الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل جرّبت أن تُجنّ ؟!

منيرة نصيب

2016 / 5 / 18
الادب والفن


نظر إليها بابتسامةٍ تَغصُ بالحزنِ, في حين أنها كبحتَ- بشدةٍ-دمعها لتبتسمِ لهِ, هي المرّة الأولى التي يُدركَ فيها كم الشبه بينهما
واصل صمته القديم مدَّ خطوته الهزيلة ليجلس مفترشاً ظلها, ألصق ظهرهُ الساخن، الشديد الملوحة بها, ظل جسدها جامدًا في مكانهِ, يمتصُ سخونتهُ, وملوحة العرق الذي يتجهُ كسرية نمل نحو أسفل ظهرهِ, ويعّد نبضات قلبه الخمسينيّ المضطرب , وقميصه الأزرق الغارق ,بينما ظلتَ كلماتُها الصامتة, الحلوة, جافة تنقر- كعادتها- رأسهِ, وتتهاوى في حُجرهِ واحدة تلو أخرى, دونما الحاجة لأن ينبُس أو ترد بحرف, مدّد ساقه اليسرى في خط مستقيم, تماماً فوق ظلها, إلي أن شعر ببرودة وكأنما نهرٍ مرّ من تحت رُكبته للتو!
عَرِفَ يومها أيضاً- وبما لا يدعُ مجالاً للشك- أنها قدرُهُ , غير أنهُ لم يكن مستعداً لأن يرضخ لقدرِهِ بعد, تحسّس التجاعيد التي تملأ ظهر يده, دوّر الخاتم الفضي بها, واكتفى بـ "آهةٍ" وحيدة وحبة أسبرين دون ماء .
لم يكن ليقول لها مرّة بصوتٍ عالٍ هكذا فقط : أُحبكِ, أو حتى في لحظات انهماكها بغيره: أفتقدكِ, وحدهُما؛ كبرياؤه وتجاعيده المتدفقة كحمم, كانا ينهشان كبده, كما يلسع جسدهُ المُنهك بالفقد كم الشبه بينهما, يصدمه حد ابتلاع كل ما كان ليحاول قوله عند أي لقاء أو ودع مع ريقه المُرّ .
كان يكتفي بالصمت , وكانت تكتفي بالإنصات .
- ما الفائدة؟!
كان يُردد قائلاً في نفسه:
- كيف يمكن لـ أحبكِ أو أفتقدكِ أن تغير شيئاً, إن لم تكن شمس الحُبّ قد لفحت مرّة قلبها؟!
هدوؤها المُحيّر, كلامها الحلو المتساقط دفعة واحدة؛ كلما لمحت ماراً أي مارٍ, وُدّها الذي تمنحهُ دون مقابل للجميع, حزنها الذي لا تجهد لتُخفيهِ عن أحد, كل ذلك كان يجعله يُجن, كلما شعر برغبةٍ في خصها بكلمة لا معنى لها كـ مرحبا!
لا أعذار، احتفظت بها تحت جلدها القاسي له .
ولا أسئلة بجعبته الجافة الفارغة لها؟!
لا تذكرُ برغم حزنهُ الفاضح أنهُ مرّة بكى بحضنها .
لا يذكر برغم وحدتها الواضحة أنها مرّة احتضنته ..
البكاء في حضرةٍ من نُحبّ , دليل آخر على الحُبّ يهمس ظلها ..
حُضنُ من نُحبّ؛ دليل قاطع أننا أحياءٌ، يهمس ظله ..
ويخرس الظلان ..
كل شيء كان واضحًا كارتباكه , كل شيء كان فاضحًا كفجر ينبلج؛ أقول أنا، وأتابع .. ربما هو الخوف , الخوف الذي يملأهُ من عدم قدرتها على الرد, قد تسرب لماء شرايينه!
أو ثباتها؛ ثباتها الذي يجعل من كل فكرة كشدها من ساقها تعادل جريمة قتل .
كانت تُوقن أنها لن تفتقد صمته, ولا التماع سكينه فوق خاصرتها بالطبع ..
أو ربما كانت لتفعل! لا ندري على وجه التحديد
- وهل يمكن أن نعرف يوماً بما تفكر نخلة؟!
ولكن, الأسئلة مُلحّة لأستمر بالكتابة دون توقف, علّي أتعثر ولو في جواب يتيم , لما يمكن أنهُ قد حدث بالفعل, أو لحثكم على المزيد من القراءة, أو لأرغم ظل أي منهما أخيراً بطريقة أو بأُخرى على الصراخ, على النطق ..
لا شيء يجعل من الشمس تشعر بالخجل, ولا النجوم تسقط بحجري الآن, ولو كان موت عاشقين ..عاشقان، أجل كانا كذلك, وأكثر ربما, ماذا يمكن أن يكون بعد ذلك.. أسألكم؟!
ولكنيّ سأُجيبكم قبل أن تفكروا بأية إجابة , أتصور أنهما كانا شيئين لا يمكن تخيلهما أو وصفهما أو فصلهما .
- فهل يكفي ذلك الشيء لنقول عاشقين؟!
قطعاً لا .. للآن لا أدري كيف لكلمة بهذه الرتابة أن تُتمَّ المعنى ؟! ربما سيكون بإمكاني يوماً ما، إن أنهيتُ هذا النص دون أي خلع بأبواب ذاكرتي, أو خدش بروحي, أو رصاصة طائشة برأس قلمي, أو فأس بصدر كليهما طبعاً, أن أُطلق عليهما كلمة تليق بهما أكثر, تليق بعظمة الهالة المحيطة بهما متى التصقا.
كـ "مجنونين ", لِمَ لا .؟.
كانت "الجيم ", وحدها, حبيبتهُ التي لطالما قطع أنهاراً وصحاري في محاولة البحث عنها دون جدوى, "الجيم" فقيدتهُ التي لم يحظ بها يوماً , التي يتجاهل من أجلها, ظلها الممد تحته, في كل مرة أشعلت سكينه خاصرتها " أُحبكِ" ترتجف , آه .. " الجيم " التي كانت تجعل للكلمة سبعة أرواح, وأكثر من معنىً, وكانت تجعلكم تتوقفون عندها, وتجعلني أبدأ بعدها أو تحتها بالضبط ,
-ما معنى أن تكون عاشقاً دون أن تشعر بالجنّون لمرّةٍ؟!
لا معنى؛ ستقول العاشقة كـ لّبوة لَوَت للتوّ عنق طريدتها , وببلاهة سيبتسم موافقاً على ما تقول العاشق .
من قال أنهُ لتكتب قصيدة حُبّ يجب أن تكون عاشقًا , لا يعرف أن يكون نخلة, أو جمل, أو هذه الفراشة الصغيرة التي تُلاحق ضوء الشمعة فوق مكتبي، ولا تُفكر سوى بنشوة الاحتراق فيما تُحبّ, وإلا لِمَ قال كلامًا تافهًا؛ كهذا الكلام
- فهل فكرت مرّة بالموت من أجل من, أو ما تُحب؟!
- هل جرّبت أن تُجنّ؟!
- هل جُننْتَ بالفعل ؟!
نعم ؟!
.. إذن أنتَ ببساطة عاشق, وإلا , فأنت لم تذق للحب طعماً بعد!
فرغم كونها لم تكن أكثر من ساق اعترضت- دون قصد- طريقه, كان أكثر من غابة يعشعش الحزن بأدغالها, وأقل من شاعر حفر فوق جسدها أسماء حبيباته قصائد ومضى, بالنسبة لها, لم تتوقف يوماً عن الإصغاء لصمته المطبق , ولا عن مداعبة جثتهُ الدافئة بظلها , ومنحها بودٍ المساحة الكافية من جسدها الشاهق, ليتوحد معها, وإذا ما انتصف النهار تطبقان .
ثمة أنثى في هذا الكون تضربُ جذورها حيث يمرّ, أنثى نخلة, أسند -للتو- جبلٌ حزنه عليها, ولم تهتز أو تقع, لم تكن تريد إثبات أكثر من ذلك .
وربما فقط لتشعر كلما غابت شمس واختفى ظلها, أنها وحدها, وأنه لا جدوى على الإطلاق- في آخر الليل- من الالتفات!
:
2مايو2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-