطائفي : من الواضح أن للدين دورا حاسما في تأجيج مشاعر العنصرية واحتقار الغير، ما دامت كل جماعة تحمل اعتقادا راسخا بصواب وصدق معتقداتها الدينية يجعلها على الطريق المستقيم، وفي الوقت نفسه تصف مختلف الديانات والمذاهب والطوائف بالضلال والكفر والخطأ. ومن ثمة تعطي لنفسها الحق في تجريمهم وشيطنة أفكارهم وتسفيه معتقداتهم والسخرية منها علانية.
لذلك نجد لدى أبناء الدين الواحد مواقفا ونكتا وأحكاما مسبقة غاية في العنصرية والسفاهة حول أبناء الديانات الأخرى يسخرون فيها منهم ويتهمونهم بالانحراف الخلقي وينعتونهم بمختلف مواصفات الفساد والضلال الديني في مقابل تعظيم وتمجيد الدين الذي تعتقد بصحته ( فكرة شعب الله المختار عند اليهودية، تمثلاتنا الثقافية عن النصارى واليهود مثلا) . ورغم أنه لم يسبق لأحد أن احتك بهم وثبت له صدق أحكامه حولهم.
وداخل الدين الواحد تسري هذه القاعدة بين فرقه المتعددة، إذ تجد كل طائفة تدعي أنها على الطريق الأصوب والأصح، وأن اتباعها واجب من أجل النجاة من الجحيم الذي ينتظر ما عداها من المذاهب والطوائف الأخرى التي انحرفت عن الطريق المستقيم فضلت وأضلت. وليست طوائف ومذاهب الإسلام بمنأى عن هذه القاعدة، والدليل على ذلك هو الهجوم المتبادل منذ مئات السنين بين السنة والشيعة، والذي يتخذ في بعض الأحيان طابعا دمويا بسبب تأجيج الإعلام -الموجه سياسيا- لنوازع الكراهية والحقد بين منتسبي الطائفتين اللتين تدعي كل منهما الصواب المطلق لنفسها مستندة على الحديث الذي روته كل الطوائف التاريخية (حديث الفرقة الناجية). والأمر نفسه ينطبق على المسيحية التي عاشت لعقود طويلة على إيقاع الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت.
اللغة : تقوم عنصرية اللغة على الاعتقاد في أن من يتكلمون هذه اللغة أشرف وأفضل وأرقى من غيرهم، ويحمل هذا الاعتقاد عنصرية أمة /شعب تجاه غيرها من بقية الأمم والشعوب، وينتج عن ذلك الكثير من الممارسات اللا إنسانية واللا أخلاقية من متكلمي هذه اللغة ضد غيرهم تصل إلى حد المقاطعة الاجتماعية وممارسة كل أشكال العنف.ويتم استغلال هذا التنوع اللغوي سياسيا لصناعة وتحريك العداوة بين الكثير من الجماعات من أجل تضليل الناس عن مشاكل وقضايا أخرى مصيرية وجوهرية.
-العرق : يمكن القول بأن العنصرية العرقية هي أبشع مظاهر التمييز العنصري التي عرفتها البشرية. وهي ممارسة سلكها في الغالب البيض ضد غيرهم من بني الإنسان (السود. الهنود الحمر.الأسيويين الصفر..).
ينبني هذا النوع من العنصرية على اعتقاد البيض أنهم أجمل وأفضل وأذكى من بقية الأجناس، وأن من ينحدرون من العرق الأبيض أشرف من غيرهم، (الدعوى التي اعتمدتها النازية بحديثها عن العرق الآري). ويرجعون هذا التفوق العرقي إلى الطبيعة مؤكدين أنه منذ الخلق تم اختبار جنسهم ليتبوأ المكانة العالية، في حين تقرر لبقية الأجناس أن تكون في خدمة البيض. وهي فكرة حاول من خلالها البيض أن يجعلوا من مسألة استغلالهم واستعبادهم لغيرهم واقعا لا يرتفع ولا يمكن تغييره مستندين في ذلك إلى الثقافة (تفوقهم حضاريا كما هو حال الحضارات القديمة كالمصريين والفرس والرومان واليونان..) أو القوة (استعباد أسرى الحروب) أو الدين (الحديث عن الخدم والجواري والعبيد...).
يصعب حصر مظاهر وأشكال العنصرية داخل المجتمعات الإنسانية، لكن أبرزها هي تلك التي مورست -وما تزال- ضد ذوي البشرة السوداء، خاصة الأفارقة منهم. إذ لطالما استغل البيض ضعف وتخلف الشعوب الإفريقية ثقافيا واقتصاديا وحضاريا للتسلط على رقاب السود واستعبادهم في الضيعات واستغلال خيرات بلادهم ومواردها والتعامل معهم بمنتهى الاحتقار والازدراء كما لو كانوا مجرد أشياء. وحتى اليوم -رغم ما يقال عن ديموقراطية وتحضر الآنسان الغربي- لم يستطع الغرب أن يقطع مع الممارسات العنصرية صد الأفارقة السود وبقية المهاجرين، حيث يعتبرون في نظر الإنسان الغربي مجرد يد عاملة يستفيد من مجهودها العضلي، ومن ثمة يصنفهم كبشر من درجة أقل بكثيرمن إنسانيته. يعتقد العنصري أن من يختلفون معه يمثلون تهديدا له. وهذا الحكم المسبق على الغير يحفز السلوك السلبي ضده، لذلك نجد بعض الأشخاص العنصريين يرفضون كراء بيوتهم أو تقديم مساعدتهم للغرباء الذين لا يتقاسمون معهم الانتماء الوطني أو العرقي أو اللغوي أو الديني/المذهبي. والحقيقة أن العنصري عدو نفسه، ويكره كل ما ليس عنده.
إن تغلغل السلوك العنصري بمختلف أشكاله (عنصرية الذكور ضد الإناث. العنصرية العرقية واللغوية والعرقية والطائفية والسياسية..) في مختلف الثقافات والمجتمعات الإنسانية يدعونا اليوم إلى وقفة تأملية لمساءلته وإعادة النظر فيه والتفكير في سبل وآليات التحكم فيه. فمن الواضح أنه لا يمكن تبرير العنصرية بأي شريعة أو قانون. فمن العبث احتقار شخص ما وازدراؤه فقط لاختلاف لون بشرته أو دينه أو عرقه، إن اختلاف ملامحنا ولغاتنا ودياناتنا لا تنطوي أبدا على عدم المساواة، ما دام الإنسان لا يختار عرقه وشكله ودينه. وما لا يختاره الشخص، لا يعد أبدا مسؤولا عنه. ومن ثمة لا أفضلية لأحد على أحد بما هو طبيعي لم يتدخل في صناعته وتكوينه، معيار التفاضل ليس الطبيعة، بل هو ما يفعله الشخص (الكفاءة والاستحقاق) وما يقرره بحريته وذاته. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون والمتنافسات.
إن أهم ما يميز السلوك العنصري هو هشاشته وضعف أسسه التي لا تتحمل فحص العقل وتنهار أمام تساؤلاته. وأهم هذه الأسس "مبدأ التعميم". تنبني العنصرية على أحكام عامة تصنف فئة من الناس تحت قاعدة محددة (غباء العرب. بخل الأمازيغ.مكر اليهود. استغلال النصارى. همجية السود...)، من الواضح أن كل تعميم غلط، لأنه ينطلق من أحكام مسبقة يتوارثها الصغار عن الكبار ويتلقفونها عبر التنشئة الاجتماعية، دون أن يسمحوا لأنفسهم أبدا بمراجعتها والتحقق منها، وبالتالي يتنازلون دون وعي منهم عن حقهم في معرفة الآخرين المختلفين عنهم واكتشاف التنوع الثقافي الذي يجب أن يدفعنا لنكون فضوليين أكثر لاكتشاف ومعرفة الغير المختلف، فمعاملة الغير والاحتكاك به هما أفضل وسيلة لتنظيف عقولنا من أحكامنا وتظثلاتنا المسبقة ضده. وهنا يأتي دور المدرسة التي يجب أن تنهض بمسؤولية تحرير الأطفال من كل التمثلات والأحكام المسبقة حول الغير المختلف عنهم ومساعدتهم على بناء تصور كوني حول مفهوم "الإنسان" تكون فيه قيمة كل الناس سواء بغض النظر عن اختلافهم في العرق واللغة والدين والوطن. فالإنسان بإنسانيته فقط -لا بجماله ولونه وملابسه ونسبه وسلطته وانتمائه السياسي والديني- جدير بالاحترام. وكل اختلاف بينه وبين الذات هو تنوع إنساني يدعونا لاكتشافه ومعرفته. نحن مدعوون اليوم إلى تنقية برامجنا الدراسية من كل التلميحات والإشارات العنصرية التي يتم تلقينها لأطفال يعتقدون بصحة ما يسمعونه من مدرسيهم وفقهائهم وكبارهم. ومن أهم هذه الإشارات كلمة "أعراق/أجناس"، مثل هذه المفاهيم يجب ألا يكون لها مكان في المدرسة، لا بد من أن يتعلم الأطفال أن هناك نوع واحد فقط "النوع البشري" يتكون من مجموعات مختلفة لا تفاضل بينها عرقيا. والدليل على ذلك أنه يمكن لدماء ذوي البشرة السوداء أن تنقذ أشخاصا ذوو بشرة صفراء أو بيضاء والعكس صحيح أيضا. فكل مظاهر اختلافنا كبشر صناعة إنسانية ثقافية، وليست أبدا بيولوجية أو طبيعية. إن انتماءنا الواحد إلى مملكة الإنسانية، وتقاسمنا للمصير المشترك يدعونا اليوم إلى تخطي كل الحدود الوهمية التي يصنعها الفكر العنصري بين الجماعات البشرية لتقليص عالم الإنسانية الواسع، وهي دعوى تجد صداها في الآية الكريمة القائلة " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو"، صدق الله العظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة