الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعيداً عن الأزمة الراهنة في سوريا

علي الشهابي

2005 / 12 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


"تركيا جسر سوريا الأوروبي"

أخيراً، وخلافاً للكثير من التوقعات، وافق الاتحاد الأوروبي على ضم تركيا. ولأنه ليس مشروعاً خيرياً، فلابد له من أسباب جوهرية لهذا الضم. ويمكن تلمس هذه الأسباب فقط في سياق العولمة، وتحديداً في سياق نهج العولمة الأوروبي.
بما أن العولمة بشكلها النهائي عبارة عن حرية حركة الأفراد والبضائع في كافة أرجاء المعمورة، لذا مازال العالم بعيداً جداً عن بلوغها لأنه مازال يتعولم. ولأنه مازال يتعولم، من البديهي أن تحاول كل واحدة من القوى الرأسمالية الرئيسية صياغة العولمة بالشكل الذي يحقق مصالحها الحالية، ريثما تكتمل العولمة وتتوحد المصالح. في ظل هذا الواقع نرى تيارين رئيسيين يفعلان فعلهما في صياغتها، وهما الأمركة والأوربة.
هذان التياران يتناقضان جزئياً ويتكاملان في مجراها العام، والأدق إنهما يتكاملان تناقضياً. ويمكن التمييز بينهما ضمن المسار العام للتشابك الكثيف في شبكة رؤوس الأموال على الساحة العالمية، هذا الذي يمثّل تشابك ثلاثة قوىً اقتصادية: أولاً رؤوس الأموال القومية في البلدان المتطورة، وثانياً رأس المال العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وأخيراً رؤوس الأموال في البلدان المتخلفة ونصف المتخلفة.
1. رأس المال الأمريكي هو الأقوى بين الأولى بلا منازع، ولهذا يسيطر على رأس المال العالمي ليفعل الأخير فعله بالمحصلة في خدمته. يضاف إلى ذلك القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة التي من منطقها تحقيق مكاسب اقتصادية إضافية لرأسمالها القومي، ولرأس المال العالمي المندمج برساميلها، على حساب باقي رؤوس الأموال القومية.
2. رؤوس الأموال القومية في البلدان المتطورة، وأهمها الياباني ومن ثم الأوروبية، وهي تعيش حالة من الصراع والتنافس فيما بينها، بما فيه التنافس والصراع مع رأ المال الأمريكي.
3. رؤوس الأموال في البلدان المتخلفة ونصف المتخلفة، وسأتغاضى عنها في هذا السياق لقلة أهميتها في صياغة العولمة، طالما أن رأس المال المتطور، وخصوصاً الأمريكي، يجذبها إلى دورته ليستفيد منها وتحقق مصالحه من خلاله.
بهذه اللوحة المكثفة، ولدى المقارنة بين رأس المال الأمريكي ورؤوس الأموال الأوروبية، نلاحظ أن رأس المال الأمريكي هو الأقدر على مواصلة النمو والتطور في ظل استمرار القانون الكلاسيكي للتنافس الرأسمالي، قانون التنافس الحر للسلع. وهنا، بفعل ما يترتب على هذا القانون، تكمن كل دواعي تشكيل الاتحاد الأوروبي. فما هي ماهية هذا الاتحاد؟
بما أن رأس المال الأمريكي يمتاز على رؤوس الموال الأوروبية الغربية بالمزايا المذكورة أعلاه، فهي أعجز من مجاراته بالتنافس الحر، ولهذا صار يقفز وصارت تنكمش. واستمرار هذا الوضع من الطبيعي أن يوسّع الهوة بينهما، لتبلغ مرحلة تصير فيها مجرد تابعة له. و هذا ما فرض عليها اللجوء إلى أسلوب جديد في التنافس معه. ويكمن هذا الأسلوب بالتوحد مع البلدان الواقعة في محيطها الجغرافي، وابتدأت بأوروبا الشرقية. فبهذه الوحدة تحقق شكل رئيسي ما يلي:
• توسيع سوق استثماراتها بحيث تفرض على الأوروبيين الشرقيين، بشكل غير مباشر، استهلاك السلع الأوروبية.
• تطوير مستوى معيشة الشعوب الشرقية، وبالتالي زيادة استهلاكها، مما ينشط كل الاقتصاد الأوروبي.
• تمركز رأس المال الأوروبي باجتذاب رأس المال الشرقي إلى دورة الغربي، مما يقوي قدرته التنافسية في الساحة العالمية.
• حل مشكلة شيخوخة سكان أوروبا الغربية بأسلوب أكثر جدوىً اقتصادية، مقارنة بالهجرة المشروعة أو غير المشروعة.
هذه مكاسب الاقتصاد الوروبي الغربي من تشكيل الاتحاد الأوروبي. وحتى يحققها لابد أن يدفع مقابلها نقداً وخدماتٍ للشعوب الشرقية.. وهو يدفع. هذا المشروع الأوروبي ـ والدق مشروع رأس المال الأوروبي ـ ليس من منطقه أن يلفظ تركيا، حتى لو لم يكن فيها متراً مربعاً واحداً من أوروبا. لكنه يريد أن يكفل ألاّ تتفجر الأوضاع فيها وتخلق له الأزمات، وبالتالي يريد أن يضمن بالمطلق انتفاء أي إمكانية للأزمة فيها. وهذا يتطلب منها ثلاثة أمور أساسية: أولاً أن يكون كل المجتمع فيها ديموقراطياً علمانياً، لا السلطة فحسب، مما يفضي إلى إنهاء سلطة الجيش كحارس للعلمانية. ثانياً حل المسألة الكردية بما يضمن اندماج كل مكونات المجتمع التركي تركياً، تمهيداً لاندماج الجميع في الاتحاد الأوروبي الكوسموبوليتي. وثالثاً اضطراد وتيرة التنامي الاقتصادي، وهو ما سيساعد فيه الاتحاد الأوروبي. وسأتوقف قليلاً عند هذا الخير لكونه قابلاً للقياس مقارنة بمثيله من بلدان الاتحاد.
مع أن معدل نمو الاقتصاد التركي بلغ في العام الماضي 10%، وهو معدل جبار بلاشك، إلا أن متوسط دخل الفرد مازال نصف مثيله في بلدان الدفعة الأخيرة، وخمس مثيله في البلدان العشرة الأولى. وقد أعطيت بلدان الدفعة الأخيرة سبع سنوات لتحقق المطلوب منها، وهي بلا مشاكل قومية أو سلطات عسكرية تحرس علمانيتها، لذا من الطبيعي إعطاء تريكا تسع سنوات بالحدود الدنيا.
مجمل ما تقدم يبين أن ضم تركيا جزء لا يتجزأ من مشروع الاتحاد الأوروبي، وبنفس الوقت مجرد حلقة من حلقاته. إنه مجرد حلقة لأنه يأتي في سياق القانون الذي فرض على الأوربة أن تنوجد. وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي يحتاج مزيداً من البلدان القل تطوراً ليضمها إليه، شريطة أن يتوفر فيها جوهر الشروط التركية. وهذا يفسح في المجال أمام إمكانية انتهاج سوريا نهج تركيا لسببين: لأنها باتت تحد الاتحاد الأوروبي، ولأن فيها كل مقدمات التطور بالاتجاه الديموقراطي العلماني. أما ما ينقصها فتبنّي الأحزاب السياسية لاستراتيجية هذا الانضمام، وبالتالي العمل الجدي لتوفير مقدماته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس


.. نشرة إيجاز - محتجزون إسرائيليون يطالبون نتنياهو بالإفراج عنه




.. غزة.. ماذا بعد؟ | زخم جديد تقف وراءه الدوحة والقاهرة يهدف إل