الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات البرلمانية في مصر مفارقات انتخابات مجلس البلطجية

خالد الفيشاوي

2005 / 12 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يبدو أنة لم يعد غريبا أن تفاجئنا الاحداث ، حتى ولو كانت متوقعة ومعروفة
سلفا ..فوجئنا بهزيمة 1967 رغم انها كانت تكرار شبة حرفي لهزيمة 1956 .
فوجئنا باحتلال العراق ، رغم الاستعدادات المسبقة لسنوات ..وفوجئنا
باعتراف
ليبيا بجريمة تفجير الطائرة البوينج 707 بعد سنوات من الاستماتة فى الدفاع
عن براء تها ، والحديث عن المؤامرة الإمبريالية ـ الصهيونية ضد القذافى
ونظامة. وسنفاجأ بضرب سوريا أو الاطاحة بنظام الأسد ونحن ندافع عن براءته
من الاتهامات التي لا تستهدف سوى حصار (نظام وطني قومي عروبى ) يدافع عن
العروبة ويقف بشمم وإباء في وجه التوسع الإسرائيلي والمخططات الأمريكية في
المنطقة ! !
واليوم ، نفاجأ أيضا بحصول الأخوان المسلمين على ما يقرب من ربع المقاعد
في
إنتخابات مجلس البلطجية الجديد رغم أن هذا الفوز جاء متأخرا جدا ! !
أعلن عنة المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين (المحظورة !! ) منذ أشهر
قائلا أنة لا يآبه (بانتخابات) رئاسة الجمهورية وأن الاخوان يستعدون
لانتخابات مجلس الشعب لأنها الأهم؛ ثم أكد قبيل الإنتخابات أن الاخوان
لديهم 150 مرشحا ، يأمل في فوز مئة منهم .
ومع ذلك فوجئت القوى السياسية والرأي العام في مصر !!
على الجانب الأخر ، فوجئ المثقفون والقوى الديمقراطية واليسارية ، بل وبعض
الوجوه البارزة فى النظام أيضا ، بهزيمة الوفد والتجمع وبعض الشخصيات ذات
الصبغة الليبرالية … أفزعهم هذا الانتصار (المفاجئ ) للاخوان المسلمين ..
وكأنه وليد اللحظة …
كانت المفاجأة الثالثة للمثقفين ، عمليات البلطجة وشراء الأصوات ،
والحقيقة
أن البلطجة ليست بجديدة – قد تكون أكثر انتشارا هذه المرة ولكنها سمة
لانتخابات نظام يوليو ، وإن كانت تغيرت في الشكل . . .
كانت الانتخابات منذ إنقلاب يوليو تعتمد على تعبئة العمال والموطفين ،
وإجبارهم على إختيار مرشحى النظام ، ولما خفت قبضة الدولة قليلا خاصة فى
النصف الثانى من السبعينيات ، نفذت شخصيات ( ليبرالية ) وعلمانية عديدة
للبرلمان ، لم يتحملها النظام ، وقام السادات بحل البرلمان في أعقاب
زيارته
للقدس ، وسرعان ما عادت الضغوط الإدارية والتزوير الفاضح في انتخابات يعد
النظام دائما بأنها ( نزيهة ) ، أضيف إليها الإنفاق المفرط وارتفاع أسعار
بورصة الأصوات من قروش الخمسينيات ، إلى مئات الألفية الجديدة . . .
غريب أن يكون سقوط القلة من الأصوات العلمانية والديموقراطية في انتخابات
المجلس مفاجئا … بعد خمسين عاما من نظام يوليو الاستبدادي . .
على مدى أكثر من نصف قرن . . .يتم تصفية القوى الليبرالية واليسارية أولا
بأول ، ودعم التيارات الدينية كحائط سد لمواجهة الخطر الشيوعي ، سياسة
ثابتة اعتمدها عبد الناصر والسادات ومبارك ، حتى عندما سقط النظام
السوفييتي ، كلنا دعم التيارات الدينية ( بكل فصائلها ) المتنوعة ، وسيلة
لإرهاب المجتمع وإثارة مخاوف المجتمع الدولي من إقامة دولة دينية على
أنقاض
الدولة الاستبدادية ، وتأمين بقاء الأوضاع على ما هي عليه .
ولا زالت هذه الأهداف قائمة – ولعل تسامح السلطات علنا مع جماعة الأخوان
المحظورة يبدو فاضحا . .. السماح لمرشحي جماعة ( محظورة ) بدخول
الانتخابات
باسم الجماعة ، في وقت لا يتسامح فيه النظام مع حزب قانوني وشرعي ورسمي
كحزب الغد لمجرد تحديه للنظام ، و دخول رئيسه انتخابات الرئاسة برؤية
ليبرالية متفردة ، و تجرؤه بالإعراب عن أمله في الفوز بمقعد الرئاسة ،
بينما كل الأحزاب الأقدم منه لم يدخلوا الانتخابات إلا من أجل إنجاح
التجربة !! ..
قد يكون هناك اتفاق ضمني وارد ، ولكن أساسه الموضوعي هو ترك التيارات
الدينية لتسيطر على الشارع لعقود الطويلة ، في خدمة استراتيجية مواجهة
الخطر الشيوعي ، الاستراتيجية الثابتة للنظام الرأسمالي العالمي بقيادة
الولايات المتحدة ، والنظام الاستبدادي لانقلاب يوليو .
ليس المقصود هو التهوين من شأن الخطر الماثل أمامنا ، باعتباره خطر قديم
يتجاوز عمره نصف قرن أو أكثر . . لكن المقصود الكشف عن حالة الغفوة التي
يحياها المثقفون , وكهنة النظام وكتابه ( وكلامنجيته ) ، وسياسيوه
ومعارضوه
الرسميون .
التواطؤ الدائم على دعم النظام الاستبدادي وانتشاله من مأزقه ، والتصدي
الدائم لأية محاولات جادة للتغيير الديموقراطي . والأدهى الدعم الدائم
لقوى
فاشية في المنطقة بدعوى مناهضتها للأمبريالية الصهيونية !!
بعد نصف قرن من دعم الفاشية الدينية ، التي تدير آلاف المساجد في مصر منذ
عقود ، و آلاف الجمعيات الأهلية ، والمدارس الوهابية من الحضانة حتى
الثانوية العامة ، وجامعة الأزهر التي يسودها الفكر الوهابي . بعد كل ذلك
،
نندهش لحصول الإخوان المسلمين على ربع مقاعد المجلس !!
بل و الأدهى أن معظم أصحاب الأصوات العالية ضد التيارات الدينية في مصر ،
يؤيدون بحماس التيارات الدينية في المنطقة العربية خاصة في فلسطين ولبنان
وبدون تحفظ حتى على لا ديموقراطيتها ، بدعوى أنها قوى مناضلة ضد الصهيونية
!!
فهل يمكن تصور أن تسود هذه التيارات الشارع العربي وتشارك مؤسسات الحكم في
العالم العربي ، بينما لا يستبعد الأخوان (المحظورين ) في مصر !!
في هذا الإطار ، لم يكن غريبا تصريح صفوت الشريف – الأمين العام للحزب
الوطني- بأن انتصار الأخوان المسلمين في الانتخابات ليس هزيمة للحزب
الوطني
، ولكنها ضرورات التغيير . . .
فالتغيير الذي يطرحه نظام مبارك يعني شراكة قوى الاستبداد ، واستبعاد أية
قوى ديموقراطية أو يسارية . . حيث يدرك نظام مبارك ، أن أية دعاوى
ديموقراطية وأن نهوض القوى الليبرالية سيؤدي إلى سقوط نظامه الاستبدادي ،
وليس هناك من حل لمواجهة رياح التغيير الداخلية وضغوط الخارج إلا بتوسيع
جبهة قوى الاستبداد وإشراك الإخوان في النظام .. .
تلك حدود الديموقراطية النابعة من واقعنا كما يراها نظام مبارك . . .
وهي الديموقراطية التي يمكن للإخوان يلعبوا دورا فاعلا فيها ، باعتبارهم
قوى نابعة من واقعنا تؤمن بسياسات النظام في الخصخصة وتطرح نموذجا لا
ديموقراطيا لإدارة شئون البلاد ، وتؤمن بإطلاق حرية المالك ، وليس للفقراء
سوى الزكاة وموائد الرحمن . واحتكار أولى الأمر لإدارة شئون الحياة
السياسية والاجتماعية ، وتعادي بعمق القوى اليسارية والليبرالية البالغة
الضعف . . .
ولعل نقطة الخلاف الوحيد مع النظام ، أن الأخير يمقت احتكارهم للحديث باسم
الإسلام ، فهو بذلك يجردهم من أية أيديولوجية يجتمعون بها .
لكن هل يمكن أن تفضي محاولات استيعاب الأخوان المسلمين في مؤسسات التشريع
والحكم إلى فرض حالة من الاستقرار . . .
هذا أمر يتناقض مع الخبرات التاريخية لنظم الحكم الشمولية ، فالأنظمة
الشمولية لا تحكمها ائتلافات... قد تبدأ بتحالفات ، لكن يتواصل الصراع بين
أطرافه واستبعاد أحدهما للأخر ، وتقليص الهوامش لتبقى الإرادة الوحيدة
للزعيم أو المرشد الأعلى .
ولذلك ، لن يسفر هذا الاتجاه إلا عن تفاقم الصراعات ويهدد بعدم الاستقرار
،
خاصة في ظل الضعف التاريخي للقوى الديموقراطية والسياسية .. التي سلمت كل
أسلحتها وتخلت عن سياساتها ورؤاها ، و عزلت وانعزلت عن الشعب ، المجرد من
أية وسائل للدفاع عن حقوقه من نقابات وأحزاب . واكتفت على مدار نصف قرن من
دعم النظام والتنافس لإخراجه من أزماته ، والصراع الدائم ضد أية قوة
ليبرالية ناهضة من خارجها ، واتهامها بأنها عملية أو مأجورة !!
حتى مؤسسة القضاء التي عول عليها الناس كثيرا في إنقاذهم من سطوة النظام ،
والقدرة على إحداث تغيير ما ، و لو محدود ، لفتح هامش من الديموقراطية ،
أعلنت عجزها ، وفشلت في مجرد إدارة انتخابات ( نزيهة ) وتورطت في فضائح
التزوير ، ودعا نادي القضاة بتدخل القوات المسلحة لحماية العملية
الانتخابية من انتهاكات الأمن !! والغريب أن أحدا لم يستنكر هذه الدعوى ،
لا من القوات المسلحة ، ولا من المؤسسات السياسية ، ولا حتى من المعارضة
!!
والأغرب ، أن القضاة في ذلك يتحدثون عن حق وارد في قانون الانتخابات . .
.أي أن تدخل القوات المسلحة له سند قانوني ، لم يعترض عليه أحد !!
على ذلك ، لا يمكن للمرء أن يتوقع إلا تصاعد الصراع بين الدولة
الاستبدادية
والفاشية الدينية ، لن يهدأ ولن تتوحد جهودهما إلا إذا انفجر الشارع
وللأسف
لا مكان لقوى يسارية أو ديموقراطية لا تحظى بثقة الشارع ، ولا تتواصل معه
،
ولم تقدم له منظمة ديموقراطية واحدة تفتح أمامه أفق التغيير .
الخلاصة أن نفوذ القوى الاستبدادية والتيارات الدينية وأفول و إنهاك
وتهميش
القوى الديموقراطية واليسارية أمر تاريخي ، حدث على مدار نصف قرن تقريبا .
وتجاوز هذه الأوضاع لن يتم إلا بشكل تاريخي أيضا ، ويحتاج لزمن يمتد أو
يقصر . . .شرط بتر القوى الليبرالية واليسارية لحبل الود السري، والدعم
الدائم للنظام الاستبدادي أو الترويج للتيارات الدينية أحيانا أخرى ، وكسر
حالة العزلة وبناء مؤسسات ومنظمات ديموقراطية ، يديرها الناس ويدافعون من
خلالها على مصالحهم ، وذلك سعيا لإشراكهم وإدخالهم طرفا في معادلات
الصراع. ..
دون ذلك ، سنفاجأ باقتسام مقاعد المجالس المحلية بين الإخوان والحزب
الوطني
، وسنفاجأ أيضا بمرشح إخواني يهدد بسلب مقعد رئاسة الحكم من الحزب الوطني
في انتخابات قادمة قد تحدث في وقت قريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد توغل بري إسرائيلي وقصف مكثف.. نزوح عائلات من حي الزيتون


.. هل بدأت التحولات بالمواقف الأمريكية من حرب إسرائيل على غزة؟




.. هل سيؤدي تعليق شحنة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل للضغط على نتن


.. الشرطة الهولندية تفض اعتصام طلاب مؤيدين لغزة بجامعة أمستردام




.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا