الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات حول النكبة وحق العودة!

شاهين خليل نصّار

2016 / 5 / 18
حقوق الانسان


في كل عام يطل علينا يوم النكبة في 15 أيار/ مايو من جديد، حامله معه ذكرى أليمة لم نعشها، ولكننا نسعى بدون شك لاستذكارها وإبقائها في أذهاننا.

هذا العام كانت المسيرة الى قرية وادي زُبالة في النقب، ليست المسافة هي السبب في عدم مشاركتي او مشاركتي، فقد عقدت بعد أيام قليلة مسيرة العودة الى قرية طيرة الكرمل القريبة من حيفا، بلدي الأم، وكذلك عقدت للسنة الثانية على التوالي "ليلة العودة" الى قرية الدامون المهجرة في الجليل، ورغم أن المسافة من مقري الحالي - يافا، الى هذه القرى المهجّرة متساوية تقريبا، الا أنني امتنعت عن "العودة"! لا لسبب معين، الا أنني مللت من هذه الرمزية... لا شك أنه حق لا تراجع عنه، ولا شك أنه لا بد من التذكير بهذا الحق... وليس فقط سنويا، بل يوميا أيضا...

لست مهجرّا من أي من هذه القرى، لكن يمكن القول إني مهجّر، فجديّ والد أمي مهجّر من قرية معلول الجليلة القريبة من الناصرة، ولكن جديّ والد أبي لم يتهجر، بل بقي في منزله في حيفا يحمي الدار، ولحسن حظه بقي. جدّتي تهجرت مع والدي وعمتاي كبقية سكان حيفا. فحملت بعض الأمتعة والأبناء عام 1948 وهربت الى جنوب لبنان، عندما هدأت المعارك في الشمال، وبعد أيام قليلة في مخيم للاجئين قررت أنه لا يمكن البقاء في هذه الظروف غير الانسانية ورأت انه "أشرفلي" أن أعود الى الوطن! فحملت الامتعة من جديد، وعادت مع ابنائها الى قرية الجش شمال فلسطين (قضاء صفد)، حيث بقي أشقاءها ولم تتهجر القرية بالكامل. لكن القصة التي حكتها لي في صغري ولم أفقه معناها في حينه، ورواها أبي لي في الكبر، لم تنته عند هذا الحد، فخلال عودتهم عبر الجبال والتلال والوعر، فقدت جدتي ابنتها الصغرى - عمتي، والتي كانت طفلة في حينه بعمر أشهر قليلة، فحملها أحد اقاربها بعدما وجدها على الأرض ملقاة، وواصلوا المسيرة عودة الى الجش.

جديّ الآخر لم يكن بهذا القدر من الحظ، وفقد كل ممتلكات عائلته في قرية معلول! فقد الأرض والمنزل ودُمرّت القرية، ولم يبقَ منها الا الكنيسة والمسجد. عند دخول العصابات اليهودية، هرب الى قرية يافة الناصرة المجاورة التي لم تكن قد احتلت بعد، برفقة أهله، الى أقاربهم هناك، وبقي عندهم بضعة أعوام قبل أن يكبر ويتزوج وينتقل للسكن في حيفا بالخمسينيات!

جداي الاثنان سكنا في منازل عُرفت باسم "أموال متروكة" أو "أملاك غائبين"! ولكن هل هي بالفعل كذلك؟ اليوم أهلي يمتلكون منزلا عُرف بهذا الاسم.

من هو صاحب المُلك لهذا العقار الذي نقطن فيه في المدينة الكبرى حيفا؟ من هو المالك الحقيقي؟ هل هم أهلي وجداي الذين دفعوا المبلغ المطلوب لشراء الملكية الخاصة في ما مضى والتي باتت أملاك دولة اغتصبت الأرض والوطن والعرض بعد العام 1951 وسن قانون "أملاك الغائبين" فوضعت الشركات الحكومية التي أنشأت يدها على املاك من لم يتواجد في ذلك الوقت في أرضه وملكه وبيته؟

وماذا عن بيت جدي في معلول؟ جدي هو اللاجئ الداخلي الذي بات لاجئا قسرا ورغما عنه ولكن لظروف معينة حالفه الحظ ربما أو لم يحالفه وبقي في أرض الوطن؟ بعيدا بضع آلاف الأمتار عن منزله الحقيقي - ملكه الشرعي، قاطنا في منزل خلّفه أصحابه الذين باتوا لاجئين خارج الوطن؟

أي هو ملكه الشرعي؟

قبل أكثر من عشرة أعوام جاءت سيدة من عائلة فلسطينية مهجرة تحمل الجنسية الأمريكية لتزور منزل أجدادها في حي وادي النسناس في حيفا. زارت منزل جدي - والد أبي، وكان والدي هناك، رأت المنزل وقالت "لم يتغيّر، كما في الصوّر"، وهذه هي المرة الأولى التي تزور فيها هذا المنزل. الأمر ذاته تكرر بما يخص منزلنا بعد أعوام قليلة. وعندما أتحدث عن منزلنا، أقصد الشفة التي يسكن فيها والدي في الحي ذاته في حيفا، والذي اشتريناه من شركة "عميدار" الحكومية عام 2004، وبتنا نملك "أوراق الطابو" - الملكية تحوّلت الى ملكية خاصة لنا!

في ذكرى النكبة الأخيرة، قمت بجولة لمجموعة من الطلاب اليهود في حيفا، شرحت لهم عن النكبة وعن تهجير 70 ألف مواطن فلسطيني من حيفا، إنها المرة الاولى التي يسمعون بها عن مصطلح النكبة. يعرفون "الاستقلال" الاسرائيلي فقط، ولا يعرفون التاريخ الحقيقي، يسمعون وجهة نظر المنتصر الذي يصوغ التاريخ كما يحلو له فحسب ويتغاضى عن المجازر والتهجير القسري والقتل الذي حدث.

خلال الجولة، وقفنا عند منزلين في الحي، يقفان أحدهما بجانب الآخر، الاول يظهر عليه الاهمال، إنه مهجور، "أموال متروكة" بحسب اللكنة المحلية، ينتظر عودة أهله له. وجاره يبدو أنه لبس حلّة جديدة! الحجر العربي الفلسطيني أبيض - إنه التصميم الأصلي لكن مواد البناء، حجارة البناء جديدة ومتجددة، تحمل رونقا تحديثيا، فيتم الحفاظ على القديم وعلى التاريخ لكن التجديد قائم. كلا، ليست البلدية ولا الدولة من يرمم هذا المنزل، بل إنهم سكانه الجدد! هم من سكان الحي، عاد حفيد العائلة الى منزل جدته واقتنى المبنى كاملا - رممه، بناه من جديد، ويستعد ليسكن فيه. المنازل التي فوق منزل جدته هي املاك غائبين أيضا، اقتناها من "عميدار".

هل يحق له ولي أن نقطن في بيوت ملكيتينا لها هي ملكية مسروقة اقتنيناها بتعب جبيننا؟ وإن عاد أصحاب البيت الأصليين؟ هل أفقد ملكي بحسب قوانين دولة إسرائيل التي نعيش تحت كنفها؟

هذا الموضوع بحد ذاته تجاهله الكثيرون من المفكرين الفلسطينيين والعرب، وهو امر لا يتداول فيه في وسائل الاعلام، بل ويرجع اليه بالمصطلح العام "حق العودة"!

ولكن اذا عدنا قليلا الى الوراء، ما هو قانون أملاك الغائبين؟ كان الصراع على ملكية الأرض في فلسطين منذ قبل قيام دولة إسرائيل واحداً من أهم مظاهر الصراع العربي – الصهيوني في فلسطين وبالأخص تحت الانتداب البريطاني الذي سمح بموجات كبرى من هجرة اليهود الأوروبيين الى فلسطين. ومن أهم معالم هذا الصراع على الإطلاق كان في شراء المؤسسات الصهيونية المختلفة الأراضي، وطرد الفلاحين العرب، معروف أن هذا القانون الذي سُنّ عام 1951 سمح لاسرائيل بالاستيلاء والسيطرة على الآلاف من المنازل والعقارات وملايين ‏الدونمات، كما هدف إلى منع عودة أي من المهجرين الفلسطينيين إلى أراضيهم وممتلكاتهم التي ‏تركوها قبل حرب 1948 أو أثناءها أو بعدها.

متى نعود للمدن؟

إن بقائي وسكني في هذا المنزل الذي هُجّرَ مالكوه منه (في حيفا)، لهو تذكار يوميّ لي بأني "لاجئ"، وأن أصحاب هذا البيت "لاجئين" أيضا! وأن ما يتحدث عنه نتنياهو كأمر مستعصي يعرفه باسم "مشكلة اللاجئين"، هو بالفعل قضية معقدة بشدة...

هذا الأمر يزيد ضيقي الشخصي، بما يخص العودة. يؤنب ضميري بشكل دائم، وفي كل مرة أذكر هذا القانون معرّفا الطلاب اليهود على هذا الظلم السافر. يؤنب ضميري لأني أسكن في منزل مالكه الأصلي والشرعي لا يستطيع استعادته، ولأني بنفسي لا أستطيع إستعادة أملاك العائلة في قرية تبع بضع عشرات الكيلومترات عن مقرّ إقامتي، والتي تحوّلت الى "حرج" وغابت وتغيّب أهلها عنها فتحوّلت الى غابة خضراء.

ثم سؤال لا بد منه لمنظمي مسيرات العودة في كل سنة، لجنة المهجرّين... "نعود" سنويا الى القرى، متى سنعود الى المدن؟؟ ماذا عن حيفا؟ ويافا؟ وبئر السبع؟ وأسدود؟ وعكا؟ وصفد؟ والقدس؟ ما حدث لحيفا ويافا وغيرهما، يحدث اليوم للقدس، فقد أقرت العام الماضي المحكمة الإسرائيلية على إحلال قانون أملاك الغائبين أيضًا على شرق القدس. ويعني هذا القرار أن بإمكان الدولة أن تضع يدها على الأملاك الفلسطينية الموجودة في شرقي القدس فقط لأن أصحابها يسكنون خارج حدود مدينة القدس أي في الضفة الغربية.

لهذا السبب يمكن القول إني أعود يوميا الى يافا وحيفا... والعودة الى القرى المهجرة ليست الا رمزا ومذكرا...

مؤخرا سمعت وضمن اهتمامي الشديد بالأزمة السورية وكل الحديث عن "أزمة اللاجئين" في أوروبا، وقضية توطينهم، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل يتحدث عن الموضوع قائلا إن "الحل المستدام والوحيد هو عودة اللاجئين الى أراضيهم لأن التوطين ممنوع دستوريا"!

ومن هذا المنطلق ينبع مفهوم حق العودة لكل لاجئ، فذهبت أبحث قليلا عن الموضوع، ووجدت أن الأمم المتحدة قد أرست ذلك في قراراتها، إذ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 والذي جاء في الفقرة 11 منه بأن الجمعية العامة "تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".

مرّت 68 عاما واللاجؤون ينتظرون العودة الى ديارهم وممتلكاتهم! والحلّ مكتوب على ورق منذ 11/12/1948.... فقط لمعلومية السيد نتنياهو وغيره.

بالنسبة لهذا القرار، سؤال لا بد منه، ماذا عن اللاجئين الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي؟ ماذا عن ورثاء أولئك الذين هُجرّوا وتهجّروا في داخل الوطن؟ ماذا عن التعويض إن لم يكن العودة؟ هل من يُجبر إسرائيل على تعويض مواطنيها (الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من أمثالي) الذين طردتهم من ديارهم؟
وبهذا الخصوص لا بد من التأكيد أن بعض هؤلاء "عادوا" بطريقة غير مباشرة عبر شراء منازل وممتلكات وفتح مصالح تجارية في صفد وفي بيسان وفي بئر السبع، وفي حيفا، وفي عكا، ولكن ليس لأنهم اصحاب حق، بل لأنهم أصحاب مال ومبادرة! وهذه هي السخرية الكبرى في الموضوع...
ولم أطرح بعد مسألة إقرث وكفر برعم، الذين يسكن مهجرّوها في حيفا وقرى الجليل المجاورة، ورغم صدور قرار من المحكمة بحق عودتهم لا يزال لم ينفذ. تخيّلوا لاجئا من كفر برعم أو اقرث يقطن في منزل هُجّر أهله منه في حيفا! بالأحرى، لا تتخيّلوا، هذا واقع بعض أصدقائي... والذين حاولوا كونهم أحفاد اللاجئين الأصليين العودة الى قراهم المهّجرة وإحياءها في السنوات الماضية...

يافا، 17-5-2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العوده و التعويض
عبد المطلب العلمي ( 2016 / 5 / 18 - 19:25 )
مقال رائع يا رفيقي العزيز.و اود التاكيد(ردا على تساؤلك حول التعويض)ان العوده و التعويض امران متلازمان و لكل لاجئ الحق بالعوده بالاضافه للتعويض.ادناه ترجمه حرفيه لهذا الجزء من النص:
تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
اي انه(في اقرب وقت ممكن): عند توقف القتال عام 1948، أي عند توقيع اتفاقيات الهدنة، أولاً مع مصر في شباط1949 ثم لبنان والأردن، وأخيراً مع سورية في تموز 1949. ومنع عودة اللاجئين من هذا التاريخ إلى يومنا هذا يعتبر خرقاً مستمراً للقانون الدولي يترتب عليه تعويض اللاجئين عن معاناتهم النفسية وخسائرهم المادية، وعن حقهم في دخل ممتلكاتهم طوال الفترة السابقة.


2 - وهل من حلول؟
ِشاهين نصّار ( 2016 / 5 / 18 - 20:41 )
بالفعل يا رفيق، انهما حقان متلازمان، وطرحي جاء بما يخص اللاجئين هل من حلول؟ انها مشكلة معقدة دون شك.. واليوم بعد 68 عاما، وحالي حال العديد من الفلسطينيين في الداخل، لديهم عقارات ومنازل وشقق في العديد من المدن وحتى القرى التي تهجروا اليها، رغم أنهم مهجرون من قرى أخرى لا يستطيعون العودة اليها. عن أي تعويض نتحدث؟ هذه أسئلة لا بد من طرحها!! بالاخص للقيادة الفلسطينية التي تتفاوض باسمي وباسم اللاجئين!
حق العودة لا تنازل عنه وان تنازل على سبيل المثال أولاد خاليّ عن حقهم بالعودة الى معلول! ولكن هذا موضوع آخر لا بد من طرحه في المستقبل ...

أشكرك رفيقي العزيز...

اخر الافلام

.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق


.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا




.. تقارير: الجنائية الدولية تدرس إصدار أوامر اعتقال بحق قادة من