الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الاسلامي( الحلقة3)

منذر خدام

2016 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


إشكالية تأصيل الديمقراطية في الفكر الإسلامي
منذر خدام
(3)
الديمقراطية والدين(التدين)
الدين والديمقراطية ينتميان إلى بنيتين فكريتين مختلفتين تماماً، جوهر الدين هو "المقدس" الذي يشتق منه التدين الشعبي في الحياة العملية موقف من الآخر يقوم على أساس التكفير. فالآخر من منظار ديني، أيا كان هذا الآخر،وهذا الدين فهو كافر.ولا يخفى ما لهذا المصطلح " كافر " من قيمة انفعالية سلبية في مجال العلاقات الدينية وفي جميع المجالات الدنيوية الأخرى.
أما جوهر الديمقراطية فهو إدارة علاقات السيطرة، وبالتالي فهي موجهة بالدرجة الأولى إلى نظام الحكم السياسي وتنظيم الحياة السياسية وإدارتها.بالطبع الدين العملي ( الدين كما هو في وعي الناس ) لم يكن هو الآخر بعيدا عن إدارة علاقات السيطرة وتنظيم الحياة السياسية للمجتمعات التي هيمن عليها، بل و في مرحلة من التاريخ أفرز نظامه السياسي المطابق، وشكل في حينه أيديولوجيته الرسمية. وكما هو ثابت في التاريخ فقد كان نظاما استبداديا، استمد شرعيته من بعده الميتافيزيقي. لكن مع تطور الرأسمالية وتنامي دور الفرد ومصالح الطبقات تولد شكل أيديولوجي جديد ينتمي إلى العالم الدنيوي ،أخذت تقرأ به مختلف الفئات والطبقات مصالحها الواقعية. في سياق عملية التحول والانتقال هذه جرت صراعات عنيفة بين القوى الاجتماعية المتلطية خلف الراية الدينية من قوى إقطاعية كهنوتية ومدنية، والبرجوازية المتحالفة موضوعياً مع العمال و الفلاحين ، حسمت في النهاية لصالح هذه الأخيرة. ونظرا لطبيعة البرجوازية الأوربية في القرن التاسع عشر،التي لم تفترق بشكل قطعي ونهائي عن الأيديولوجية الدينية لذلك سرعان ما ارتد ت إليها باحثة فيها عما يقوي موقعها المهيمن في البناء الاجتماعي الجديد، في مواجهة الطبقة العاملة . ومع أن التحولات الديمقراطية والعلمانية كانت قد نمت في سياق عملية الصراع هذه، فقد اقتصرت في البداية على فئات محدودة من المجتمع، فئة المالكين. ولم تأخذ الديمقراطية بعدها المتقدم إلا في القرن العشرين من جراء التوسع الرأسمالي وغزو العالم ، لذلك فإن الديمقراطية الليبرالية تختلف عن الديمقراطية السائدة ،التي يجري الحديث عنها في الوقت الراهن.
ثمة أراء عديدة حول بداية التحول العلماني والقوى التي قادت عملية العلمنة في أوربا، غير أن الشيء الثابت أنها انطلقت مصاحبة عمليات التحول والانتقال من التشكيلة الإقطاعية إلى التشكيلة الرأسمالية، برز في سياقها دور الفرد ،وتوسعت حقوقه ،وتم تشييد البناء الاجتماعي على أساس مفهوم التعاقد . في سياق عمليات التحول هذه أخذ الدين ينتقل من الدائرة العامة إلى الدائرة الخاصة ، وتبرز الأيديولوجيا الوضعية كقارئ رئيس لمصالح الأفراد والفئات والطبقات الاجتماعية ، وتراجعت الإحالات الميتافيزيقية.كما جرت تحولات عميقة على التدين فتكيف مع الوضعيات الاجتماعية الجديدة واخذ يبحث عن موقع له في إطارها.لقد جرى انتقال هام للخطاب الديني من الدائرة الاجتماعية إلى الدائرة الأخلاقية مع ما يفترضه هذا الانتقال من تحول في طبيعة الخطاب الديني بحيث نما فيه منطق الحرية والتسامح وتراجع منطق الجبر والقسر.هذا ما جرى في أوربا، لكن واقع الحال بالنسبة للدين الإسلامي مختلف تماما.
لقد لاحظنا تحت تأثير الانفعال بما كان يجري في أوربا منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة العربي، أن المفكرين النهضويين العرب والإسلاميين حاولوا إيجاد نوع من التزاوج بين الفكر النهضوي الأوربي والفكر الإسلامي وقد تحققت بعض النجاحات على يد الجيل الأول و الجيل الثاني من المفكرين النهضويين الإسلاميين ، لكن هذا التزاوج أخذ ينفك مع ولادة وانتشار الإسلام السياسي في النصف الأول من القرن العشرين ليصل حد القطيعة مع التيارات المتطرفة فيه في النصف الثاني من القرن العشرين . على العكس تحاول التيارات السياسية الإسلامية المعتدلة إعادة التكيف مع الخطاب الديمقراطي تحت ضغط التحولات العميقة التي جرت في العالم في العقد الأخير من القرن العشرين تحت راية الديمقراطية وحقوق الإنسان..
ومنذ البداية لم يجد المفكرون الإسلاميون صعوبات جدية في مقابلة الديمقراطية بالشورى بعد تجريدهما من سياقهما التاريخي، وإعادة قراءة الشورى الإسلامية من موقع الديمقراطية الليبرالية. وهكذا تكونت في الحقل الفكري الإسلامي نظرية في الشورى تشكل في قراءاتها العديدة أساساً للحكم من وجهة نظر المشتغلين في الحقل الفكري والسياسي الإسلامي بمرجعية تراثية إسلامية يقابلون بها نظرية الديمقراطية الليبرالية كما تمخض عنها التاريخ الأوربي أو كما تجلت في القراءات المحلية لها بمرجعية فكرية ليبرالية. غير أن الديمقراطية غير الشورى فلكل منهما سياقه التاريخي ووظيفته المتميزة.
الشورى في المرجعية التراثية الإسلامية تنتمي إلى مجال الأخلاقيات السلوكية العامة، وليس إلى مجال السياسة ولذلك لم يعتبرها أحد من الفقهاء شرط للحكم ولم تكن ملزمة بطبيعتها.ومن المعروف أن معنى الشورى قد ورد في القرآن الكريم في آيتين: الأولى نزلت على أثر هزيمة المسلمين في غزوة أحد فحضت النبي على مشاورة أصحابه في شؤون الحرب " وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل"[سورة آل عمران، الآية159 ]. أما المعنى الآخر للشورى " وأمرهم شورى بينهم " [سورة الشورى ، الآية 38]. فقد ورد في سياق تعداد الصفات الأخلاقية التي يتمتع بها المؤمنون .
الثابت في التاريخ الإسلامي أن الخليفة لا مسؤولية له أمام الناس الذين بايعوه، بل أمام الله، وهناك آيات عديدة تؤكد ذلك وتطالب الناس بطاعته ، " وأطيعوا الله والرسول و أولي الأمر منكم"[سورة النساء، الآية 59].
وهكذا عبر التاريخ تصير في التكوين النفسي والثقافي للعرب والمسلمين بصفة عامة نوع من الاستعداد والقبول بالحاكم ظالما كان أو عادلا. وقد ساهم في ذلك من بين عوامل عديدة ما يمكن تسميته بسلطة " تجنب الفتنة "، ولا زال هذا الاستعداد سائدا في التكوين النفسي للإنسان العربي المعاصر وله حضوره البارز في ثقافته وفي خطابه الأيديولوجي والسياسي وفي علاقاته الاجتماعية على مختلف المستويات، ويمكن قراءة ذلك من خلال ضعف الوعي بالديمقراطية وقلة الانشغال بها. فلا زال الخطاب السياسي والثقافي العربي على الضد من الديمقراطية بصورة عامة،وإن المثاقفات والمحاولات الجارية في الوقت الراهن لإبراز حضور الديمقراطية في الوعي العام لا يغير من هذه الحقيقة في شيء.الديمقراطية ليست أصيلة ولا متأصلة لا في ثقافتنا العامة ولا في وعينا ولا في حياتنا اليومية ولا في حياتنا السياسية ولا اختلاف في ذلك بين معارضة أو موالاة فكل منها وجه للأخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني