الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا علينا الانتظار اكثر

جوتيار تمر
كاتب وباحث

(Jotyar Tamur Sedeeq)

2016 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



ركزت وسائل الاعلام المرئية والسمعية والمقروءة خلال الايام الماضية على مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت منطقة الشرق الاوسط بين كل من فرنسان وبريطانيا.. وروسيا المنسحبة بعد ثورتها البلشفية 1917، وكي لااكون ممن يركز على الحدث نفسه، احاول هنا ربط الامر بالقضية الكوردية مباشرة، حيث يرى الكثيرين بان تلك الاتفاقية هي السبب المباشر في انهاء الامال الكوردية بكيان مستقل ودولة تضم ابناء الشعب الكوردي، ولعل من المفارقة ان تلك الاتفاقية بنظر الكثيرين جاءت لترسيخ الوجود اليهودي في الشرق الاوسط بالاخص اصحاب الفكر التآمري، ولكن مع ذلك كل ينظر الى الامر من خلال ما حل به وما تركه الاتفاق من اثر عليه وفيه.
الكورد كانوا وقتها داخلين ضمن منظومة التقسيم الحقيقية بين كل من الدولة العثمانية والدولة الايرانية حيث ان الشرق الكوردستاني كان ضمن نطاق ايران، واغلب المناطق الاخرى ضمن الجغرافية العثمانية، ولم تأتي اتفاقية سايكس بيكو الا كتحصيل حاصل لتوزيع التركة العثمانية التي كانت وقتها اي اثناء عقد الاتفاق على وشك الانهيار التام والرضوخ لامر الواقع، وحين انتهى امرها، ظهرت معالم الاتفاق لاسيما بعد الثورة الروسية التي وقتها كتمهيد لمبادئها وايديولوجيتها التحررية كانت قد رضخت هي الاخرى للامر الواقع الداعي الى الحريات.
كانت الاتفاقية تنص على توزيع اراضي التركة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولكن التركة بقيت موزعة بين الاثنين الاولين، فتحولت كوردستان بعدها الى مناطق مجزئة تماما بين الدول الحديثة التي انشأها الانتداب، فالحقت الكثير من المناطق بالعراق الحديث وبسوريا الحديثة وحافظت ايران على تركتها الكوردية، اما تركيا فكان لها النصيب الاكبر.. وبهذا ترسخ مبدأ التقسيم الحاصل اصلا وفق تداعيات الواقع.. حيث الانتصار وانهاء الامبراطورية العثمانية يجب ان تكافئ بطريقة تليق بالانتصار.. وبالطبع لايهم مصير الامم والشعوب التي تعيش تحت وطأة الحكم الافتراضي ومن ثم الواقعي انذاك.
كان اتفاق سايكس بيكو واقعاً حين قررت الدول نفسها في معاهدة سيفر 1920 ان تعطي للكورد املاَ بانشاء كيان كوردي مستقل في شرق الاناضول ذات الاغلبية الكوردية، وفي الوقت نفسه كان اتفاق سايكس بيكو واقعا حين تقرر في مؤتمر لوزان 1923 طمس معالم الحلم الكوردي ضمن تركيا الحديثة وتلك الدويلات العربية التي قامت على انقاض الدولة العثمانية ذات الخلافة الاسلامية والتي حسب ما تذهب اليه اعتقادات اهل هذه الدول بالذات العربية بانها تؤمن بنظام الامة الواحدة باعتبار ان القران الكريم ذكر كنتم خير امة.. وبين التناقض والواقع تأسست الكثير من الدول لكنها كلها كانت دول ذات رؤية قومية واضحة وكلها كانت من القومية العربية.. وبقي مصير الكورد مجهولاَ دون اية محاولة جادة من القوى العظمى انذاك بتوضيح الامر بشكل مقنع، فقط الرؤية كانت بأن المصلحة العامة للمنطقة اقتضت انشاء تلك الدول وطمس الدولة الكردية في المهد.
اذا بين وجود اتفاقية سايكس بيكو والجدلية الدولية حول مصير الشعوب في كل من سيفر ولوزان.. يوجد خط اخر وهمي بنظر الكثيرين ولكنه واقع ملموس بنظر المتتبعين للواقع.. دون اية افتراضات ضمنية، فسايكس بيكو التي قمست التركة العثمانية لم تكن تنظر الى الكورد كدولة، انما تماشت مع الواقع الانقسامي ووزعت بقايا التركة التي تشمل كوردستان ضمن سياقات الاتفاق والمصلحة، فكانت المصلحة انذاك تقتضي فرض هذا الواقع المؤلم للشعب الكوردي.. وفي المقابل استحكام القوى الشوفينية العنصرية القومية بمصيرهم ضمن مدى زمني يقال بانه 100 سنة، ولكن الغريب ان السنوات المحددة هذه لم تشكل اي تحرك جدي ولا جدلي بالنسبة للغرب القوي والمتحكم .. بينما قامت القيامة في الدول التي اقتنعت بالتقسيم وقتها لكون التقسيم وضعت التسميات في محلها وجعلت لكل اسم منظومة مستقلة لايهم كيف اتت المهم انها اصحبت امر واقع وقتها ولحد الان.. اذا لماذا نلعن سايكس بيكو.. طالما هي اعطت لكل دولة حدود وجغرافية.. وجعلت من خير امة امم تتقاتل فيما بينها على الحدود.. وعلى المصالح.. وعلى كل شيء .. وتدعي في الاعلاميات بان تلك الاتفاقية فرقتهم.. وهم غير مستعدين للتوحد حتى لو لم يكن هناك اساس للاتفاقية.
المفارقة ان الكورد دخلوا تلك اللعبة ايضا، فظنوا ان الاتفاقية هي التي فرقتهم وجزئتهم مع انهم كانوا مجزئين اصلا.. ضمن حدود سياسية كانت مرسومة بل ومهيأة مسبقاً للمنطقة.. وهذا ما اتضح بجلاء في كل من سيفر ولوزان.. فكأن الاتفاقية السابقة التي عقدت في 1916 انما كانت مجرد تمهيد لرسم خطط اكثر عمقاً في المنطقة واكثر شمولية بعدها، فاستعملت القوى العظمى وقتها سياسة المهادنة الضمنية والتي افرزت اعطاء وعود لحين انتهاء الرسم النهائي للمنطقة كلها، ولانها لاتقدم على الامر دون اخذ الاحتياطات اللازمة عقدت مؤتمرات ووقعت معاهدات.. فحين يرى المنتظرين لتحقيق كياناتهم المستقلة من اصحاب القوميات المضطهدة داخل المنظومات الشوفينة القومية العنصرية الاخرى، فانهم حينها يصدقون الامر، بل يتحدثون عن الامر وكأنه نهائي ولارجعة فيه، والسؤال لماذا..؟ والجواب بسيط لان القوى العظمى انذاك هي التي قررت.. وفي الواقع انها كانت ولم تزل تفعل ذلك تقرر نيابة عن الاخرين.. ولاتعطي للاخرين سوى كبسولات مهدأة تعد الجميع بالامن والاستقرار والكيانات المستقلة كي يتم تفصيل المنطقة وفق تداعيات حديثة تتناسب والقيمة المصلحوية التي تتنباها تلك القوى، ولااعلم ان كان الامر بات وشيكاً ام لا.. فان المصلحة الان وضمن هذه الفوضى الشرق اوسطية تعطي الاولوية لتحالفات على مستويات مختلفة منها داخلية ( داخل البيت الكوردستاني) ، او داخل الدولة ، او اقليمية ، او دولية واسعة النطاق.. فالضمانات الوحيدة للابقاء على طموح وحلم الكورد يتمثل الان بالدرجة الاساس بهذه التحالفات بالاخص التحالف الداخلي والدولي حيث سيتم من خلالهما رسم ملامح جديدة للقضية بصورة عامة وللحلم بوجه خاص طالما ان الاتفاقيات توضع على اساس الموجود الفعلي.. والموجود الفعلي هو التقسيم الحاصل.. والتقسيم لايتم تجاهله من قبل القوى العظمى.. انما يتم توظيفه لتوسيع مصالحها في المنطقة وبالتالي فان الصف الداخلي حين يتكاتف ويكون في خندق واحد سيتم وقتها وضع اجندة جديدة مناسبة لضم هذه الكتلة الموحدة داخلياً اي مثلما كانت اتفاقية سايكس بيكو فرض لصورة الواقع التقسيمي الحاصل اصلا.. فان اية اتفاقية جديدة ستشمل هذه الرؤية حول الواقع العياني.
لهذا اما علينا الانتظار.. او القيام بخطوة لم نخطوها من قبل.. فنوحد الصف الداخلي ونعلن بصوت واحد نريد حلاً لقضيتنا.. وننتظر منكم تعاوناً ورسماً جديداً للواقع الحالي.. وللجغرافية الحالية.. وبذلك يكون الصوت الموحد هو الخيار الذي يحرك الطاولة الدولية.. التي لاتتحرك الا حين تجد في الامر ما يمس مصلحتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة