الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب اللبناني بين عقدة الطائفية وغياب دور الدولة

حليم الخوري

2005 / 12 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يتكوّن المجتمع اللبناني من عدد كبير من الطوائف. ولكلّ طائفة قيمها وتقاليدها الخاصّة بها، والتي تعتبرها بمثابة خطّ أحمر، إذا ما تمّ تجاوزه من قبل أيّ طائفة أخرى، استنفرت جميع قدراتها وإمكانياتها الماديّة والمعنويّة لمواجهتها، دون أن توفّر أيّة مساعدة خارجية تقدّم لها في هذا المجال، أعربية كانت أم أجنبية.

ولقد شهد تاريخ لبنان المعاصر، لا سيّما في القرنين التاسع عشر والعشرين، أحداثاً وتطورات مختلفة، جسّدت هذا الواقع بوضوح، وسبّبت شرخاً كبيراً في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين على اختلاف مذاهبهم.
واليوم، وعلى أثر جريمة الاغتيال التي استهدفت رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط/فبراير من العام الحالي، وما أعقبها من أحداث سياسية وأمنية اهتزّت لها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، نجد أنّ الخطاب الطائفي والمذهبي عاد ليخيّم من جديد على الأجواء السياسية والشعبية اللبنانية، مكرّساً حالةً من الانقسام الحادّ بين مختلف الشرائح الطائفية في المجتمع، خاصّة في ما يتعلّق بالموقف من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، وما تلاه من قرارات أخرى.

للأسف، لم يتعلّم الشعب اللبناني بالرغم من كلّ الأحداث الأليمة التي عصفت بالبلاد في الماضي، بأنّ عليه أن يقدّم مصلحة وطنه على مصالح ورغبات المجموعة الطائفية التي ينتمي إليها. وما زلنا حتى يومنا هذا، نرى بأنّ "علّة" الطائفية البغيضة، تستمر في التغلغل داخل مختلف النشاطات السياسية والتربوية والاجتماعية والثقافية اللبنانية دون استثناء؛ يساعدها في ذلك بالطبع، الغياب الكلّي لعاملي التربية والإعداد الوطنيين للأجيال الناشئة، بدءاً من المنزل العائلي، مروراً بالمدرسة والجامعة والمعهد، وصولاً إلى الوظيفة بوجهيها العام والخاص، حيث نلاحظ أنّ الطائفة، لا الكفاءة العلمية، هي الممرّ الإلزامي الذي يجب أن يعبره كلّ شخص للحصول على مركز ما، سياسي أو اجتماعي أو غيره، داخل مؤسسات الدولة أو خارجها على حدّ سواء.
حتى الهيئات والجمعيات الأهلية على اختلاف أنواعها، والتي لطالما عوّل عليها في موضوع المساهمة والمثابرة على توطيد أسس ودعائم التماسك والتعاضد الاجتماعيين، وترسيخ مبدأ المواطنية السليم، والتشديد على الالتزام بالممارسة الديمقراطية الصحيحة وإشراك المواطنين بكلّ فئاتهم وانتماءاتهم بالشأن العام، تبيّن في النهاية بأنّ معظمها يدار من قبل مسؤولين لهم خلفياتهم العائلية والمناطقية والطائفية الضيّقة، قاموا باستخدام مراكزهم ومواقعهم الوظيفية، لتأمين مصالحهم الآنيّة ومصالح أقربائهم وشركائهم في العقيدة أو الملّة.

أمّا في ما يتعلّق بالموضوع الثقافي، فلا نجد اليوم أيّ سياسة متّبعة في هذا المجال من قبل الدولة ومؤسساتها تجاه الشباب اللبناني الصاعد. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على وسائل الإعلام اللبنانية كافةً، حيث يكاد ينحصر نشاطها على مدار الساعة تقريباً، في نقل البرامج الاستهلاكية والتجارية التافهة والغير هادفة. أضف إلى ذلك، تزايد ظاهرة ضعف دور المطالعة لدى السواد الأعظم من طلاب المدارس والجامعات والمؤسسات التي تعنى بالشؤون الثقافية على اختلاف أنواعها، في مقابل ارتفاع نسبة مشاهدتهم للتلفزيون أو تمضية وقتهم في لعب الورق أو في الجلوس أمام شاشات الكومبيوتر لممارسة هواية الـChatting أو للاطّلاع على آخر الصرعات الغربية التي تجتاح مجتمعاتنا العربية في هذه الأيام...


لقد قامت تجارب عديدة خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، لمحاولة إدماج الشباب اللبناني بمختلف طوائفه ومذاهبه وانتماءاته العائلية والاجتماعية والثقافية مع بعضه البعض، وجمعه في بوتقة واحدة تحت شعار "قبول واحترام رأي ومعتقدات الآخر"، شاركت فيها بعض المنظمات الدولية، بالتعاون مع العديد من الهيئات والجمعيات الأهلية اللبنانية، إلا أنّ النتائج جاءت غير مرضية بسبب تراكمات الأحداث الأليمة الماضية، المترسّخة والمتجذّرة في عقول الشريحة الكبرى من هذا الشباب، والتي لم تقم السلطات السياسية المتعاقبة على الحكم منذ انتهاء الحرب الأهلية وحتى اليوم، بأيّ دور بارز لمساعدتها على التخلّص منها. فلا هي استجابت مثلاً لأصوات المنظمات والهيئات الشبابية المطالبة بتعديل قانون الانتخاب الحالي، بحيث يخفّض سنّ الاقتراع من واحد وعشرين عاماً إلى ثمانية عشر؛ ولا هي سعت إلى تأمين فرص العمل للشباب المتخرّج حديثاً من المعاهد والجامعات، الأمر الذي ولّد لديه حالة شديدة من اليأس والنقمة على الدولة ومؤسساتها، دفعته للسعي إلى طلب الهجرة إلى الخارج لتأمين مستقبله العائلي والمهني على حدّ سواء.

والآن، وبعد كلّ ما تقدّم، أتساءل مع المتسائلين : هل تستفيق دولتنا الكريمة، ولو متأخرة، من سباتها العميق فتحتضن شبابها وترعى شؤونه وتؤمّن له احتياجاته ومطالبه المحقّة قبل فوات الأوان؟
آمل ذلك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا