الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنية شراكة إنسانية

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ربما لاحظ جميع المتواصلين على مواقع التواصل الاجتماعي في مجتمعنا السوري تناقض مواقف بعضنا من الإرهاب ( إرهاب الدولة أو الأفراد أو المنظمات ) بشكل يثير الدهشة ؛ إذ يتلوّن الموقف وفق جنسية الضحية أو مكان وقوع العمل الإرهابي ، دون اعتبار لإنسانية الضحية أو براءتها أو جنسيتها أو سنّها أو موقفها من الصراعات والمتصارعين .
فحين نقف ضد إرهاب النظام في هذا الموقع أو إرهاب هذه المجموعة المسلحة في ذاك الموقع فنحن نقف ضد الظلم الواقع على المدنيين الأبرياء، بغض النظر عن انتمائهم الطائفي والجغرافي والعِقدي والإيديولوجي أيضاً ، أو إن كانوا من المعارضين أو الموالين لهذا الطرف أو ذاك ؟!
فإذا كان المواطن السوري مدنياً ؛ أي أنه لا يحمل السلاح، فهو خارج لعبة الموت والحرب ، واستهدافه من قبل المسلح ، أياً كان خط جبهته ، هو عمل إرهابي حتى وإن كان هذا المواطن يعمل في صفوف المعارضة أو النظام بالرأي والحوار والانتماء الضيق كالدين والمذهب و الطائفة والإيديولوجيا .... ولا يمكن تبرير استهدافه من قبل أي طرف مناقض له؛ فالشكيمة في الحرب هي أن تسحب سلاحك في وجه من يحمل سلاحه في وجهك ، والسلاح يعامل بمثله ، وإلا فإن باب التأويل والتفنيد وتوسيع حدود المفاهيم ، مثل " البريء، المقاتل، الإرهابي ... " لن تقف عند ماهية أو دلالة ، مما يفتح الباب واسعا إلى اختراق كل حق إنساني يرتبط بحياتنا كبشر ..!
ولذلك فإن الموقف من المدني المحاصر في الفوعة هو الموقف ذاته من المحاصر في داريا ، والموقف من المدني الذي سقط في تفجيرات السيدة زينب أو في الزهراء في حمص أو في حلب هو ذات الموقف من المدني الذي سقط في بابا عمرو أو في الغوطة . إن ما يجمع بين كل هؤلاء هو الهوية المدنية أولا والهوية الوطنية ثانياً ؛ فالهوية المدنية تعني براءته من الحرب ، والهوية الوطنية تعني تعاليه على الانتماءات الضيقة ، وارتباطه بما يربطني به وهو الوطن السوري .
إن هذا الموقف من ابن وطني يخرجني ، أنا المدني ، خارج لعبة الحرب والتجيير الضيّق المنافي للوطنية ، كما أنه يعزز إنسانيتي المنافية للعنف كوسيلة تفاهم بين أبناء الوطن الواحد .
إن تعزيز انتمائي الإنساني والوطني بتلك الصورة يعزز موقفي من الإرهاب بصورته الشمولية، بغض النظر عن الجنس والجنسية واللون والزمان والمكان والإيديولوجيا والانتماء الديني أو المذهبي أو أي شكل إثنيّ . وبالتالي لا أفرّق بين ضحايا تفجير إرهابي في أي بقعة سورية ، كما أني إنسانيا لا أفرق بين ضحايا وطني بفعل الإرهاب وضحايا فرنسا أو بلجيكا بفعل الإرهاب أيضاً . ولن أستطيع أن أبرر الإرهاب حين يقع على فرنسيين أبرياء أو حين يقع على أبرياء من حارتي أو بلدتي أو مذهبي أو طائفتي ...! وغير ذلك الموقف يثير الدهشة ، ويعبر عن أفق ضيّق وانشغال انفعالي بما يحدث لي على اعتبار أن الآخر لم يناصرني أو أنه لم ير الأحداث في وطني كما أراها أنا . والآخر هنا حرفياً هو حكومات الدول الأخرى ، والحكومات لها لعبتها السياسية الكاذبة أو المنافقة أو المتناقضة أو الانتهازية أو الذاتية الضيقة ، ولكنها في النتيجة لعبة الحكومات وليست تعبيرا عن موقف الأبرياء المدنيين الذين سقطوا ضحية العمل الإرهابي ، وأبسط الأدلة على ذلك حين نرى الطفل يقع ضحية الإرهاب أو الغريب العابر أو المعارض لسياسة حكومته أو الناشط المدني .. وغير ذلك من الصور ؛ ولذلك لا أستطيع أن أتقبل تعليقات انفعالية على مواقع التواصل الاجتماعي ارتبطت بتفجيرات باريس أو أمستردام أوالسيدة زينب أوالزارة أو بستان القصر أوداريا أو مضايا أو الفوعة أو الغوطة ، من مثل " منيح ... لازم يذوقوا ماشربنا منه " " خليهم يشربوا من الكأس ذاته " . وهل كان المهندس المغربي الذي يرتشف القهوة مع زوجته الفرنسية وسقط في تفجيرات باريس مسؤلا عن الكأس التي نشربها ؟! وكذا الأمر بالنسبة للمدني في الأرض السورية كلها دون أستثناء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو