الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السماء والارض

بلقيس الربيعي

2016 / 5 / 17
الادب والفن



إهتز بدن الطائرة واعلنت المضيفة عن ضرورة ربط احزمة المقاعد لأن الطائرة تمر في منطقة مطبات هوائية …. اغمضت عينيها وراحت تبحر في ذكرياتها . إنه عالمها الوحيد العذب الذي ادمنت على إستحضاره كلما شعرت بضيق . الماضي الجميل معشعش في ذاكرتها ولن تنساه . راحت تتذكر ايام الدراسة في الثانوية والجامعة ، ايام زواجها ، الأهل والأصدقاء الذين خلفتهم وراءها في بلدها ومن تشتت في بقاع الأرض مثلها . كأنها بالحنين لتلك الأيام مثل شجرة حين يجدد الربيع أوراقها ويبعثها حية زاهية .

لم تستطع احلام التخلص من افكارها وذكرياتها التي لم تزل خضراء في ذهنها وظلًت صور الأمس الجميل تتوالى على خطرها ، فنادت على المضيفة وطلبت منها غطاءاً لتنام . سحبت الغطاء حتى وصل الى حنكها واحسّت كما لو ان كتلة من الرصاص تجثم على صدرها . لا تستطيع ان تتنفس بهدوء وبشكل اعتيادي . أغمضت عينيها ثم فتحتهما وكأنها استيقظت من نوم عميق .تلفتت حولها فرأت الركاب يغطون في نوم عميق ومنهم من فتح المصباح فوق رأسه وبيده كتاب . رفعت رأسها قليلا تتفحص الركاب الذين يغطون بالنوم . حاولت أن تغمض عينيها ، فتراءى لها أنه الى جانبها بوجهه السومري وعينيه السوداوين … احست بدفء انفاسه … مدت يدها لتتلمسه . " من ردت اجيسك ، حسيت روحي وفرفحت " تذكرت كيف كانت تعشق النوم فوق السطح في الصيف تراقب النجوم وهي تتلألأ كحبات اللؤلؤ . كانت تعدها وتردد مع نفسها : ” يحبني .. لايحبني .. يحبني .. لايحبني .. ) وينتهي عدها ب" يحبني"

قال عنها الكثيرون بأنها مسكونة بالحب وتذكرت حوارا دار بينها وبين صديقتها سميرة حول الحب .

ــ هل الحب ممكن في الريف كما في المدينة .

ــ اجل واستطيع أن أقول الحب والعشق في الريف أقوى مما هو عليه في المدينة .

في احدى المرات دعيتُ الى عرس في الريف . احتشد أهل القرية ، الرجال يرقصون الجوبي والنسوة يزغردن واحضرت احدى النسوة طبلا وراحت تضبط ايقاع الحياة في عروق العروس والكل كان يغني على الفطرة :
يا خايبة وشتردين ؟ ماردنا
ياخايبة والكرنة الج ماردنا
ياخايبة والبصرة الج ماردنا
ياخابية وبغداد الج ماردنا

ــ وهل لهذه الأهزوجة معنى ؟
ـ نعم لها معنى . فهي تتحدث عن رجل يحب فتاة وهي لاتحبه وانما تحب فلاحا في حقول القمح. . وهذا العاشق يتوسل الى الفتاة أن تتزوج منه وتترك حبيبها الفلاح . فيعرض عليها أن يعطيها القرنة حيث يلتقي نهري دجلة والفرات ، لكن الفتاة لاتبيع حبيبها حتى بالبصرة . واخيرا يعرض عليها أن يمنحها بغداد كلها لتجلس على عرشها أميرة ، لكن الفتاة مخلصة لمن تحب والهبات المادية لاتزيدها الا نفورا .

ـ لكن مجتمع الريف يأبى على المرأة أن تحب .

ـ لا ، من حق الفلاحة غير المتزوجة أن تحب من تشاء ، لكن أهلها يرغمونها على الزواج ممن يختارونه هم لها .

ـ افهم ان الغناء الشعبي الريفي كله رموز عميقة .

ـ نعم فهذه الفتاة ترفض الزواج من رجل يعطيها البصرة وبغداد كلها . فهي ترفض هدايا خاطبها لأنها مجرد كلمات براقة لا صدق فيها . فهي تعشق الشجر والخضرة ، والفلاح يمنحها ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الرياضي فتحي سند : فرص الأهلي في الفوز بالبط


.. كل يوم - الناقد الرياضي فتحي سند : لو السوبر الأفريقي مصري خ




.. مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم


.. أون سيت - من نجوم شهر مايو الزعيم عادل إمام.. ومن أبرز أفلام




.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف