الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الجزائرية في سوريا

صلاح الدين مسلم

2016 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كم تتشابه تفاصيل الثورة في الجزائر مع تفاصيلها في سوريا في كثير من المناحي! مع أنّ عدد الضحايا في سوريا لم يصل إلى ذاك الحدّ في الجزائر لكنّه يسعى إلى ذاك الرقم، ومع اختلاف في المكان؛ فالموقع الجغرافيّ المتميّز لسوريا لا يتشابه مع موقع الجزائر جغرافيّاً، لكن هناك الكثير من التفاصيل السوريّة التي تتقاطع مع الجزائر، فعلى الرغم من أنّ الجزائر استقلّت وانتصرت كما يظهر لنا التاريخ، لكنّ معظم المجتمع الجزائريّ قد اغترب وصار لاجئاً في فرنسا، وصارت الهويّة الفرنسيّة مختلطة مع الهوية الجزائريّة، وتفسّخ المجتمع الجزائريّ وانقسم هذا المجتمع الجزائري بين متحرّر لا يمتلك شيئاً، وبين متشدّد متعصّب دمّر البلد قبل أعوام، لكن لسنا في مناقشة هذا المجال، إنّما نسعى إلى طرح القومويّة التي باتت دين الدولة الوليدة، بما أنّ الجزائر آخر دولة تحرّرت من المستعمر القديم.
فبعد سبع سنوات من النضال والمقاومة الجزائريّة، وبعد أكثر من قرن وعشرين عاماً تحت سلطة الاحتلال الفرنسيّ، وبعد سقوط أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، ومقارعة أعتى استعمار في العصر الحديث، تحرّرت الجزائر، لكنّها أنتجت رئيساً اسمه هواري بومدين وهو الرئيس الثاني بعد انقلاب على أوّل رئيس للجزائر اسمه أحمد بن بلة، فكان بومدين وبالاً على القضيّة الكرديّة، حيث عقد اتفاقية الجزائر المشؤومة؛ التي وقعت بين العراق وإيران في 6 آذار عام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي، بإشراف رئيس الجزائر حينذاك هواري بومدين.
كان بومدين نتاج الثورة التحرّريّة في الجزائر، نتاج شعارات الحرّيّة والمساواة، وكم تذكّرنا تلك الشعارات البرّاقة بشعارات الثورة السوريّة المباركة! لكن المعضلة لم تتوقف عند بومدين فحسب، بل جاء خلفه الرئيس العاشر للجزائر في 2005 الأمازيغيّ الأصل عبد العزيز بوتفليقه، والذي أصدر قرارات ومراسيم ليطيل من أمد حكمه، شأنه شأن المستبدين الذين توالوا على منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، فهو منذ عام 2012 قد تجاوز في مدة حكمه ليصبح أطول رؤساء الجزائر حكماً، ومع أنّه مُقعدٌ على كرسيّ متحرّك، لكنّه لم يستطع أن يتخلّى عن السلطة الداء، فعيّن وزيره الأوّل عبد المالك سلال ترشّحه لعهدة رئاسية رابعة، لكن الأمور كلّها تحت يده، فحاول بوتفليقة أن يقلّد سلفه بومدين ويمارس نفس الهواية في محاربة القضيّة الكرديّة، من خلال محاولاته للتقارب بين النظام السوريّ وبين النظام التركيّ، ويكون المستهدف هو الكرد بالضرورة.
كم يشابه بوتفليقة عصمت إينينو الكرديّ! الذي حارب الكرد وهو الكرديّ بزيّه، وكم يمارس نفس الممارسة أمثاله المتكاثرون كالنار في الهشيم! فذاك الأمازيغي لكي يحارب الشعب الأمازيغي في الجزائر حارب الكرد الطامحين إلى تنظيم أنفسهم في روج آفا وباكور، فلذلك حاول أن يقضي على هذه الثورة لئلا يثور الأمازيغ عنده في الجزائر أيضاً اقتداءً بالكرد.
لقد أنتجت المنظومة الاستبداديّة الجزائريّة مُقعداً يتحكّم بكل مفاصل الدولة، وكان لسلفه دور في قتل الكرد مرة 1975 والآن يريد خلفَه الصالح أن يقتل الثورة الكردية أيضاً في 2016، لكن هناك فارق كبير بين الوضع آنذاك والوضع الحالي؛ فالمجتمع الأخلاقيّ السياسيّ الذي بدأ يستعيد عافيته في روجآفا يقف عائقاً أمام الثورة الجزائرية في سوريا.
إنّ ما تقدّمه سوريا من عدد الشهداء ونفس عدد المهاجرين ونفس التخريب والتهديم يتقاطع مع الثورة الجزائريّة، ويريد الائتلاف أن يوصل سوريا في النهاية إلى مستوى ذاك المُقعد الكسيح، الذي لا يمتلك مشروعاً، والذي لم ينقذ المجتمع الجزائريّ المتهالك، بل فرّق بين الشعبين العربيّ والأمازيغيّ، بين هذين الشعبين اللذين يتقاسمان الدولة الجزائريّة، وبدلاً من أن يعرف كلّ مواطن العربيّة والأمازيغيّة معاً، والاستفادة من التمازج الحضاريّ بين شعبين عريقين، صارت الفرنسيّة لغة المستعمرين هي اللغة الدارجة في الوسط الجزائريّ، وعوضاً أن تكون الجزائر بوّابة الحلّ لكلّ الشعوب التي تعيش على جغرافيّة الوطن العربيّ، ويتمّ الاندماج الحضاريّ بين الشعوب التي تعيش على أراضي الوطن العربيّ وكردستان والأمازيغ، صارت بؤرة لتصدير المشاكل ليس إلّا.
إنّ المرض العضال الذي تفشّى في بوتفليقة ليس الشلل الذي جعله مُقعداً كسيحاً، إنّما هو داء السلطة والدولة التي قضت على أمازيغيته، تشابه أولئك المصابون بداء التخلّص من كرديّاتيّتهم، فصار عدوّ نفسه، عدوّ إنسانيّته وتاريخه وذاكرته، عدوّ الحياة، فالدولتيّة تفرض عليه القانون والحدود؛ ليكون عائقاً أمام التصالح والتقارب بين الشعوب، فكم هو التشابه كبيراً بين ذاك الكرديّ الذي يدافع عن الدولة في محافل الائتلافيين الدولتيين وبين هذا المقعد الأمازيغيّ! لقد صارت الدولة هويّته، ليصون الحداثة الرأسمالية التي تحافظ على أركانها الثلاثة؛ الدولة القوميّة، الصناعويّة، فائض الإنتاج.
ما الذي يختلف عنّا ككرد؟ إذا استلم شخص مثل عبد الباسط سيدا الكردي أو عبد الحكيم بشّار أو غيره، وهو في داخله عدوّ الكرد وعدوّ الأمازيغ وكلّ الشعوب في الشرق الأوسط، إذا اقتضى الأمر أن يقولب تلك الشعوب ضمن بوتقة الدولة القوميّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي