الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بوليفيا .. إلى أبوظبي.. درس من العيار الثقيل

إكرام يوسف

2005 / 12 / 8
الادارة و الاقتصاد


وسط احتدام أطماع القوى الكبرى للسيطرة على ثروات الشعوب، ورغم تسابق الشركات متعدية الجنسيات لوضع أيديها على كل موارد الطاقة بالتحديد من أقصى الأرض إلى أقصاها.. ذلك السباق الذي يطيح في طريقه بكل ما كانت الدول تتغنى به من سيادة قومية، ومن سيطرة الشعوب على مقدراتها.. مازالت شعوب العالم تبدي مقاومة لهذه الهيمنة، بعدما زاد وعي المواطن العادي، ولمس بيديه مدى تأثير هذه الأطماع العالمية على حياته اليومية وتهديدها المباشر لحقه في لقمة العيش.
وهاهي أنباء صحوات تترى من هنا وهناك، تؤكد أن أحلام القوى الاستعمارية في بسط هيمنتها على مقدرات الناس لن تمر بسهولة.. وأن الشعوب لم تعد بالسذاجة التي كان يتصورها الطامعون.. ويأتي الدرس هذه المرة من بوليفيا في أمريكا اللاتينية، وتتلقفه عقول يقظة في دولة الإمارات الشقيقة الناهضة، لتكمل لنا الدرس .. فهل نتعظ نحن في مصر؟
لقد ضربت بوليفيا- تلك الدولة الصغيرة الفقيرة الواقعة في الحضن الوسط الغربي من قارة أمريكا الجنوبية_ مثلاً في الوعي بأهمية إدراك مقومات الثروات الاقتصادية الوطنية للأوطان وبأن العبرة ليست في المكاسب السريعة قصيرة النظر وإنما بالتخطيط المدروس الذي يعم خيره ليس فقط على الأجيال الحالية وإنما الأجيال المقبلة أيضا.
فمنذ عام 1997 وشركات النفط والغاز العالمية تتسابق بكل ثقلها على استغلال ثروة الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا ـ في دولةا يعيش نحو أربعة وستين في المائة منهم تحت خط الفقرـ خاصة بعدما اتضح أن احتياطي البلاد من تلك الثروة يبلغ 727.2 مليار متر مكعب. لكن البوليفيين اكتشفوا أن الاكتفاء بمجرد تصدير الغاز إلى الخارج يحرمهم من حقهم في الاستفادة المثلي من ثروتهم, وأن الامتيازات التي تحصل عليها شركات النفط لا تترك لهم سوى الفتات. ومن هنا – بالإضافة إلى عوامل أخرى_ تولدت شرارة الاحتجاجات الشعبية التي دفعت رئيسيين متتاليين للجمهورية إلى الاستقالة كان آخرهما في منتصف العام الحالي؛ عندما اندلعت المظاهرات في منتصف مايو بعدما أعلن الكونجرس البوليفي رفضه المطلب الشعبي بتأميم الغاز وسيطرة الشعب على الطاقة التي كانت قد بيعت للشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الأمريكية . وواصلت النقابات ومنظمات الحركات الاجتماعية والحركات الراديكالية للفلاحين والسكان الأصليين تظاهراتها ,واستمر العصيان المدني من أجل تأميم الغاز . وتطورت الأحداث إلى أن استقال الرئيس " ميسا ",أملا في أن تمر الأزمة , كما مرت منذ عامين , وانتهت بالإطاحة بالرئيس السابق " كونزالو شانسيز " وتنصيب نائبه " ميسا " رئيسا .
فالناس في بوليفيا- وهي بالمناسبة دولة اسمها مشتق من اسم ثائرها سيمون بوليفار الذي حررها من الحكم الاسباني في الربع الأول من القرن التاسع عشر- أعلنت بوضوح عن رغبتها في استغلال قطاع الطاقة المحلي في بناء قطاع صناعي بدلا من الاكتفاء بتصدير الطاقة التي تمثل عصب الحضارة الحديثة إلى الخارج.
لقد فطن المواطن العادي في تلك الدولة المعدمة ـ تقريبا ـ إلى حقيقة ماتزال إلى حد كبير غائبة عنا في منطقتنا العربية؛ حيث يتم تصدير جانبا ضخما من ثرواتنا من الطاقة للخارج (نحو ستين في المائة من صادرات العرب نفط وغاز) بدون استغلالها الاستغلال الأمثل في بناء مجتمعات صناعية متطورة لاسيما وأن تلك الثروات تشكل فعلا عصب الحضارة الصناعية الحديثة.
غير أن ثمة أخبار جديدة ربما تبعث على التفاؤل جاءت من دولة الإمارات الشقيقة. فهذه الدولة النفطية المهمة (احتياطياتها النفطية تبلغ 97.8 مليار برميل) تراودها الآن فكرة لا تبعد كثيرا عن الطريقة التي فكر بها المواطن العادي في بوليفيا. فقد أعلنت إمارة أبو ظبي اعتزامها العمل على أن تصبح أحد مراكز الصناعات الثقيلة في العالم. بعدما رأى المسئولون في الإمارة أن قطاع الصناعات الثقيلة في الغرب- مثل صناعات الصلب والألمنيوم والسيارات- في الغرب يعاني من خسائر ضخمة بسبب الصعود الصاروخي في أسعار الطاقة وارتفاع تكاليف العمالة (شركة جنرال موتورز أكبر شركة لإنتاج السيارات في العالم تكبدت خسائر قيمتها 1.1 مليار دولار في الربع الأول من السنة المالية الحالية، وتقلصت حصتها في السوق الأمريكية إلى 24.7 في المائة ) . وبالنظر إلى تمتع الإمارة بوفرة في الطاقة وبرخص الأيدي العاملة التي يسهل جلبها من آسيا جاءت فكرة التحول إلى مركز عالمي للصناعات الثقيلة. يأتي ذلك وسط مساع مماثلة وإن كانت بطريقة أخرى في إمارة الفجيرة، التي تسعى إلى أن تصبح مركزا عالميا لتموين السفن بالوقود بينما تشهد مساع لبناء قاعدة إنتاجية ضخمة لإنتاج المشتقات النفطية.
أفلا يجدر بنا ـ في مصر ـ أن نبحث بدقة الدروس لمستفادة من هذه التجارب؟ وأن نعيد النظر في قضية الهرولة إلى تصدير جانب كبير من إنتاجنا الضخم من الغاز الطبيعي إلى الخارج (باحتياطي يصل إلى 75 تريليون قدم مكعب منها 53 تريليونا احتياطي مؤكد) مع أن فرصتنا كبيرة في استغلال هذا الغاز في بناء قاعدة صناعية هائلة وتحقيق مكاسب أكبر بكثير من مكاسب تصدير الغاز الخام خاصة وإن إمكانياتنا البشرية وخبراتنا في هذا المجال أكبر بكثير من إمكانيات بوليفيا والإمارات (شركة الحديد والصلب المصرية أعلنت تحقيق صافى أرباح قدره 274 مليون جنيه خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي مقابل 10 ملايين خلال العام السابق بأكمله) . إن الأمر يتطلب فقط إعادة نظر: فمصر أزمتها الاقتصادية الخانقة لم تعد خافية على أحد، ومعاناة المصريين من أجل الحفاظ على مستوى حياة كريمة تستحق البحث عن سبل لسد حاجات المواطنين. وإعادة يحث سبل الاستفادة من مواردنا بدلا من استسهال تصديرها؛ سيتيح فرص تشغيل ملايين العاطلين، بدلا من أن نظل نشكو من زيادة السكان.. التي نعلم جميعا أنها يمكن أن تكون نعمة لا نقمة، إذا ما حرصنا على الاستخدام الأمثل لمواردنا، وكما نعلم جميعا "فما يحتاجه البيت يحرم على الجامع".. وما يحتاجه الوطن لتشغيل أبنائه العاطلين وبناء صناعة قوية يحرم على التصدير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأحزاب البريطانية تراهن على خططها الاقتصادية لاستمالة الناخ


.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ




.. كل يوم - خبير اقتصادي : نتمني أن تعيد الدولة النظر في قرار غ


.. الأوضاع المعيشية والاقتصادية تتصدر اهتمامات الناخبين في اختي




.. توفير مستلزمات الإنتاج.. أولويات وزير الزراعة الجديد